الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الأمام الشعراوي | الإنفاق

الأخبار

الخميس، 22 ديسمبر 2022 - 06:05 م

يواصل الإمام الشعراوي خواطره حول سورة البقرة ويقف عند الآية 215  في قوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ».

بقوله: والسؤال ورد من عمرو بن الجموح وكان شيخًا كبيراً فقال: يا رسول الله، إن مالى كثير فبماذا أتصدق، وعلى من أنفق؟ ولم يكن يسأل لنفسه فقط، بل كان يترجم عن مشاعر غيره أيضا، ولذلك جاءت الإجابة عامة لا تخص السائل وحده ولكنها تشمل كل المؤمنين.

والسؤال عن «مَاذَا يُنْفِقُونَ»؛ فكأن الشيء المُنْفق هو الذى يسألون عنه، والإنفاق كما نعرف يتطلب فاعلاً هو المُنْفق؛ والشيء المُنفَق هو المال؛ ومنفَقَاً عليه. وهم قد سألوا عن ماذا ينفقون، فكأن أمر الإنفاق أمر مُسَلَّمُ به، لكنهم يريدون أن يعرفوا ماذا ينفقون؟ فيأتى السؤال على هذه الوجه ويجيء الجواب حاملا الإجابة عن ذلك الوجه.

وعن أمر زائد. يقول الحق: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ» هذا هو السؤال، والجواب «قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ». إن الظاهر السطحى يظن أن السؤال هو فقط عن ماذا ينفقون؟ وأن الجواب جاء عن المنفق عليه.

ونقول: لا، لماذا نسيت قوله الحق: إن الإنفاق يجب أن يكون من (خير) فالمال المُنفق منه لابد أن يتصف بأنه جاء من مصدر خير. وبعد ذلك زاد وبيّن أنه: ما دمتم تعتقدون أن الإنفاق واجب فعليكم أن تعلموا ما هو الشيء الذى تنفقونه، ومَنْ الذى يستحق أن يُنْفَقَ عليه. «قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ». والخير هو الشيء الحسن النافع.

والمُنْفَق عليه هو دوائر الذى يُنْفِق؛ لأن الله يريد أن يُحَمّل المؤمن دوائره الخاصة، حتى تلتحم الدوائر مع بعضها فيكون قد حمّل المجتمع على كل المجتمع، لأنه سبحانه حين يُحَمّلنى أسرتى ووالدى والأقربين، فهذه صيانة للأهل، وكل واحد منا له والدان وأقربون، ودائرتى أنا تشمل والديّ وأقاربي، ثم تشيع فى أمر آخر؛ فى اليتامى والمساكين.

وهات كل واحد واحسب دوائره من الوالدين والأقربين وما يكون حوله من اليتامى والمساكين فستجد الدوائر المتماسكة قد شملت كل المحتاجين، ويكون المجتمع قد حمل بعضه بعضًا، ولا يوجد بعد ذلك إلا العاجز عن العمل.

وعرفنا أن السائل هو (عمرو بن الجموح)، وكانت له قصة عجيبة؛ كان أعرج والأعرج معذور من الله فى الجهاد، فليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج. (وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج من غزوة فجائة عمرو بن الجموح.

وقال: يا رسول الله لا تحرمنى من الجهاد فإن أبنائى يحرموننى من الخروج لعرجتي. قال له النبى صلى الله عليه وسلم: إن الله قد عذرك فيمن عذر. قال: ولكنى يا رسول الله أحب أن أطأ بعرجتى الجنة). هذا هو مَنْ سأل عن ماذا ينفقون، فجاءت الإجابة من الحق: «قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ» أى ما أخرجتم من مال؛ لأن الإنفاق يعنى الإخراج.

والخير هنا هو المال، والإنفاق يقتضى إخراج المال عن ملكية الإنسان ببيع أو هبة أو صلة، وأصل كلمة (الإنفاق) مأخوذ من (نفقت السوق) أى راجت؛ لأن السوق تقوم على البضاعة، وحين تأتى إلى السوق ولا تجد سلعًا فذلك يعنى أن السوق رائجة، ولكن عندما تجد البضائع مكدسة بالسوق فذلك يعنى أن السوق لازالت قائمة.
 

اقرأ ايضا | خواطر الإمام الشعراوي .. ألا إن نصر الله قريب

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة