صورة موضوعية
صورة موضوعية


الإرهابية.. والتجارة بالدين

أخبار الحوادث

الخميس، 05 يناير 2023 - 06:07 م

كتب: عمرو فاروق

..بين مقالة «لماذا أنا ملحد؟»، التي كتبها إسماعيل أدهم، ومقالة «لماذا أنا مؤمن؟»، التي سطرها أحمد زكي أبو شادي، سجال وحوار متصل منذ عام 1937، ومرتبط بعوامل متغيرة، وفقًا للأطر الاجتماعية والسياسية والعقائدية، التي تعمل على زيادة وتيرته من حقبة زمنية إلى أخرى.

ثمة اهتمام متزايد أخيرًا على المستوى الإعلامي والسياسي، حول «الظاهرة الإلحادية» في القاهرة، ومدى ارتباط نموّها بتنامي تيارات «الإسلام السياسي» في العمق المجتمعي، لا سيما منذ الحقبة التاريخية الملاحقة لاحداث 25 يناير 2011، والتي مثلت نوعًا من التمرد على أي نظام اعتقادي.

اقرأ أيضًا | نهايتهم الشتات في الأرض .. 2022 عام أسود على «الإرهابية»

منحت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة للملحدين المصريين والعرب، في التعبير عن مقولاتهم ومضامينهم الفكرية، والإعلان عن تجاربهم ورحلتهم من التيارات الأصولية إلى المعتقد اللاديني، مثل عشرات المواقع الإلكترونية على الإنترنت التي تدعو إلى الإلحاد وتدافع عن الملحدين، وفي مقدمتهم «الملحدون المصريون»، و«ملحدون بلا حدود»، و»مجموعة اللادينيين»، و«ملحدون ضد الأديان».

أرجع عشرات الملحدين المصريين، تحولاتهم الفكرية من الجانب الإيماني إلى ساحة «التحليق فوق الدين»، والتخلي عن الارتباط بالعقيدة وثوابتها، بتجربتهم في كهوف تيارات الإسلام السياسي وخنادقها بداية من نشأة جماعة الاخوان عام 1928 مرورًا بأمثال أسامة درة وأحمد سعيد زايد وأحمد حرقان وشادي خلوف ونهى محمود سالم.

ازدواجية الطرح الفكري والحركي للجماعات الأصولية وفي القلب منها عصابة الإخوان، تمثل مدخلاً جوهريًا في تغيير نمط المنهج الفكري والعقائدي لدى أتباعها، واعتناقهم المذهب اللاديني، في ظل تبنيها أمام الرأي العام توجهات مناقضة تمامًا لما تربى عليه مريدوها في قوالبها وحواضنها التنظيمية، في إطار من الغش والتدليس بما يتراءى مع مقتضيات مصالحها ومآربها الخاصة.
تركيز جماعات الإسلام السياسي والتيارات السلفية التي تفرعت من جماعة الإخوان على تجنيد الشباب، جعلهم على رأس «المحلقون فوق الدين»، نتيجة وضعهم في إطار التبعية والانقياد، وفقًا لمبادئ السمع والطاعة، ومحاصرتهم فكريًا وسلوكيًا بمناهج رموز التيار التكفيري، أمثال أبي الأعلى المودودي، وسيد قطب وغيرهما.

مثلما تُعتبر جماعة «الإخوان الإرهابية» والتيارات السلفية، البوابة الأولى والأساسية لتبني منهج التكفير والعنف المسلح، تُمثل كذلك الممر النهائي للسقوط في بئر الإلحاد والتحليق فوق الدين والعقيدة، لأسباب معقدة ومركبة تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية.

استنطاق الجماعات الأصولية، لمتون النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، لشرعنة منطقها الحركي والتنظيمي، وصولاً إلى استحلال دماء مخالفيها، واستباحة أموالهم، وانتزاع ردائهم الإيماني، والتفيتش في ضمائرهم، يُعد سببًا دافعًا لتمرد عدد من أتباعها على إطارها العقائدي.

اعتماد تيارات «الإسلام السياسي» على سرديات تراثية مخالفة في مضمونها للعقل والمنطق، وتقاعس المؤسسة الدينية الرسمية عن صوغ اجتهادات فقهية متسقة مع واقع الأمة المعاصر، ساهما بالتبعية في نشر المفاهيم اللادينية والإلحادية بين الدوائر الشبابية، لا سيما التي وقعت في شباك الجماعات الأصولية.

لا شك في أن صناعة حالة التماس والتوحد المتعمدة بين التيارات الأصولية، والإسلام كدين، وضعت «الشريعة الإسلامية» و«العقيدة الإلهية» عامةً في خانة الاتهام والتشكيك وعدم صلاحيتها لمناحي الحياة، في ظل سقوط هذه الجماعات وتجاربها مجتمعيًا وسياسيًا وشعبياً.

عدد من أتباع تيارات الإسلام السياسي، تبنّوا التوجه اللاديني، في ظل تأثرهم سلبًا بمسيرة خلفاء الأمم الإسلامية، لا سيما أن النخب الأصولية خلطت بين تاريخهم الاجتماعي والسياسي، والإسلام كدين، متجاهلة أن الواقع التاريخي للخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين والأيوبيين، يمثل تأريخًا سياسيًا لمجموعة من الأنظمة الحاكمة.

كذلك خلقت جماعة «الإخوان الإرهابية» والتيارات السلفية، أجيالاً متطرفة فكريًا، صنعوا في دروبهم أجيالاً أعلنت رغبتها في التجديف عكس التيار، وتخليها عن العقيدة والفطرة السليمة، رغبة في التحرر من سطوتها وقيودها، أو رغبة في التجرد من الثوابت التي آمنوا بها وتربوا في كنفها، أو رغبة في التعبير عن ذواتهم التي فقدوها تحت سقوف التنظيمات وجدرانها الصماء، أو ربما توهمًا جراء الخلال النفسي.

رغم تنامي الظاهرة اللادينية، فإنه ليس هناك أي مؤشر رسمي حتى كتابة هذه السطور، ما دفع «دار الإفتاء» المصرية للاستدلال في تقرير لها بمؤشرات مركز (Red C) التابع لمعهد (Global)، حول أعداد الملحدين في القاهرة، والذي قدر بـ866 ملحدًا، لتأتي بذلك في مقدمة الدول العربية تأثرًا بالتمرد العقائدي.

وفقًا لدراسة صادرة عن مؤسسة «بورسنمارستلير» في نيويورك، أكدت نتائجها المشاركة مع جامعة  Western Michigan University الأميركية، أن تعداد الملحدين في القاهرة، يزيد على 3% من إجمالي التعداد السكاني، أي ما يعادل مليوني ملحد، ورغم المبالغة في هذا الرقم، فإنه يمثل مؤشرًا خطيرًا إلى مدى تنامي الظاهرة اللادينية بين المجتمع المصري.

تمكنت الدولة المصرية في إطار «المواجهة الأمنية» من تفكيك التنظيمات التكفيرية المسلحة، لكنها تحتاج فعلياً إلى مسارات «المواجهة الفكرية»، لتجفيف روافد تيارات الإسلام السياسي ومنابعها، وكذلك القضاء على «البؤر الإلحادية» التي تتسع وتتزايد في صمت بين المراحل العمرية الأقل سنًا.

تحت لافتة «الجهاد الافتراضي»، انطلقت «المنصات السلفية»، في حملات الاشتباك الممنهج ضد مسؤولي «المنصات الإلحادية»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في إطار صراع وجدال لا يقدمان منطقًا ولا يصنعان تنويرًا، ولا يخدمان القيم الدينية أو المجتمعية أو الإنسانية، في ظل غياب تام للمؤسسات الرسمية المناط بها تصحيح المفاهيم، ومعالجة حالات الشطط الفكري والعقائدي.

التعامل مع «الملحدين»، على أنهم «جناة» لا يجفف منابع الأزمة، والتهوين والتقليل من حجمهم يزيد من إشكالية تفاقم المشكلة، لا سيما أن عددًا منهم ما زالت قلوبهم وعقولهم حائرة، ولديهم ارتباك حول الأسئلة الوجودية، ولا يجدون من يجيب عن استفساراتهم من دون استخفاف أو اتهام بالكفر والردة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة