صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


حرب النساء.. أغرب أسلحة بـ«الغناء والرقص» لإنهاء الاستعمار| صور

هناء حمدي

الإثنين، 09 يناير 2023 - 06:56 م

نضال النساء.. ليس شعار لإثبات سمعة مزيفة بل حقيقة أقرها التاريخ وحفرت في صفحاته بخيوط من نور وكلمات حملت دماءهن التي ضحين بها من أجل وطن تم استعماره فلن تجد في أي صراع ضد مستعمر إلا وللنساء دور عظيم به.


هن لسن كمالة عدد بل أعضاء فاعلين، ولكي تؤمن بهذه الحقيقة افتح صفحات النضال ضد الاستعمار لتجد في بداية كل صفحة دور لسيدات ناضلن من أجل أوطانهن من أم شهيد دفعت أبناءها ثمنا وتحملت فراقهم لوضع نهاية محتل لحاملة سلاح في الصفوف الأولى وحتى التضحية بالنفس حتى أصبح لهن حربهم الخاصة.. حرب النساء في نيجيريا.


في نوفمبر من عام 1929، فاجأ نساء الإيغبو ثاني أكبر مجموعة من القبائل التي تعيش في جنوب شرق نيجيريا حكام الاستعمار البريطاني بحرب ضدهم لم تكن فيها أسلحة النساء البنادق أو المدافع؛ بل كانت أصواتهن ورقصهن الذي أعلن عن احتاجهن الصاخب ضد ممارسات الاستعمار البريطاني وسياسيات الضرائب الاستعمارية البريطانية القسرية والاستغلالية.

 


سارت تلك النساء عبر المدن والبلدات وطالبن القادة السياسيين بالتنحي بصوت عال وغاضب ومضطرب حتى اضطر هؤلاء الحكام وسط ذهول من قوة ونضال النساء على تنفيذ طلباتهن لتكن النهاية لصالح النساء في حربهم ولكن البداية حملت الكثير من الإهمال والقمع.


جذور الحرب


فدائما ما تكون البداية ذات جذور ممتدة وفي حرب النساء كانت البداية في عام 1914 عندما قرر سلطات الاستعمار البريطاني وضع نظام سياسي جديد في نيجيريا قائم على الحكم غير المباشر والسيطرة على مفاصل الدولة من خلال اختيار ممثلين محليين يكونوا أعين لهم وأيديهم في التنفيذ، وفقا لموقع «إن في داتا بيز».


وبالفعل اختار البريطانيون رئيسا ممثلا عن شعب الإيغبو لحكم منطقة إيغبولاند تلك المنطقة الواقعة في جنوب شرق نيجيريا والتي تعد موطنا لشعب الإيغبو ومع هذا التغيير في طريقة الحكم ابتعد أفراد شعب الإيغبو كثيرا عن أشكال الديمقراطية والتشاور الذي كان يضمنه نظام حكمهم التقليدي.

 


كانت سلطة الحكم التقليدي وقراراته موزعة بين مجموعة كبيرة من كبار السن وكان للمرأة خاصة المسنات منهن دور كبير فيها من خلال مشاركتهن في اجتماعات القرية والتأثير على متخذي القرار من خلال مجموعات تضامن قوية خاصة بهن اسسها شبكات القرابة النسائية والسوق.


ومع استمرار الاستعمار البريطاني في اختيار الحاكم لم يعد بإمكان شعب الإيغبو اختيار صانعي القرار حتى ازداد قمع رؤساء الصف على مر السنين وعانى العديد من أفراد الإيغبو من هذا القمع حتى النساء الذين عانوا من إساءة استخدام رؤساء الضباط لسلطتهم من خلال مصادرة حيوانات النساء وأرباحهن من مبيعات السوق.


الشرارة الأولى


ورغم كل هذا القمع تمكن أفراد شعب الإيغبو من التعايش حتى جاءت الشعرة التي قسمت ظهر البعير عندما أجرت الإدارة البريطانية إحصاء لجميع الرجال وممتلكاتهم في عام 1925 ليتم استخدامها في الأغراض الضريبية حيث فرضت الإدارة ضرائب مرتفعة على جميع الرجال ما أدى إلى تأثر النساء بتلك الضرائب المرتفعة فقد اضطررن للمساهمة من دخلهن لمساعدة أزواجهن.

 


واستمر الحال هكذا حتى عام 1929 عندما انخفضت أسعار منتجات زيت النخيل، وهي أساس اقتصاد شعب الإيغبو والدخل الرئيسي لهم بسبب الكساد الاقتصادي، وكما هو متوقع لم تقم الإدارة البريطانية بتعديل معدلات الضرائب حتى أصبحت الضريبة عبأ كبيرا على الأسر، ولم يكتف الاستعمار البريطاني بذلك بل انتشرت الشائعات بأن البريطانيين سوف يفرضون ضريبة ثانية على النساء ومعها أعلن النساء الحرب.


بداية الحرب 


مع أواخر أكتوبر من العام 1929، بدأ الاستعمار البريطاني في تنفيذ تلك الشائعات بفرض الضرائب على تجارة النساء وكانت الخطوة الأولى بإحصاء حيوانات النساء وأفراد أسرهن ومع أول اقتراب لمسؤول التعداد من امرأة مسنة تدعى نوانييروا، طالبها بحصر حيواناتها رفضت الإجابة عليه بغضب، مؤكدة على حقيقة أن النساء غير مطالبات بالإجابة على أسئلة التعداد ولن يخضعن للضرائب.


وبانتشار ما حدث مع «نوانييروا» بين شبكات النساء في مدينة أولوكو، قررت 3 سيدات هن قادة هذه الشبكات وهن «أيكونيا وموانيديا ونوجو» بتنظيم حملة لضمان عدم فرض ضرائب عليهن وبدأوا بإرسال سعق النخيل، ذلك الرمز عن الحرب والمساعدة إلى نساء القرى المجاورة في منطقتهم.

 


وطلبت قائدات الشبكات النسائية منهن الحضور للاحتجاج الذي تم تنظيمه في مكتب إدارة المقاطعة في أولوكو، كما طُلب من كل امرأة حصلت على سعف النخيل أن تمرر الورقة برسالتها إلى امرأة أخرى حتى تشكل خط اتصال بريد متسلسل.


احتجاجات نسائية


وفي أوائل نوفمبر من عام 1929 نظم النساء احتجاجا ناجحا أمام مكتب إدارة مقاطعة أولوكو؛ حيث تجمعت أكثر من 10 آلاف امرأة خارج المكتب طالبن رئيس الصف  بمنحهن تأكيدات مكتوبة بأنه لن يتم فرض ضرائب عليهن وبعد مرور عدة أيام من جلوس النساء خارج مكتب المقاطعة أصدرت سلطات الاستعمار البريطاني تعليماتها إلى رئيس صف مكتب المقاطعة بإعطاء النساء تأكيد مكتوب بأنه لن يتم فرض ضرائب عليهن.


ومن هنا أصبح تنفيذ طلبات النساء أكبر انتصار لهن بعد سنوات من التجاهل وإساءة المعاملة على يد البريطانيين، ولكن لم يتمكن رئيس صف مدينة أولوكو من استيعاب أوامر تنفيذ طلبات النساء ورغم تسليم الضمان المكتوب قام باحتجاز عدد من المتظاهرات تأكيدا لسلطته ما دفع النساء إلى الاستمرار في الاحتجاج مطالبين بإقالته.

 


وبعد يومين رضخ البريطانيون للمرة الثانية لمطالب النساء حتى أنهم لم يقوموا بعزل رئيس الصف فقط بل تمت محاكمته أيضا وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، ومع انتشار أخبار نجاح احتجاجات نساء مقاطعة أولوكو وحصولهن على الضمان الضريبي المكتوب وعزل رئيس الصف امتدت احتجاجات النساء في كثير من المقاطعات الأخرى في إغبولاند وقدمن نفس المطالب كما أردن عزل رؤساء الضباط الفاسدين.


حرب النساء


ومع انتشار الاحتجاجات اتخذت الحملة النسائية التي تشكلت عبر إغبولاند اسم «حرب النساء»، حيث اتخذت النساء من أرواح أسلافهن المحاربين شعارا لهن فارتدين ملابس المحارب التقليدية المصنوعة من الخيش وظهرن بوجوههن ملطخة بالفحم وممسكين بعصي مزينة بأشجار النخيل، بينما كانت رؤوسهن مقيدة بنوع من النباتات الاستوائية تدعى السراخس وفقا لموقع هستوريان.


كما كان النساء يرددن أغاني الحرب التقليدية ويشاركن في الرقصات الغاضبة والحماسية التي لحقوا بها رؤساء الصف في كل مكان بمنازلهم ومكاتبهم ليلا ونهارا وهم يغنون بصوت عال وفعال ويرقصون بشكل حماسي حتى يعطلون روتين حياتهم اليومية.

 


مع هذا الغضب المفاجىء من النساء في قوته واستمراره وبحلول منتصف ديسمبر، التجأت قوات الاستعمار البريطاني إلى العنف؛ حيث صدرت أوامر للشرطة بإطلاق النار على الحشود وتم قتل أكثر من 50 امرأة وأصيبت 50 أخريات، فيما وأوضح المسؤولون البريطانيون وقتها أنهم لن يترددوا في استخدام المزيد من العنف إذا لم تتفرق الاحتجاجات.


مكتسبات الحرب


ومع هذا العنف اضطرت الحملة النسائية إلى التوقف بعد أن تمكنت من تحقيق انتصارات كبيرة فخلال شهر من الاحتجاج تنحى العديد من رؤساء الصف أو تم عزلهم بسبب الضغط المستمر والمضايقات غير العنيفة التي كانوا يتلقونها من النساء.

 


 كما تمكنت معظم الحملات أيضا من تلقي تأكيدات مكتوبة بعدم فرض ضرائب عليهن والأهم من ذلك أن النساء أجبرن الإدارة البريطانية على أخذهن في الاعتبار لأول مرة حيث أجبرت حرب النساء، البريطانيين على إعادة النظر في نظام رئيس الصف.


 وفي عام 1933 تم وضع نظام سياسي جديد تم فيه استبدال رؤساء الضباط بـ«مقاعد حاشدة» تعتمد على التشاور لاتخاذ القرار وكان للقرى الحق في اختيار القضاة في خطوة استعاد بها شعب الإيغبو بعضا من قوته في الحكم الذاتي لتحدث حرب النساء شرارة هذا التغيير.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة