الفنانة شريهان
الفنانة شريهان


شريهان.. قصة العذاب والإرادة

مايسة أحمد

الخميس، 05 يناير 2023 - 06:10 م

الأسطورة شريهان، فنانة إستعراضية شاملة.. مثال للفتاة الشقية التي طالما قفزت على المسرح بخفة ورشاقة تخطف العيون والقلوب.. أطلت علينا من خلال الفوازير الرمضانية كل عام في ثمانينيات القرن الماضي، تعرضت للكثير من المِحن في حياتها، لكنها تثبت في كل مرة أنها ليست مجرد فتاة منحها الله موهبة فن الاستعراض والرقص والتمثيل، بل تمثل نموذجًا يُحتذى به في قوة الإرادة، وفي أوج مجدها تبدل الحال في غمضة عين وتحولت حياتها 180 درجة، فقد تعرضت لحادث مروع عام ١٩٨٩ لتنقلب سيارتها عدة مرات وتصاب بكسور في العمود الفقري والحوض، إضافة إلى إصابات في أماكن متفرقة أخرى من جسدها.

وأصبحت شريهان غير قادرة على الحركة، وممددة على السرير في منزلها لا تنظر سوى إلى سقف غرفتها، ليظهر بصيص من الأمل، عندما تقرر سفرها بطائرة خاصة لفرنسا والخضوع لعملية جراحية استغرقت نحو 10 ساعات، خرجت بعدها لغرفة العناية المركزة، وخالفت كل أوامر الطبيب المعالج بضرورة الإلتزام بالراحة وتصر على أن تنهض من سريرها وتتحرك، وكأنها تقول للجميع إنها ستعود أقوى.. وبعدها خضعت لعمليات متعددة وصلت إلى 30 عملية بجانب تركيب مسمارا في عمودها الفقري، ولبس قميص من الجبس.وعن هذا قالت شيريهان: “هو شيء صلب وقاس يشبه الدروع الواقية، وإذا خلعته كنت أشعر بتفكك في مفاصل ضهري، فأصبحت كلعب الأطفال التي لا تعمل إلا بالبطاريات وبطارياتي هي هذا الحزام لكنى استمريت في الخضوع للعلاج من أجل تليين العظام”.

التفاصيل الأليمة
تحدثت شريهان عن التفاصيل وقالت: «الحادث كان صعب جدا، وبشع، فالسيارة انقلبت عدة مرات، وأصبت بكسر في الظهر والعمود الفقري والحوض، وقطع عصب القدم اليمنى، بالإضافة إلى دخول العظام في النخاع الشوكي».

وأضافت: «الدكتور محمد الغوابي نصحني بضرورة خضوعي للجراحة، وسافرت إلى باريس لكونها أقرب بلد، وعند وصولي قال الطبيب الفرنسي (روا كاميه)، إنه لا أمل في وقوفي مرة أخرى، وقام بإجراء الجراحة في وجود الطبيب المصري سمير الملا، وطبيب آخر ألماني».

اقرأ أيضًا | شريهان توجه رسالة دعم لإسعاد يونس: «رب الناس أذهب البأس عنها»

شريهان تابعت: «الجراحة استمرت 9 ساعات ونصف، وبعدها أقمت لمدة يومين في غرفة الإنعاش، ثم قضيت 6 شهور مربوطة بالحزام والخراطيم في مختلف أعضاء الجسم، وعانيت وقتها من عذاب الوجع بشكل من الصعب وصفه».

وأضافت «بعد ذلك بذلت مجهودا كبيرا للوقوف والحركة، حتى أن الطبيب بعد أن قال لي إني أستطيع الوقوف بعد 6 شهور، فوجئ بعدها بأيام بوقوفي، وخضعت للعلاج الطبيعي لمدة 6 شهور، وقضيت حوالي سنة في السرير».

استكملت: «في العام التالي تعرضت لكسر في الظهر، وسافرت مرة أخرى إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وخضعت للكشف لدى الطبيب ديفيد وتفورد، وهو أستاذ الطبيب الذي أجرى لي الجراحة من قبل».

واصلت: وأظهرت الفحوصات التحام أحد المسامير - التي سبق وضعها - مع العمود الفقري، وتباينت أراء الأطباء حول الجراحة، إذ قرر الطبيب الأمريكي أن يتم فتح الجسم من الأمام، وقال الطبيب الفرنسي لابد أن يكون الفتح من الظهر، وهو ما حدث بالفعل، واستمر العلاج لمدة عام آخر، وبعد 3 سنوات عدت إلى جمهوري”.

العزيمة
آلام مثل التى عانت منها شريهان - وبالتأكيد أثرت سلبا على حالتها النفسية - كانت من الممكن أن تكتب كلمة النهاية لمشوارها المهني، لكن بفضل عزيمتها القوية في التغلب على إصابتها، استطاعت أن تقف على قدميها بعد 14 يوما بدلا من شهر، لكن مدة العلاج كانت لشهور طويلة لتليين العظام بعد زرع 3 فقرات في عمودها الفقري، وبفضل الله ثم إرادتها استعادت عافيتها وعادت عام 1993 لتقدم الفوازير ومسرحية “شارع محمد علي”، بما فيها من إستعراضات، لتثبت من خلالها شفاءها التام وكأنها تقول للجميع “لا شيء يهزمني”، فتألقت بعد عودتها، وكرمت أيضا في مهرجان الإسكندرية للسينما عام 2002 لدورها في فيلم “العشق والدم”.

الزائر البغيض
ويبدو أن آلام المرض رفضت مغادرة جسد شريهان، لتصاب في مطلع الألفية الجديدة بسرطان الغدة اللعابية، ليضطر الأطباء إلى إزالة عظام خدها الأيسر، ويستمر المرض في مهاجمتها بشدة، وكأنه يخوض حربًا معها رافضًا الاستسلام لمقاومتها وتحمّل الهزيمة مرة أخرى من فنانة استعراضية.

فقد علمت بمرض السرطان الذي أصابها في 24 سبتمبر عام 2002، وكانت نسبة المرض خطيرة لا يصاب بها أكثر من شخص فى الـ10 ملايين، سافرت بعدها أيضا إلى فرنسا لإجراء جراحة خطيرة في الجانب الأيمن من وجهها لاستئصال الورم ودخلت غرفة العمليات لمدة 18 ساعةمتواصلة، واستبدلت عضلة الخد الأيمن والغدة اللعابية، وخضعت بعدها إلى عدة عمليات تقرب من 100 عملية.

عزيمة شريهان في هذه الفترة أُصيبت بوهن، لأن ملامحها تغيّرت وزاد وزنها حتى وصلت أكثر من 110 كيلو جرامات، لتسير في الشوارع ولا يعرفها أحد، ولم تشفع لها نظراتها إليهم لكي يتذكروها، وتمر سنوات لتسمع من خلفها صوتًا مألوفًا ينادي عليها باسمها، وترجوها أن تتوقف لتطمئن عليها، وتلتفت نجمة “ألف ليلة وليلة” لتجد أمامها المطربة التونسية لطيفة، وبدلًا من أن تخبرها عن صحتها تسألها بنظرة أمل: “هل عادت إليّ ملامحي.. هل عرفتيني!”.

ولدت من جديد
مرة أخرى قررت شريهان إستعادة رونقها وجمالها، وبدأت في التردد على الأطباء في مختلف التخصصات، لتنتصر من جديد وتعود النجمة الجميلة الرشيقة المبهجة بعد غياب سنوات طويلة من الصراع مع المرض الخبيث الذي أبعدها عن الأضواء، وعادت مرة أخرى في 28 يناير 2011، وشاركت في الثورة، واشتركت معها ابنتها لؤلؤة، واعتصمت في ميدان التحرير. 

كل من يعرفون شريهان يؤكدون أنها شخصية مقاتلة لا تعرف الهزيمة، ولم تفقد إيمانها بالله وعزيمتها القوية، لكنها فضلت الابتعاد عن الفن منذ عام 2002، والاكتفاء برصيدها من البهجة لدى المشاهدين لتحافظ على صورتها القديمة في أعينهم، حتى عادت عبر إعلان لإحدى شركات إتصالات في أول يوم رمضان، وعاد الجمهور لرؤية نجمتهم المحبوبة بعد الإفطار كما في الماضي.

شريكة الألم والأمل
أما عودة شريهان الفنية لم تكن لتتحقق لولا أنها ضمنت تماماً عدم المسّ بصورتها الأسطورية.. منحتها شركة خاصة الظهور من خلال مسرحية «كوكو شانيل» .

واستطاعت شريهان السيطرة على المسرح بإقتدار، في تعابيرها ورشاقتها.. فكانت عودة موفقة تعوّض 30 عاماً من فراق خشبة المسرح.. النجاح هنا أبعد من امتلاك موهبة، هو إحساس عميق بتفاصيل الشخصية، والتقاء الأوجاع.. هو شوق وعطش ورغبة في تجاوز الألم وتجميل الجراح.. يهبّ طوال الساعتين سؤال من النوع المحسومة إجابته: «هل كانت النتيجة نفسها لو أنّ مفاتيح هذه الدهشة تسلّمتها بطلة غير شريهان، وإن كانت مرتبتها المسرحية عالية ومقعدها الفني لا غبار عليه؟»، لا.. حتماً لا.. «كوكو شانيل» لها وحدها، لإنجازها في هزيمة اليأس، لوقوفها مجدداً بعد مباغتات القدر، وللشفاء وباقات الإلهام العطرة، ونبل تحمُّل أشواك الحياة حتى الارتقاء بورودها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة