صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


خبير آثار: استقبال العام الجديد مصدر تفاؤل في كل الحضارات والثقافات

محمد طاهر

السبت، 31 ديسمبر 2022 - 09:12 ص

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة، أن قدماء المصريين احتفلوا باستقبال العام الجديد بشجرة الحياة التي يختارونها من الأشجار الدائمة الخضرة رمز الحياة المتجددة وانتقلت هذه العادة من مصر إلى سوريا ومنها إلى بابل ثم عبرت البحر الأبيض لتظهر في أعياد الرومان ثم تعود مرة أخرى لتظهر في الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح وشجرة الكريسماس وهى الشجرة التى تحتفظ بخضرتها طول العام مثل شجر السرو وشجر الصنوبر وهكذا أهدى المصري القديم شجرة الميلاد للعالم أجمع.

واتخذ الاحتفال بمصر فى عصر الدولة القديمة مظهرًا دينيًا حيث يبدأ بنحر الذبائح كقرابين للمعبودات وتوزع لحومها على الفقراء وكان بعضها يقدم للمعابد ليقوم الكهنة بتوزيعها بمعرفتهم وكان سعف النخيل من أهم النباتات المميزة لعيد رأس السنة وكان سعف النخيل الأخضر يرمز لبداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة كما أنه يخرج من قلب الشجرة وكانوا يتبركون به ويصنعون منه ضفائر الزينة التي يعلقونها على أبواب المنازل ويحملونها كذلك لتوضع في المقابر ويوزعون ثماره الجافة صدقة على أرواح موتاهم ومازالت هذه العادة حتى الآن خصوصًا فى صعيد مصر كما كانوا يصنعون من السعف أنواع مختلفة من التمائم والمعلقات التي يحملها الناس لتجديد الحياة فى العام الجديد.

وأشار الدكتور ريحان إلى ارتباط عقد القران فى مصر القديمة بالاحتفالات برأس السنة خصوصًا فى الدولة الحديثة حيث كان يعقد فى هذه المناسبة حتى تكون بداية العام بداية حياة زوجية سعيدة، وكان يتم صناعة الكعك والفطائر والتى انتقلت بدورها من عيد رأس السنة لمختلف الأعياد وأصبح لكل عيد نوع معين منها.

 وكانت تزين الفطائر بالنقوش وقد اتخذ عيد رأس السنة فى الدولة الحديثة مظهرًا دنيويًا ليتحول لعيد شعبى له أفراحه ومباهجه وكان يخرج المصريون للحدائق والمتنزهات والحقول يستمتعون بالورود والرياحين وإقامة الحفلات ومختلف الألعاب والمسابقات ووسائل الترفيه تاركين وراءهم متاعب حياة العام الماضى وهمومه وكانت الأكلات المفضلة فى عيد رأس سنة هى بط الصيد والأوز الذى يشوى فى المزارع والأسماك المجففة وقد اصطلح المصريون القدماء على تهنئة بعضهم فى عيد رأس السنة بقولهم "سنة خضراء" وكانوا يرمزون للحياة المتجددة بشجرة خضراء.

كما كان يصاحب العيد كرنفال للزهور ابتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد عندما تصادف الاحتفال بجلوسها على العرش مع عيد رأس السنة وعند دخول الفرس مصر احتفلوا مع المصريين بعيد رأس السنة وأطلقوا عليه عيد النيروز أو النوروز وتعنى بالفارسية اليوم الجديد وقد استمر احتفال المسيحيين بعد دخول المسيحية إلى مصر بهذا اليوم وفى العصر الإسلامى استمر الاحتفال به كعيد قومي حتى العصر الفاطمي ثم أصبح حديثًا احتفالًا عالميًا مدنيًا لا علاقة له بأى دين.

ونوه الدكتور ريحان إلى احتفالات رأس السنة فى مصر حاليًا وتميزها بطابع خاص حيث تعد موسمًا سياحيًا للسياحة المحلية والإقليمية والدولية وتصبح كل فنادق مصر كاملة العدد لحرص هذه الفنادق على تقديم الجديد كل عام وتنظيم احتفالية رأس السنة بطابع مصري يحييها كبار الفنانين مع الفنون الشعبية المتنوعة فى مصر من الفن السيناوي والمطروحي والنوبى ومدن القناة ويخرج المصريون إلى الميادين العامة فى ليلة رأس السنة للاحتفال فى ليلة بعامين حتى صباح العام التالى، وتحرص الأسر المصرية على إسعاد أبنائها بشراء تورتة عيد الميلاد والجاتوهات والحلويات الشرقية والغربية والبعض يفضل السهر أمام شاشات الفضائيات التى تتنافس فى تقديم أفضل ما عندها ويفضّل الكثير من الأشقاء بالدول العربية وكافة بلدان العالم الاحتفال برأس السنة فى مصر فيحضرون قبلها بعدة أيام لزيارة المواقع السياحية والأثرية وبرج القاهرة ويحتفلون بليلة رأس السنة مع كل المصريين فى الفنادق والقرى السياحية ويحرصون على التجوال فى عدة محافظات خاصة شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان كما يحرص الزوار من راغبى السياحة الروحية على قضاء نهاية العام بين ربوع الوادى المقدس بسانت كاترين.

وفي دبي بالإمارات يتم احتفال رسمي بوضع الألعاب النارية في منطقة شاطئ جميرا "بما في ذلك برج العرب" وأطول مبنى في العالم مع استضافة كبار نجوم الغناء والموسيقى من الدول العربية وفي لبنان وسوريا يحتفلون بـليلة رأس السنة بعشاء يحضره الأهل والأصدقاء يحتوي على أطباق تقليدية مثل التبولة والحمص والكبة وغيرها من الأطعمة السورية كما يتم تنظيم عروض الألعاب ويتم بث العد التنازلي للسنة الجديدة من خلال الفضائيات الرائدة، وفى الجزائر يتم الاحتفال بها في أكبر المدن مثل الجزائر وقسنطينة وعنابة ووهران وسطيف وبجاية وتشتمل على حفلات موسيقية وألعاب نارية وفي الساعة الثامنة مساءً تُقرأ رسالة الرئيس التي يرسل بها تحياته إلى الجزائريين على شاشة التلفزيون ويبث برنامجًا ترفيهيًا سنويًا ليلة رأس السنة ويتم تناول نوع خاص من كعكة المعجنات يسمى 'la bûche'  الناس يأكلونه قبل بضع دقائق من العد التنازلي للسنة الجديدة.

 وفى المغرب يحتفلون بها فى المنازل والبعض يذهب للملاهي وتستمر الألعاب النارية عبر عين الذئاب في كورنيش الدار البيضاء.

ويتزامن ذكرى وفاة القديس والبابا سلفستر الأول مع عشية رأس السنة الميلادية الجديدة فى الكنائس المسيحية الغربية حيث تتميز الاحتفالات بعيد القديس سيلفستر بالتردد على الكنيسة خلال قداس منتصف الليل وكذلك الألعاب النارية والحفلات والولائم ويُطلق على هذه الليلة في بعض البلدان خصوصًا في أوروبا الوسطى اسم ليلة القديس سلفستر وذلك بسبب المصادفة فقط ومن هذه البلاد النمسا والبوسنة والهرسك وكرواتيا وجمهورية التشيك وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وبولندا وسلوفاكيا وسويسرا وسلوفينيا.

ويتابع الدكتور ريحان، أن احتفالات رأس السنة فى الغرب حيث تعتبر الكنيسة الرومانية الكاثوليكية أول يناير يوم عيد وذكرى مخصصة إلى مريم العذراء وهو يوم مقدس في معظم البلدان ذات الغالبية المسيحية، مما يتطلب من جميع الكاثوليك حضور الصلوات الدينية في ذلك اليوم ويجوز حضور قداس عشية رأس السنة وفيه يتم أيضًا إحياء ذكرى البابا سلفستر الأول، وبالتالي أصبح من المعتاد حضور قداس مساء يوم رأس السنة الميلادية الجديدة ويبدأ القداس عند الساعة التاسعة والنصف مساءً بكاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان.

بينما العديد من التجمعات المسيحية البروتستانتية لديها طقوس دينية خاصة لعشية رأس السنة الميلادية وخاصًة أتباع الكنيسة اللوثرية والميثودية وتقام الطقوس لشكر الله على نهاية العام في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية وتعود هذه الطقوس إلى جون ويزلي مؤسس المذهب الميثودي.

وفى اليونان وقد احتفل معهم الدكتور ريحان أثناء دراسته للآثار البيزنطية بجامعة أثينا حيث يتم إعداد أكبر شجرة لعيد الميلاد فى اليونان كلها من بداية شهر يناير فى ميدان سيندغما أشهر ميادين أثينا أمام البرلمان اليوناني وتصبح مزارًا سياحيًا يحرص الجميع على زيارتها من اليونانيين والجنسيات المختلفة حيث يلتقطون الصور التذكارية بالميدان وفى ليلة رأس السنة يجتمعون بالميدان ويظلون حتى الساعة الثانية عشر وتغلق كل الطرق حولها ومع إعلان بداية العام الجديد تنطلق الألعاب النارية التى تدوى فى كل أنحاء أثينا ويلمع بريقها فى سماء أثينا ويظل الجمهور حولها حتى شروق شمس أول يناير ويغادرون إلى منازلهم سيرًا على الأقدام حيث تنقطع كل المواصلات من شدة الزحام وتوضع فى مدخل كل عمارة شجرة عيد الميلاد ويشترط أن تكون جديدة مخصصة لهذا العام حيث يتخلصون من كل هذا الشجر بعد الاحتفال مباشرة ليمضى مع السنة الماضية .

 وفى صباح يوم 31 ديسمبر يطرق بابك مجموعات جميلة من الأطفال يغنون لك أغنية عيد الميلاد ثم تعطيهم نقودًا يجلس بها الأطفال فى المساء والأيام التالية فى أكبر مطاعم أثينا، كما تقام وجبة العشاء التقليدية العائلية فى المنازل حيث يقوم الناس بطهي فطيرة اسمها "فطيرة بيل" وهي كعكة بنكهة اللوز يتناولونها عند منتصف الليل.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة