عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

«عنانى» مبدعًا

عمرو الديب

الأحد، 08 يناير 2023 - 09:06 م

يروى عن الشاعر الألمانى الأشهر «يوهان جوته» أنه انبهر بالترجمة الفرنسية لرائعته الخالدة «فاوست»، وقد وصف هذه الترجمة بأنها إبداع حقيقى أجمل من «الأصل»، حيث أعادت اكتشاف النص، وهكذا هى الترجمة المبدعة تصقل العمل الأصلى، وكأنه قطعة من الماس تزيده بهاءً، وتألقًا وإشراقًا وسطوعًا، وفارق كبير بين أن يتصدى للترجمة الأدبية  مبدع عليم بأسرار اللغة التى ينقل عنها، وأيضًا بخفايا الأخرى التى يضم النص إلى أحضانها، وبين مترجم آلى اتخذ المسألة حرفة للعيش، وصناعة للكسب، والمفكر الكبير والمترجم القدير «د.محمد عنانى» الذى ودعنا مؤخرًا أسطع نموذج يمكن أن يمثل المترجمين المبدعين،

لذلك لا مبالغة إطلاقًا فى وصفه بعميد المترجمين العرب، فقد أضاف إلى معنى الإبداع فى الترجمة عمقًا وبُعدًا ومصداقية بمنجزه القيم المذهل المثابر، ودعونا نؤكد أن رحلة حياته الخصبة الثرية، وعلاماتها البارزة السخية، قد رسخت معنى المترجم المبدع، أو المبدع حين يكون مترجمًا، فقد انطلق من عشقه للسان العربى الذى عانق أسراره، ومن شغفه باللغة الإنجليزية، والغوص فى دقائقها، وخباياها، إلى تقديم نموذج فذ للترجمة المبدعة، أو إبداع الترجمة محاولا الإجابة عمليا عن سؤال لطالما راوده كثيرا: كيف تنطق النص المختار بلغتك، وتدخله فى براحك، وتضمه إلى أحضانك، هكذا عاش «عنانى» مهمومًا بقضية معرفية علمية دقيقة سعيًا إلى هدف إنسانى نبيل، وهو إقامة الجسور بين الثقافات الإنسانية الخصبة العريقة، ونقل الثمار الناضجة الباهرة الوافدة إلى البساتين الخلابة الحانية، وقد قدم فقيد الثقافة العربية منجزًا متفرداً عبر ترجمته لعيون مسرحيات شاعر الإنجليزية الأكبر «وليم شكسبير»، وبذل فى ذلك جهدًا خارقًا، حيث حرص على أن ينقل روح الشاعر الإنجليزى، وليس نصوصه فقط، وألزم نفسه - على طريقة «المعرى» فى لزومياته- بترجمة ماورد شعرًا  فى الإنجليزية منظومًا فى العربية، وهى عملية شاقة مرهقة، مضى عنانى بخطته تلك، وهو يترجم عيون «شكسبير»: «الملك لير» «هاملت» «ماكبث» «حلم ليلة صيف»، وغيرها من بصمات الشاعر الأعظم فى الإنجليزية، وهذا ما دعانا إلى وصف «عنانى» فى مقالات سابقة بأنه الرجل الذى أنطق «شكسبير» بالعربية، لأنه تواصل مع روحه وروح نصه، وسبح ما بين سطور روائعه، ولم يكتف بمهمة الترجمة الدقيقة للمعانى والألفاظ.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة