نزار السيسي
نزار السيسي


نزار السيسي يكتب: ‏منطقة الراحة

أخبار الحوادث

الأربعاء، 28 ديسمبر 2022 - 09:43 م

..ما هي منطقة الراحة التي نسمع بها مؤخرًا ويتداولها الجميع والمعروفة بـ «comfort zone»؟!
كثيرًا ما يقال: اخرج من منطقة الراحة!
وأحبُّ أن أسميها منطقة الخوف والتردد والرتابة والسكون
أو منطقة انعدام الثقة وعجلة الروتين المملة وقيد الاحتمالات الذي يقيد قدميك..‏ولكن قبل الخوض في التوصيف والتصنيف لا بدّ من التفريق أوّلًا بشكل مفهوماتيّ بين المعاني المتعدّدة التي قد تخرج من هذه العبارة وهذه الفكرة.

إنّ منطقة الراحة بجانبها الأساسي تعني منطقة الأمان الذي نسكن إليه ونرتاح له ونطمئن دومًا في جواره …
‏مفهوم الأمان العام لدينا الإيمان بالله ورسوله ﷺ ثم الأمن العائلي كالوالدين ابتداءً برحم الأم ثم الصحبة الطيبة والجلسات المؤنسة والمطارح العزيزة التي تترك في نفوسنا أثرًا طيّبًا أو العادات التي ورثناها واعتدنا عليها واحتضنّاها كما احتضنتنا واطمأنّت قلوبنا لها فبقينا عليها..‏حين نوصّف الأمور بهذا الشكل المبسّط أو المألوف قد تظهر منطقة الراحة على أنّها جنّة، وعالم جميل من الأمان والثقة وراحة البال وأنس الخاطر ومتعة الوقت وطيب العيش.أعتقد أن الأمر أعمق من ذلك …

‏مفهوم منطقة الراحة يتعدّى ذلك المفهوم أو ذلك الحدّ الى جانب أخطر ينافي الفطرة الإنسانية أو التّعوّد الذّهني والهدف من الخلق ومفهوم التطوّر والارتقاء والسموّ الإنساني السلوكي والفكري والعقلي والقلبي، ‏احذر من منطقة الراحة التي تشدّك إليها أكثر إلى حدّ أنها تتحكّم بك فتبعدك عن الناس والاختلاط والتعارف والتبادل والتجارب والاختبارات والتجديد.هي بذلك تسلب منك المعنى الحقيقيّ للحياة! وتفقدك لذة العيش ومتعة الاختلاف وطعم الابتلاء والاختبار والتعلّم والتطوّر والاندماج وغيره!

‏كلنا نعشق «منطقة الراحة»الخاصة بنا، نحبّها ونلجأ إليها ولمن يسكنها كلّما عصفت بنا الحياة،ولكن لا نحوّلها الى منطقة عزلة تبعدنا من مفهوم الحياة نفسه، ومعنى المعاشرة وفرص الحياة الكثيرة في العمل والمعرفة والعلاقات والتجارب وغيرها من أمور تنتج عن الاحتكاك والخروج من دائرتنا الضيّقة.

‏كلما لاحت لك فرصةٌ في الحياة انهالت عليك كومة الأسئلة المعتادة: ماذا إذا..؟ 

أو ماذا لو ..؟ حتى يتلاشى وميض الفرصة رويدًا رويدًا وتضيع من بين يديك كل الفرص!
‏إنّ مناطق الراحة تكون -نتيجة ما تقدّم- مناطق الحيّز الضيق والتفكير المقيد ، والخطوات الصغيرة المتقاربة، ولا يعني ذلك المجازفة غير المحسوبة من حيث العواقب ولا التهور بلا دراسة أو تأنٍ أو تدريب، إذ لا بد من اعتناق فكرة ( لا إفراط ولا تفريط ) !

‏مسرح الحياة عظيم وتفاصيله الصغيرة مبهرة ولكن تذكر أنك فيها.. وأنك أنت السفينة وأنت ربانها، وأنت كل من على متنها، ثم أبحرْ بسلام..‏لا بدّ من مجازفة!
لا بدّ من نقطة انطلاق نكسر فيها كلّ القيود التي تمنعنا من الحركة الحرّة، والتحليق الواسع، لا بدّ من الطيران الذي يوسّع الآفاق ويفتح الفضاءات صوب عوالم تجديدية نكتشف من خلالها أنفسنا وقدراتنا وإمكانيّاتنا، وكذلك نكتشف فيها الآخرين!

‏وكونوا على يقين وثقة، أنّ الأفكار والأوهام والاعتقادات الواهية هي الأغلال التي تمنعنا من التطوّر والتوسّع، فتوكّلوا على الله وامشوا في أرضه ومناكبها الواسعة وحلقوا بعقولكم وأرواحكم وقلوبكم في فضاءات الله حتى يهديكم ويرزقكم ويوفّقكم لكلّ خير . 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة