سعيد خولي
سعيد خولي


يوميات الاخبار

الشيطان والمشاكس

سعيد الخولي

الأحد، 01 يناير 2023 - 07:29 م

.. وهكذا يفقد الأهل السيطرة على الأبناء فى المنزل وتفرض الوزارة عدم السيطرة عليهم فى المدرسة تحت ضغط فضائيات ومواقع الفوضى والتشهير بالمدرسين ولا يبقى للأجيال الجديدة تربية فى منزل أو تعليم فى مدرسة!

أوجاع التربية والتعليم تزداد يوما بعد يوم وتتعقد معها العملية التعليمية وناتجها النهائى فى زمن الميتافيرس واليوتيوب الذى يضيف إلى مجالات الألم جروحا أخرى.
ولا بد أن نعترف بأن الأمر لم يعد مجرد نقص إمكانيات ونقص عدد مدرسين أو حتى فشل نظم التعليم المتتالية فى عدة عهود لوزراء تعليم مختلفين؛ نعم كل ذلك واقع نلمسه جميعا منذ إلغاء العام السادس الابتدائى فى عهد الدكتور فتحى سرور الذى تولى وزارة التربية والتعليم ما بين عامى 1986 و1990، وإليه تعود أولى خطوات التخبط. وكان لهذا التخبط ما تلاه من تأثير على مراحل التعليم المختلفة حتى الجامعة وتلك قضية أخرى بالعودة إلى تخبط الأنظمة التعليمية المختلفة تبعا لسياسات كل عهد وكل قائم بالأمر. لكننا الآن بصدد قلب المشاكل فى العملية التعليمية التى تحتاج بالفعل إلى مشروع قومى لسياسة بعيدة المدى لا تتأثر بتغير الوزراء أو حتى العهود السياسية. قلب مشاكل التعليم حاليا يتمثل فى التلاميذ والطلاب بداية من المرحلة الإعدادية ثم الثانوية وهى سنوات بداية المراهقة ثم اشتدادها بما يحدث خلاله من تغيرات سريعة فى شخصية الصبى والفتاة، وبتعبير آخر التلميذ أو الطالب والتلميذة أو الطالبة، وسر خطورة هاتين المرحلتين هو ما نعيشه من تقدم تكنولوجى نستقبله كله بمميزاته التى من المفروض أن تصب فى صالح تسهيل العملية التعليمية وتعدد خياراتها التى لا نحسن استغلالها من ناحية؛ ومن ناحية أخرى بعيوب نفس هذا التقدم التى نطبقها كاملة كآباء وكطلاب وكعملية تعليمية تئن وتعانى أوجاعا كثيرة. وهناك عدة لقطات أجدها تلخص تلك الأوجاع الأخلاقية والتربوية التى تطارد ثلاثى العملية التعليمية: المدرسين والتلاميذ وأخيرا أولياء الأمور.
الضرب فى الفصول
«إنشالله ما تعلم وما تضربوش».. جملة أصبحت تعليقا معتادا لأى متابع من الإدارة التعليمية فى زيارته لمدرسة فيها شكوى من أحد أولياء الأمور لأن المدرس المفترى تجرأ ومد يده على الابن الشيطان الصغير. ويرد الأستاذ المعتدى: دا عمل كذا وكذا وأصاب زميله وخرب ديسكه أو كسر زجاج الشباك. ويرد الأب: بس ابنى ما ينضربش. ابعتولى وأنا آجى أضربه والوزير قال ما ينضربش. وزمايله سجلوا فيديو هابعته للفضائيات وللمواقع الإلكترونية.
ولا يجد المتابع المكلف بمتابعة العملية التعليمية مفرًّا من أن يقول للمدرس أو المشرف الذى أجرم بضرب التلميذ كتلة الشقاوة والتبجح، ويقول له: انشالله ما اتعلم.. دى تعليمات الوزير. وهكذا يفقد الأهل السيطرة على الأبناء فى المنزل وتفرض الوزارة عدم السيطرة عليهم فى المدرسة تحت ضغط فضائيات ومواقع الفوضى والتشهير بالمدرسين ولا يبقى للأجيال الجديدة تربية فى منزل أو تعليم فى مدرسة لضعف بعض الآباء وعنجهية بعض ثان وجهل بعض ثالث وانشغال البعض الأخير حتى وهو بالمنزل، فضلا عن تحول أباطرة الفضائيات ومحترفى اليوتيوب إلى سياط تلهب ظهر المجتمع وضربنا جميعا مبدأ (من أمن العقوبة أساء الأدب) وباتت المدارس ـ فى أغلبها ـ مفارخ مفتوحة لتخريج بلطجية برعاية كثير من الآباء وعجز المدرسين بسبب غلّ أيديهم؛ فضلا عن العجز الصارخ الذى تعانيه العملية التعليمية فى عدد المدرسين، فلا يمكن تحقيق الانضباط أولا فى مدرسة تعانى عجزا كبيرا فى المدرسين وتضخما وكثافة عاليين فى عدد تلاميذ كل فصل.
ربوا عيالكم الأول
وللمدرسين فى قضية منع الضرب بالمدارس وجهة نظر هم أدرى الناس بالتعبير عنها، وقد لفت نظرى كثيرا منشور على صفحة معلمة تتحدث بحال معظم المعلمين لكل ولى أمر، وآثرت نقل جزء منه كما كتبته هى ـ دون تهذيب ـ لعله يضع أيدينا على نقطة المركز التى تدور حولها كل مظاهر الانفلات الأخلاقى وتتسبب بالتالى فى حوادث كثيرة بالفصول بين الطلاب وبعضهم وبينهم وبين معلميهم. تقول سطور المنشور:
إحنا مش خدامينكم ولا خدامين عيالكم الغير أسوياء خلقا ولا علما ولا دينا. إحنا مبقناش بندخل المدرسة عشان نعلم ونفيد.. إحنا بقينا عايشين فى محاولة مستميتة من الساعة ٧ لحد نهاية اليوم الدراسى للبقاء على أبناء سعادتكم أحياء أحياااااااااااااء..
ليه؟؟ عشان بكل بساطة ٩٠٪ من عيالكم ناقصين تربية وأخلاق إلا من رحم ربى طول النهار بنسمع فى ألفاظ بيئة وبنشوف سلوكيات بلطجة وحاجة منتهى القرف، وكل ولى أمر تحسوه بقا مريض شكوى وفاكس ووزارة وإدارة، لما ابنه بيشتكى تلاقيه جايب ابنه ف إيده وجاى قال هيحاسب المعلم أمام ابنه تأديبا للمعلم وإكراما لابنه..
إنتم بقيتم فاكرينها شطارة لما تقول لابنك المعلم اللى يزعلك قولى وأنا اعمل واسوى.. ربوا عيالكم الأول وبعدها اللى يدوسلهم على طرف يبقى ساعتها حقكم تطحنوه.
..وأكتفى بهذه السطور من المنشور كما هو، وتبقى قضية العقاب فى المدرسة نوعا من الفزورة الغريبة حين تفقد المدرسة كل أشكال السيطرة إلا الفصل المؤقت للطالب المشاكس، وهو أمل مثل هذه النماذج التى تملأ المدارس شغبا واستهزاء بالمعلم والمدرسة وإدارتها !
بلاغة تلميذ مشاكس
على باب إحدى المدارس الإعدادية للبنين، وكان توقيت خروج المدرسة، وخرج الطلبة فى مجموعات تبعا للزمالة بالفصل أو لمعرفة أو صداقة. كانوا يتدافعون وهم يتضاحكون فى حالة هزار ثقيل بالأيادى والألسنة يتماشى مع تلك السن الخطيرة.. وأسوأ ما فى الأمر لغة هذا الهزار السخيف فما من واحد منهم يشاكس غيره إلا بالأب والأم متبوعا كل منهما بأقذر الأوصاف والشتائم، والأغرب أن المشتوم أمه وأبوه بألفاظ تحط من الكرامة كان يرد بألعن منها وبنفس روح حالة الهزار.. فلما استفزنى الموقف الجماعى بين الخارجين من المدرسة ناديت أحدهم وهو يمر بجوار سيارتى وزميله يدفعه ليرتطم بها، سألته: انت لسه طالع من المدرسة هى دى الدروس اللى اخدتها النهارده؟
طبعا توقعت أكثر من سيناريو للرد دارت فى مخيلتى قبل أن يرد التلميذ بكل هدوء وبرود: يا عم احنا فى مدرسة حكومة مش فى مدرسة لغات ولا مدرسة دولية خاصة!
هكذا بكل هدوء وبرود لخص هذا التلميذ حالة التعليم العام التى هى فى حالة تذبذب وعدم استقرار وترهل فى علاقة الطالب بالمدرسة والمدرسين، كانت جملة صادمة حاسمة انطلقت كطلقة رصاص لتفرز لى نوعيات عديدة للتعليم تنفرد بها مصر، لكن إجابة التلميذ الفصيحة التلقائية اتخذت شكل الرد البلاغى من تلميذ لا يعرف البلاغة الأخلاقية، لكنه طبق البلاغة ـ دون ان يدرى ـ كما يعرّفها عبدالقاهر الجرجانى بمطابقة الكلام لمقتضى الحال.
تشارلى الشيطان
ونصل إلى الوجه الخبيث للتكنولوجيا الحديثة الذى للأسف نطبقه صغارا وكبارا دون أن ندرى، أو حتى وبعضنا يدرى رغبة فى مآرب تخريبية أو مادية. فقد صارت لعبة تدعى «تشارلي» حديث مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الحادثة الشهيرة بمدرسة إمبابة للبنات!
هى إحدى الألعاب الإلكترونية التى يسعى الطلاب لتطبيقها عمليًا على أرض الواقع وتسمى كذلك بلعبة «قطع الشرايين»، وهى لعبة تشبه لعبة «اليوجا» الشهيرة، إذ يعتمد التحدى الخاص بها على التواصل الروحانى مثلها، ولكن أحد شروطها أن يكون اللاعبون أطفالا أو مراهقين، وذلك بهدف استحضار روح طفل ميت يُدعى «تشارلى»، للإجابة عن عدد من التساؤلات التى يطرحونها عليه، على أن تكون الإجابة بـنعم أو لا، والأسئلة تتعلق بأمور غيبية، عما سيحدث للاعبين فى المستقبل وما إلى ذلك، وهذا يتم باستخدام ورق وقلم رصاص مع بعض الكلمات التى تعبر عن النداء على «تشارلي» واستحضاره.. ويقال إن تشارلى هو أسطورة مكسيكية قديمة تتمثل فى شخصية رجل شيطانى لديه عيون سوداء وحمراء يحضر بين الحين والآخر واللعبة فى الأصل تقوم على مبدأ إحضار روح تشارلى الشيطانية وذلك بحسب المعتقدات المكسيكية القديمة ولم تكن اللعبة فى الأصل مشهورة سوى داخل النطاق المكسيكى إلا أنها اجتاحت عالم الانترنت فى أيامنا هذه لتصبح من أشهر الألعاب.. وتعود بدايات ظهور لعبة «تشارلي» إلى العام 2008، ولكنها بدأت فى الانتشار بكثرة من خلال مقاطع الفيديو التى انتشرت عبر الإنترنت، فى عام 2015، إذ إن عدد مرات البحث عن هذه اللعبة بعد فترة قصيرة من انتشارها فى ذاك العام، وصل إلى أكثر من 1.6 مليون مرة.
وساهم فى انتشار لعبة «تشارلي» استهدافها لأطفال المدارس لقضاء وقت ممتع للأطفال مع اللوازم المدرسية وبالتحديد الورقة وأقلام الرصاص لدعوة شخصية أسطورية مزعومة ميتة وهى «تشارلى» ثم تصوير حركة قلم الرصاص مع الجرى والصراخ.. ويذكر خبراء التربية أن انفتاح الطلبة والطالبات على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى جعلهم يقلدون الكثير مما يشاهدونه على هذه الوسائل ومن بينها تلك الألعاب الخطيرة، والتى قد تتسبب فى قتلهم، مشيرًا إلى أن لعبة «تشارلي» هى واحدة فقط من تلك الألعاب وأكد أن هناك الكثير والكثير منها والذى كان مسئولًا عن قتل العديد من الأطفال فى وقائع سابقة.
وهنا نبحث عن المسئول الأول عن مثل هذا الأمر، هل هو البيت أم المدرسة التى تتحول إلى مسرح لتجربته تلك الألعاب على الطبيعة؟ والإنصاف يقتضى أن نذكر أن المسئول الأول عن هذا الأمر هم أولياء الأمور الذين فقد كثير منهم التواصل مع أبنائهم وتركوهم أمام شاشات الهواتف المحمولة، تاركين إياهم يلعبون بألعاب غاية فى الخطورة قد تكون مسئولة يوما ما عن فقدانهم إياهم لا قدر الله. أما دور المدرسة فلعله يتركز أولا فى النقص العددى للمدرسين الذين لا يفى الموجودون منهم بالسيطرة التامة على الحصص والفصول فتكون تلك الفصول التى بلا مدرسين نهبا لتجربة الطلاب والتلاميذ بها كل أنواع المغامرات الإلكترونية والمادية الجسدية أيضا، وكم من حوادث إلقاء مناضد الفصول من نوافذ تلك الفصول جرت لعدم وجود مدرس بالفصل يسيطر على تلاميذه! وكم من مشاجرات جرت وتحولت إلى قضايا تشغل الإدارات التعليمية وتدخل فيها آباء المعتدين وآباء المعتدى عليهم، بل تحول الأمر أحيانا لاشتباكات جماعية بين فريقين فى فناء المدرسة أو خارج أسوارها!

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة