الشاعرة آيات عبدالمنعم
الشاعرة آيات عبدالمنعم


شعراء في يوم اللغة العربية l آيات عبدالمنعم: الصدق أفضل وسيلة لعيش الحياة!

آخر ساعة

الأحد، 25 ديسمبر 2022 - 12:31 م

عبدالهادى عباس

هكذا أشرع فى الحديث عن نفسى، فعادة ما أكون مستغرقة حد الثمالة فيما أحب؛ أسرف فى الحنين للماضى لأبى الذى رحل سريعًا؛ أتألم مع الحنين، ولا ألتئم عليه؛ هناك فى واحتى الخضراء المثمرة فى فيافى الروح آنس وشيطان الشعر، والرمال الذهبية الساخنة ومراوداتها الشبقة عن النفس؛ لأكتب وأكتب على صفحاتها البيضاء، أزرع النخل السامق مسامرًا فى رحاب الطفولة، وفارس يعدو فوق ظهور الخيل يمتطى صهوة القلوب بحرفه وحسن بيانه، فاتحًا ذراعيه للسماء، يحصى على البحر أمواجه من النجوم والبركات التى طالما اعتقدت أنها تضيء لى وحدى فحسب.

 

وُلدت فى السعودية، ونعمت بطفولة هادئة سعيدة؛ حملت معى من  القصص والوجوه والأسماء ما لا تتقادم معه الذكريات النضرة، أو تتسرب دونه الأوقات تباعا من بين يدىّ، ولكنها مقدرات السعادة كما عرفناها، تفر فى مضمارها اللحظات، درست الإعلام عن قناعة وحب.


أحببت الكتابة وأظنها أحبتنى، رأيت فيها أجمل ما يتعارف به الناس عليّ، ورأيت فيها أصدق مرآة لذاتى؛ علمتنى أمى ألا أكذب أبدًا متى أكتب الحرف، فكانت هويتى وهوايتى التى أعشق؛ ولأننى أحب القراءة أيضًا، نهمة لها نشبت مع أمى صداقة من نوع خاص، نقرأ معًا ولساعات، نتناقش، نتحاور، وقطعًا نتجادل، نعيد طرح الرؤى والأفكار بأكثر من صياغة، وفى أكثر من موضع؛ لنعيش حيوات تفوق العمر؛ نذهب ونكد من غير هوادة، تشاركت معها فى اختيار الكتب بالذوق الخاص فى القراءة، الرسم، شهر الميلاد والعديد من الصفات، هى صديقتى الأوفى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، داعمتى، وجمهورى الأول.

 

لعبت الصدفة وحدها دورًا عندما رافقتنى شخصيات مرحة فى خيالى، غزلتها من وحى القلم وصنعت معها عمرًا من الحكايات والأغانى التى لا تنتهى، فكانت عرّابتى الأولى لأعرف أن ما خُلقت له هو الحرف مخلصة لا أقبل له سميا؛ وفيما تضيق صدور الأقربين بالسماع، فاضت الآفاق اتساعا، وإبداعا، احتفاء به، يرافقنى الطريق ومطر عذب من ترياق الروح، سماوات طباق من الدأب خلف حلم بعيد أراه نصب العين، وأهمُّ بالتقاطه متيقنة أننى على موعد لن أضيعه، محاولات وتجارب عدة، مراحل وأحداث وخبرات، وتراكمات متواترة متباينة نقشت الكثير فى فضاء القلب، ونحتت مجرى متدفقا من البوح الذى كان خلاص الروح.


كما صدّر له أستاذى الإعلامى والشاعر القدير السيد حسن فى مقدمة ديوانى الأول «وحدى أستطيع عبور الحكايات»، مزيلا النقاب عما جال وصال فى خلدى، كانت تجربة فريدة من نوعها، تحديا جعلنى أترقب فى وجل كل ما أكتبه بعده، أما عن «خبرنى العندليب» ديوانى الثانى، فكان نقلة نوعية تمتاح من نبع الأغنيات الشهيرة شربة فى كل قصيدة لا تقوم عليها بالضرورة ولكن تمتزج ورضابها فى ذائقة مختلفة لتبؤر الشعور/ الحدث مع كل قصيدة، ليغنى لى العندليب على طريقته وأشاركه الغناء على طريقتى؛ طريقة قصيدة النثر، فأنحى المعايير الراسخة المموسقة. «عبورًا إلى الأوتجراف» ديوانى الثالث وهو حمل الصورة الأكثر اقترابًا من ملامحى فجاءت قصائده رسائل تنساب مرة على لسان الآخرين لى أو أرسلها نفحات ود، وتجرد، واشتياق لأشخاص ربما قابلتهم وربما لم أحظ بلقائهم بعد، أو أننى لن ألتقى بهم مطلقا.

 

ولكن يبقى أعظم تقدير هو ما يتعلق بماهية الشعر؛ فالشعر بالنسبة لى الحياة/ الأم وأفضل وسيلة لعيش الحياة هو الصدق، وما قد يستشعره أحدهم أننى قد لامست قلبه بكلماتى هو ضالتى، ومبتغاى، بل وأقصى ما أطمح إليه، وأكثر ما يطمح له أى مبدع.


تجربتى القادمة هى «جدائل» ديوان جديد قيد الطبع، يصدر قريبا، وهو لوحات متنوعة أعمد فيها إلى تضافر الأجناس الأدبية من خلال القصيدة والذى أهديه للفتاة البعيدة فى مضارب بنى عبس، حيث ولدت لأول من عرفت منها الشعر فسحرتنى بنظمها المدهش، والآن لا أذكرها ولكن يسكننى إيقاعها الفريد دون الكلمات، عينها، وجدائلها.

أنت الحــــب

فِى انتِظارِ الَّلحظَةِ القَادِمَةِ
أُحصِى السَّاعَاتِ وَالأَيَّامَ وَالصُّورَ،
أَختَزِلُ العُمرَ فِى صُورَةٍ بِالكَادِ أَعرِفُهَا،
أُنَمِّقُ الإِطَارَ الَّذِى يَنبِضُ شَغَفًاً وَحَيَاةً،
وَأَبتَسِمُ لِشُمُوسٍ أَفَلَتْ قَبلَ أنْ تَتَشَبَّعَ بِهَا الرُّوحُ،
فَتَرَكَتْنَا عَلَى أَثَرِهَا غُرَبَاءَ.
هُنَا أَضَعُ الزُّهُورَ بِغَيرِ أَضرِحَةٍ،
هُنَا أَقرَأُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ،
وَفِى قَلبِيَ لَوعَةٌ
تَشِى أَنَّ الحُزنَ لَمْ يَتَضَاءَلْ،
نَحنُ مَن أَلِفنَاهُ.
أَقُصُّ الحِكَايَاتِ الَّتِى وَدِدتُ سَمَاعَهَا مِرارَاً،
وَأَرتَجِلُ المَزِيدَ مِنَ السَّاعَاتِ
عَن عَالَمٍ يَتَبَايَنُ فِى جَوهَرِهِ عَن عَالَمِي،
أُغَربِلُ الذِّكرَى،
أُمَشِّطُ شَعرَهَا الغَجَرِيَّ،
وَأَحتَسِى قَهوَتَهَا البَارِدَةَ،
ثُمَّ أَنثُرُ الشَّوقَ عَلَى أُذُنِ الحَاضِرِينَ غِنَاءً:
(وعمرى ما أشكى من حبك
مهما غرامك لوعني
لكن أغير م اللى يحبك
ويصون هواك أكثر مني).

أقرأ أيضأ :رئيس جامعة القاهرة: اللغة العربية تمتلك قدرات التجدد ومواكبة تطور العلوم
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة