محمد درويش
محمد درويش


محمد درويش يكتب: من الكارت بوستال إلى بوست الفيس

الأخبار

الخميس، 29 ديسمبر 2022 - 08:10 م

مع قرب حلول أى مناسبة مثل تلك التى نعيشها هذه الأيام حيث يحل علينا العام الجديد، تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعى من واتس آب وتويتر وفيس بوك بملصقات ربما يتكرر معظمها حتى أطلق عليها الكثيرون من رواد هذه المواقع بالمعلبة نسبة إلى المشروبات أو الخضراوات المعلبة التى تتباين شكلا وموضوعا مع العصائر الطازجة أو حتى الخضراوات والفواكه. 

وعادة ما تأتى إليك إحداها فتبادر بتوزيعها على كل من هم على هاتفك، وقد تتفاجأ أحيانا بأنك أرسلت تهنئة عيدى الفطر والأضحى وحلول شهر رمضان إلى صديق لك من الأحباب الذين هم ليسوا على دينك. 

أما عن يوم الجمعة فحدث ولا حرج عن عشرات المعلبات الجاهزة على شاكلة جمعة مباركة وإنها ليلة الجمعة التى تأتيك مساء الخميس وأحيانا يتفنن أحد الأصدقاء فيرسل إليك مجموعة متكاملة عن نفس المناسبة قد تتكون من ثمانية ملصقات تهنئة وعليك أن تتفحصها وتنتقى منها ما يروق لك إرساله لتدور الدائرة من أول وجديد. 

كثيرا ما تساءلت من وراء هذه الملصقات وتصميمها، وماذا يجنى من إعدادها وبثها على مواقع التواصل ليتناقلها الملايين، هل هو عمل لزيادة ارتباط الأصدقاء والمعارف المتواجدين على هاتفك وربما يكون كثيرون منهم لم تلتقه ذات مرة فى حياتك ولكنه فقط صديق فى العالم الافتراضى، وطبقا هذا التساؤل عن زيادة الروابط الاجتماعية ينفيه تماما الواقع الفعلي، فكل صار يعيش الآن فى عالمه الافتراضى حتى داخل البيت الواحد، وصارت الزيارات المتبادلة حتى مع ذوى الأرحام شبه نادرة وقد لا تحدث إلا فى الملمات داخل جدران مستشفى أو سرادق العزاء أما فى الأفراح فهى داخل قاعات مغلقة وكأن البيوت أصبحت قدس الأقداس كما وصفها زميل سمح لأحد معارفه بزيارته ودخول بيته عندما وجده فجأة على باب الشقة، وهو نفس الزميل الذى كتب باستماتة على صفحته عقب اجرائه جراحة ما معناه أن الزيارة ممنوعة وهو فى فترة النقاهة داخل منزله. 

فى أعياد الميلاد ومناسبات النجاح الدراسى اكتفى الناس بإرسال صور باقات الورود المعلبة أو التورتة ولا يفكر أحدهم فى حمل باقة ورد حقيقية أو تورتة ويذهب لتهنئة صاحبها، أيضا فى حالات الوفاة تنهال عبارات التعزية والدعاء للميت ونادرا ما يسأل أحد عن موعد الجنازة أو مكان العزاء ليؤدى ما يجب عليه كصديق قبل أن يكون مسلما واجب عليه الصلاة على الجنازة واتباعها حتى المقابر. 

«التعليب» ، لم يعد مقصورا فى عصرنا الحالى على المشروبات والأغذية بل صار غلافا لعلاقاتنا الاجتماعية، إلا من رحم ربى من هؤلاء الذين يؤمنون بعيادة المريض والسير فى الجنازات والترحم على المقابر وأن يلقى أخاه بوجه باسم لينال صدقة مضاعفة من بوست الفيس. 

كل هذه الخواطر غطتها ذكريات من زمن بعيد عندما كنا نتجول فى المكتبات بحثا عن كارت بوستال يلائم المناسبة التى هلت على صاحبها ومعها الأظرف الملونة الشيك وطابع البوستة وساعى البريد الذى يحملها صيفا وشتاء ليسلمها إليك فتشعر بأن مرسلها يصافحك كفا بكف. 
رحم الله زمن الكارت بوستال. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة