عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

الرياضة بطعم حروب الهوية

الأخبار

السبت، 17 ديسمبر 2022 - 07:09 م

لم تقتصر المنافسة المحتدمة بين مختلف المنتخبات فى نهائيات مباريات كأس العالم قطر 2022 على المجال الرياضى الصرف، بل نحت نحو صراع قيمى مكشوف يؤشر على إصرار الغرب على فرض رزمة قيم ومبادئ كما يعتقدها ويؤمن بها، أصر على أن ينصب نفسه شرطيا متشددا على القيم والأخلاق.

وهكذا وجد العالم نفسه بصفة مفاجئة فى صراع محتدم يتعلق بقضايا الهوية والإنسية والقيم والمبادئ فيما يشبه صراع حضارات متجدد اقتحم هذه المرة المجالات الرياضية..

هكذا تعمد الغرب أن يشعل فتيل حرب حقيقية حول الطبيعة الإنسانية، خصوصا ما يتعلق بقيم الأمومة والأسرة وحميمية الروابط الاجتماعية الطبيعية، فى مواجهة قيم الشذوذ الجنسى وتحدى نظام الطبيعة وهندسة الإنسان، وهى القيم التى ترفضها حتى المجتمعات الحيوانية.

و لم يكن طبيعيا ولا عاديا أن غادرت المنتخبات التى كمم لاعبوها أفواههم بأياديهم، وحمل وزراؤها شعارات الشذوذ على ذراعهم بتصرفات مشينة تنم عن رفض الاختلاف والتعدد، وتؤكد الاستعداد على دوس القوانين وضوابط التنظيم، حينما يتعلق الأمر بفرض قناعاتهم تحت الإكراه وضغط المنافسات بصفة جد مبكرة ،وفى حين واصلت منتخبات أخرى مشوارها فى المنافسات إلى أبعد حدود ممكنة، وكأنها رسالة واضحة عن رفض الرياضة هذا التوظيف المشبوه. الطبيعة التى أصرت على إقصاء دعاة هدم الأسرة وتدمير القيم الإنسانية الطبيعية التى ميزت المجتمعات البشرية منذ ظهور الإنسان على الكرة الأرضية قبل آلاف السنين.

و لذلك فإن لاعبى المنتخب المغربى لكرة القدم الذى أبهر العالم بانتصاراته فى هذه النهائيات، نجحوا أيضا فى نصرة الطبيعة الإنسانية. وكأنهم كانوا يدركون مسبقا أن المنافسة فى قطر هذه المرة، لن تقتصر على السعى من أجل تسجيل الأهداف، وتحقيق النتائج الإيجابية التى تمكنهم من تجاوز المراحل والوصول إلى أبعد حد، ولكنها ستنحو إلى ما دون ذلك، فكانت الأجوبة الواضحة التى صاغها لاعبو هذا المنتخب بما يجب من حنكة، وكانت الرسائل المقروءة التى وجهها اللاعبون المغاربة إلى من يهمهم الأمر.

أجوبة ورسائل انتصرت للتعدد والتنوع والحق فى الخصوصية المتأصلة من الطبيعة الإنسانية. فالأم فى إطار هذه الرسائل ليست تلك العجوز التى نلقى بها فى الملاجئ ودور العجزة ما أن ينجح الأبناء والأحفاد فى تكوين أسر بديلة، وما أن تنتهى صلاحيات الأم فى الإنجاب. بل هى الأم مهد الوجود التى تظل محل اعتراف بالأفضال، لأنها سبب كل النجاحات التى يحققها الأبناء. هذا ما يفسر توجه اللاعبين نحو المدرجات يبحثون وسط الجموع الغفيرة على رؤوس الأمهات لتقبيلها، وهذا ما حفل به مشهد لاعب نزل بوالدته إلى ساحة الملعب يراقصها فى لوحة إنسانية مبهرة ومدهشة ستحتفظ بها الذاكرة الإنسانية، ترفع الأيادى التى وضعت على الأفواه وتنزع الشارات الوسخة التى وضعت على بعض الذروع. إنها تعبيرات تتجاوز الفهم المنحرف لعلاقات الأمومة والأبوة لتصل إلى مستوى البر بالوالدين، وهذا تعبير يصعب أن تجد له ترجمة صادقة وأمينة فيما وصل إليه التحول القيمى فى الغرب.

والانتصار أيضا يتحقق بالجهد والتفانى فى العمل، ولكنه أيضا يتحقق بعوامل أخرى لا تلمس باليد، يتحقق بتوفيق من الله جل جلاله، لذلك هم يحتفلون بالانتصار بفتح قنينات الشامبانيا، بينما ذكرهم لاعبو المنتخب المغربى بأن التعبير عن الانتصار والاحتفاء به يكون بالسجود لله ذى الفضل فى التوفيق. وهذا تعبير آخر يصعب أن تجد له مقابلا للسلوك الغربى الجديد.

التوفيق يتحقق أيضا بحسن النية، يعنى بالإرادة المتحررة من الخلفيات ومن الحسابات، يعنى بالفأل بالخير، لذلك لم يخل تصريح من تصريحات مدرب المنتخب الوطنى من تعبير « ديرو النية » الذى لا يعنى غير تحصنوا فى حسن النية الخالصة الصادقة. وهذه أيضًا قيمة أخلاقية لم تعد تجد لها موقعا فى زحمة التناقضات القيمية والأخلاقية التى تحكم مساحة شاسعة من حضارة الغرب المعاصرة.

النجاح يتحقق أيضا حينما يكون تعبيرا جماعيا عن أمة، وليس لحظة فرح قطرية شوفينية، لذلك فإن الاحتفالات الصاخبة التى اجتاحت الخريطة العربية والإسلامية والأفريقية معبرة عن الفخر والاعتزاز بانتصار فريق يبعد عنهم جغرافيا بآلاف الكيلومترات، بسبب وجود عامل تفتقده منتخبات الغرب، عامل يتعلق بوحدة الانتماء. وهذا أيضا معطى داسته قيم الشوفينية والوحدانية فى الدول الغربية.

لذلك كله وغيره كثير نفهم ونستوعب جيدا ما سمته المجلة الفرنسية «لوبسرفاتور» بـ «انتصار أمة» فى أحد أعدادها السابقة، لأنهم أوقدوا حربا قيمية فى منافسة رياضية، وكان من الطبيعى أن تنتصر الطبيعية الإنسانية على الإنسانية المتحولة جنسيا وأخلاقيا وسلوكيا واجتماعيا.

فشكرا لقطر التى فرضت قيمة الإنسان شرطا من شروط الاستضافة، وشكرا للاعبى المنتخب المغربى الذين تفننوا فى صياغة الردود المناسبة والمقنعة، وشكرا للشعوب العربية والإسلامية والأفريقية التى نصبت نفسها طرفا مباشرا فيما استهدف القيم الإنسانية، وأكدت أن المنتخب المغربى كان ممثلها بالقيم التى دافع عنها قبل الانتصارات التى حققها.

ومع كل ذلك يتبجحون بالقول بإبعاد الرياضة عن السياسة، وعن الحسابات العرقية والدينية والقيمية، لكنهم لا يتوانون عن اقتراف ما يناقض ذلك، وهكذا لم يترددوا فى استبعاد منتخب كروى لا ذنب له فى إشعال فتيل حرب بين الأقوياء، ولم يجدوا أى حرج فى إقحام قضايا الهوية والطبيعة الإنسانية فى محفل رياضى صرف.

هم هكذا يتلاعبون بالمصائر وبالبشرية حسب الأهواء والمصالح.

نقيب الصحفيين المغاربة 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة