طارق حجى
طارق حجى


قضية ورأى

معضلة «نحن» و «هم»

الأخبار

الأربعاء، 28 ديسمبر 2022 - 06:45 م

فى كل الثقافات تلعب معضلةُ «نحن وهم» أدواراً سلبيةً،ولكن هذه الأدوار تتفاوت، وأميلُ للإيمانِ بأن هذه المعضلةَ تبلغ أعلى مستوياتها (أيّ أسوأ تجلياتها) فى المجتمعاتِ ذات التاريخ الرعوى ، بينما تكون أقل حدة فى المجتمعاتِ الزراعيةِ والصناعيةِ.

وخلال نصفِ القرنِ الأخيرِ شاعت ثقافةٌ ذات طابع ثيوقراطي/ دينى فى المجتمعاتِ الناطقةُ بالعربيةِ، ونظراً لكون هذه الثقافة قد ولدت فى بيئةٍ (أو بيئاتٍ) ذات ثقافة رعوية ، فقد أصبحت عقلياتُ كثيرين فى المجتمعاتِ الناطقةِ بالعربيةِ تتسم بثقافةٍ عدائيةٍ تجاه «الآخر» ، حتى فى المجتمعاتِ غير الرعوية.

ولو كان الأمرُ بيدى ، لجعلت المادةَ التعليمية فى مجتمعنا تخدم قيمة قبولِ الآخر وتتفهم مسألة «نحن و هم» بكيفيةٍ إيجابيةٍ، وفى مجتمع مثل مِصْرَ فهذه مهمة ليست صعبة، فالمجتمع المصرى لا يُقارن بمجتمعاتٍ فى نفسِ المنطقةِ ببعضِها قرابة العشرين طائفة.

ومسألةُ ثقافة «نحن و هم» وقيمة قبول الآخر ليست مسألة ثانوية، بل هى مسألة فى غايةِ الأهميةِ والخطورةِ.

فنسبةٌ كبيرةٌ من مواطنى المجتمعاتِ الناطقةِ بالعربيةِ اليوم تسكن عقولهم وتفكيرهم رؤيةٌ غير إيجابية بل وأحياناً تكون عدائيةً تجاه «الآخر» ، بكل أشكال «الآخر» : الآخر الدينى والآخر العرقى والآخر من حيث الهوية والجنسية.

وما حدث خلال سنى العقد الأخيرِ فى مجتمعاتٍ مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا ومن قبلها جميعاً لبنان ، من تشرذمٍ وتناحرٍ وإنقساماتٍ بلغت حد الاقتتالِ فى بعضِ الأحيان ، كان من تداعيات «معضلة نحن وهم».

وإذا كان كاتبُ هذا المقال قد كتب كثيراً عن «قيم التقدم» ، فلا شك عنده أن كل هذه القيم (أى قيم التقدم) مؤسسةٌ على ما يسميه البعضُ بـ «الغيرية» ويسميه غيرهم بـ «قبول الآخر» ، والذى هو أساس عقلية إيجابية فيما يتعلق بـ «نحن و هم»، وقبول الآخر هو حجر الأساس لقيمة أُخرى فى غاية الأهمية وهى «التعايش المشترك».


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة