الأديب يحيى الرخاوى
الأديب يحيى الرخاوى


كنوز الأميرة

نشرتها «آخرساعة» قبل 43 عاماl قراءة نقدية في الرواية الوحيدة لـ يحيى الرخاوي

آخر ساعة

الأحد، 01 يناير 2023 - 12:50 م

أحمد الجمَّال

قبل أيام، فقدت مصر أحد أبرز رموزها فى الأدب والطب النفسي، الدكتور يحيى الرخاوي، عن عمر ناهز 89 عامًا، ورغم أنه أحد أبرز الأطباء النفسيين فى مصر، فإنه لم يحظَ بأى جائزة فى هذا المجال العلمي، وكانت المفارقة أنه حصد جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عام 1979، عن روايته الصادرة فى جزءين «المشى على الصراط»، ويعرفه الوسط الثقافى بأنه شاعر مبدع، صدر له عدة دواوين منها «سر اللعبة» (1978)، و«البيت الزجاجى والثعبان» (1983).

ويحـــتفــــــظ أرشـــــــــــــيــــف «آخرساعة» بقراءة نقدية فى الرواية الوحيدة التى حملت توقيع الرخاوى ونالت جائزة الدولة، أعدها الناقد الراحل يوسف الشارونى ونشرها الكاتب الراحل مأمون غريب على صفحات المجلة قبل 43 عامًا، فى باب بعنوان «رحلة فى عقل ناقد حـــول كتاب هام»، وفى السطور التالية نعيد نشر نص التقرير الذى تضمن القراءة النقدية:

تجربة جديدة قمت بها.. وهى أن ألتقى بناقد.. وخلال حوار بينى وبينه، أتركه يتحدث عن تجربة عاشها ودرسها، ثم قام بتحليلها على مهل، ويكون نتيجة هذا الحوار الخروج عن نظرة الناقد المتكاملة نحو عمل جيد.. أنقله للقارئ بأمانة وبأسلوب سهل بعيدًا عن الاصطلاحات النقدية.. العمل الذى يتعرض إليه الناقد يوسف الشارونى هو كتاب جديد فى جزءين بعنوان «المشى على الصراط»، وهى رواية لكاتب غير معروف عنه أنه كاتب روائي، كما أنها الرواية الوحيدة له، والتى يقول فى مقدمتها إنها الرواية الأولى والأخيرة.. والمؤلف هو الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسي، وفيما يلى نص القراءة النقدية:

أنا أعتبر هذه الرواية علامة من علامات أدبنا العــــربى المعــــــاصر، تقـــف على مستوى «حديث ابن هشام» للمويلحي، و«زينب» لهيكل، و«عودة الروح» للحكيم.. حتى هذه الرواية التى ظهرت عام 1977 بحيث يمكن اعتبارها رواية السبعينيات، وهى «المشى على الصــــراط» للدكتــــور يحيـــــى الــرخاوى وهى فى جزءين: «الواقعة»، و«مدرسة العُراة»، ويبلغ عدد صفحاتها حوالى 600 صفحة.

الدكتور يحيى الرخاوى معروف بتخصصه فى الطب النفسي، ومن هنا فليس غريبًا أن تكون هذه الرواية من الروايات القليلة التى ظهرت فى أدبنا المصرى على أساس نفسي، مما يذكرنا بـ«سراب» نجيب محفوظ، وبروايته «الشحاذ»، وقد ارتفعت من مجرد معالجة نفسية إلى مستوى فلسفي، بحيث يمكن اعتبارها «نفسفلسفية».

بطل الجزء الأول عبدالسلام المشد، يقف ذات يوم أمام شباك (إيصالات النور) ليدفع قيمة استهلاك النور، وعندما تسأله الموظفة عن اسمه يجد أنه نسى اسمه.. وتكون هذه الواقعة.. ويبدأ رحلة البحث عن ذاته بين الأطباء تارة.. ابتداء من طبيب أمراض النساء والولادة حتى أطباء الأمراض العصبية.. حتى الطبيب النفسي، وبين النساء ما بين زميلة فى العمل وجارة حتى كوديات الزار، ومع جاره الأستاذ غريب الذى تضخم عقله بسبب قراءاته، ونقيضه عم محفوظ السبّاك الذى يتعامل معه عبدالسلام المشد بتلقائية، والذى يرى أن عبدالسلام المشد كله بركة.. وأخيرًا هم زملاؤه فى العمل.. مديره العام.. ورئيسه ومرؤوسه.. الذين ينصحونه أو يدفعونه بالذهاب إلى الأطباء.. ويكتشف عبدالسلام المشد أن فيه أكثر من شخصية.. شخصية تخضع للكليشهات هى (عقله)، وشخصية باطنية ساخرة هى (عقل باله)، ويدور حوار بين العقلين.. وهو يتمنى أن يلغى هذا الازدواج الذى يعانى منه.
أما الجزء الثانى وهو «مدرسة العُراة»، فيختلف تمامًا من ناحية الشكل عن الجزء الأول الذى هو قطاع طولى فى حياة إحدى الشخصيات، بينما الجزء الثانى يتناول ثلاث عشرة شخصية يجمعهم الاشتراك فيما يُسمى بـ«العلاج النفسى الجسمي»، ومن بين هؤلاء عبدالسلام المشد، موضوع الجزء الأول وزوجته فردوس الطبلاوى التى أغراها وأقنعها بالاشتراك فى جلسات هذا العلاج. وهذه الشخصيات متنوعة، فيهم المتدين وفيهم الملحد، وفيهم غير المكترث، وفيهم المتزوجة، وفيهم المطلقة والآنسة، ونحن نتعرف على هذه الشخصيات قبل الجلسة وبعدها عن طريق المنولوج، ومعظم هذه الشخصيات تفيق فجأة لتتساءل عن هذا المعنى، ولأنه لا يظل مجرد تساؤل ميتافزيقي، بل أحيانا يظهر أعراضًا مرضية مثل الأرق والنسيان والعجز أو البرود الجنسي.

وللدكتور يحيى الرخاوى كتاب شائق نشره عام 1972 عنوانه «صور من العبادة النفسية»، يمكن اعتباره المادة الخام لهذه الرواية التى كتبها بعد ذلك، وفيها يفرق بين نوعين من المرض.. مريض يحترمه لأنه يثور على نمطية الحياة، كالطالب الذى جاءه وقد توقف عن الاستذكار كما خطط له أهله وينزعجون من هذا التطور، ولكن الطبيب النفسى يرى أن هذا الموقف موقف ثورى على نمطية الحياة، أما المريض الحقيقى فهو المريض الذى استحالت ثورته إلى هزيمة فى النهاية.. ولذلك فهو يقف موقف الاحترام فى مرحلة من مراحل المرض.. عندما يكون دلالته الثورة على موضوعات فُرضت على الفرد، ويكون الغرض من هذه الثورة أن يجد الإنسان نفسه ويعبِّر عن أصالته.

رواية هذه موضوعها لا شك أنها جديدة على تاريخنا الروائي، ولا شك أن الدكتور الرخاوى استفاد بما سبقه من روايات فى هذا الخط، مثل «الشحاذ» لنجيب محفوظ التى كان قد سبق أن قدّم لها بدراسة نشرها فى كتابه «حياتنا والطب النفسي»، ولكنه أيضًا أضاف إضافة جديدة مستفيدًا من خبرته فى عيادته النفسية، ومن علمه الذى أحاله إلى عملٍ فني، لأن العالم محدود بواقعه ونظريته ولا يستطيع أن يقول ما يُتاح للفن أو الأدب أن يقوله برحابته وإمكاناته.


(«آخرساعة» 19 سبتمبر 1979)

أقرأ أيضأ : رئيس جامعة القاهرة ينعى الدكتور يحيى الرخاوي أستاذ الطب والأديب البارز

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة