عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

وداعًا.. «شهود»

عمرو الديب

الأحد، 18 ديسمبر 2022 - 07:36 م

كنا على موعد فى مكتبه بتلك القلعة الشماء، والمعهد العلمى الرصين المسمى أكاديمية ناصر العسكرية، اتفقنا على اللقاء لإجراء حوار شامل بمناسبة انتهائه من وضع اللمسات النهائية على كتابة مذكراته التى أخبرنى أنها تحتضن حشد خبراته المتراكمة، وحصاد تجاربه المتنوعة فى الحياة، وقاعات الدرس، وفى ميادين القتال، وعالم العمليات العسكرية، والملفات النوعية، وقد كنت أجهز للحوار متشوقًا لاستكشاف دنيا ذلك العالم الكبير الذى ملأ الدنيا بأحاديثه الممتعة واسهاماته القيمة، ومشاركاته المضيئة التى لطالما وضعت النقاط فوق الحروف فى العديد من المواقف، وحول الكثير من الأحداث المهمة، والمحطات الفارقة فى عمر الأوطان،

وقد أصر المحلل العسكرى المخضرم والخبير الاستراتيجى الكبير اللواء ناجى شهود..أحد أبطال حرب أكتوبر أن يتصل الحوار بيننا وجهًا لوجه، وليس عن طريق أى وسائط أخري.. كاتصال هاتفى مسموع، أو مرئى أو إرسال أسئلة مكتوبة عبر الهاتف، ثم تلقى الإجابات عن نفس الطريق، أراد لحوارنا أن يجئ حيًا، وقبل أسابيع من رحيله المفاجئ عن دنيانا الفانية جاءنى صوته على الهاتف مرحبًا بإجراء الحوار بشرط أن يجرى فى مكتبه بمقر الأكاديمية بحى الدقى العريق فى الصباح الباكر، قبل أن يبدأ برنامج محاضراته لطلابه فى هذا الصرح العلمى الوطني، كنت قد التقيت به عدة مرات فى مكتبه الذى أعرفه جيدًا، وقد زف إلى نبأ مذكراته فى أحد هذه اللقاءات القيمة التى كنت استمع فيها لتحليلاته المتعمقة للوقائع، والأحداث، والمتغيرات الدولية بشغف، وإنصات، حريصاً على الاستفادة القصوى من علامة جمع بين الخبرة العملية، والتجربة الميدانية، وبين المعارف المدققة، والذخيرة العلمية المستقاة من مناهل المراجع المتخصصة، والمؤلفات المتعمقة، والكتب المعنية الحديثة، وكان - رحمه الله تعالى- يجلس على مكتبه خلف جهاز حاسبه الآلى المحمول، ويحدثنى بصوته الحنون الذى يحمل نبرة حاسمة محاولًا شرح أعقد القضايا بأسلوب سلس واضح، يسهل استيعابه متأثرًا بأحد أدواره كمعلم يوصل إلى تلاميذه المعلومة من أقصر الطرق، وحين جهزت سبعة أسئلة للحوار، اتصلت به فطلب منى أن نرجئ تحديد موعد اللقاء إلى الأسبوع التالي، وفعلًا أعددت العدة وتجهزت للقاء، ولكن القدر قرر شيئًا آخر، حيث فوجئت بنعيه يبلغنى بصورة مفاجئة، صدمتنى شخصيًا، وقد شعرت بفداحة خسارة ذلك الصوت الوطنى بالغ الصدق والإخلاص.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة