صالح الصالحي
صالح الصالحي


صالح الصالحي يكتب: من يربى أبناءنا؟

صالح الصالحي

الإثنين، 09 يناير 2023 - 08:12 م

«حرب مستمرة.. ضغوط اقتصادية.. أزمات اجتماعية.. أبناء وجرائم..
قتال وضحايا.. إرهاب يتمدد.. قوى دولية تتلاعب بمستقبل الشعوب»

غدت قضية سلوكيات الأبناء الشاذة من أخطر القضايا التى وصلت لحد جرائم القتل المتعمد بشكل أثار أجراس خطر عديدة لم يعد معها أى سبيل لإنكارها أو حتى عدم التوقف عندها.. البعض يرى أن الانفتاح الإعلامي هو الكاشف لهذه القضايا وجعلها فى بؤرة المشاهدة.. وخاصة مواقع التواصل الاجتماعى التى تسلط الأضواء على أبشع الجرائم الإنسانية من جرائم قتل داخل الأسر المصرية وكأنها كانت موجودة من قبل ولم تكن تظهر للعلن، على اعتبار محدودية وسائل الإعلام، كما أن التناول لم يكن للحوادث التى ترتكب بهذه الوحشية التى يتوقف عندها القارئ أو المشاهد كثيراً.. فقد كانت الجرائم فى الماضى غالبا ما تصدر عن مجرمين بالفعل أصحاب صفحات سوابق أو فى إطار العصابات كجرائم منظمة ولم يكن هناك ما يثير دهشتنا كثيراً لكن مع تطور تعاطى المخدرات وانتشارها فى المجتمع خلال العقود القليلة الماضية أصبح لشكل الجريمة ونوعية مرتكبيها طبيعة معينة.. فنحن مازلنا نتعامل مع مدمنين دخلوا بسبب الإدمان حلقة الجريمة التى كانت تصل للأسرة الواحدة بسبب الحالات النفسية ورغبات الحصول على الأموال، والتى قد تصل لدرجة القتل بسبب ضغوط الإدمان.. ومن النادر أن نجد أسوياء فى التعليم الجامعى أو حتى أصحاب مهن ووظائف جيدة فى المجتمع ما ينجرفون لجرائم جنسية وقتل.. لكن فى الآونة الأخيرة بدأنا نرى أن نطاق الجريمة يتسع وأصبحت تشمل فئات جديدة على عالم الجريمة كطلاب الجامعة وأصحاب مهن مرموقة فى المجتمع، والأسوأ من ذلك هم فئة الأطفال الذين أصبحوا يرتكبون جرائم جنسية وفى سبيل الجنس ترتكب جرائم لاحقة.

واختفت ملامح الطفولة والبراءة بسبب الانفتاح على عالم الإنترنت الذى يتعرض له الكبير والصغير دون رشادة، فأشعلت الرغبات الجنسية وخربت البيوت وشُرِدت أسر عديدة، وخلقت مواقع وشبكات تستقطب الشباب والرجال من مختلف الأعمار لتسهيل الرذيلة وأصبح المجتمع كله منفتحا بلا ضابط ولا رابط على كل أنواع الانحرافات ولن يشفع معها أية ضوابط تفرضها السلطات لمواجهة هذا الانفتاح بأى شكل من الأشكال، لكن ما يهمنى فى هذا الأمر هم الأبناء، أمانة الله فى أعناقنا والتى سيحاسبنا عليها الله، فإن الله سيحاسب الآباء عليهم قبل أى شىء.. فمن ضيع هذه الأمانة بعدم تربيتهم تربية سليمة فعقابه على الله.

وبنظرة متأنية - رغم حاجتنا لدراسات متخصصة ومتعمقة لهذا الأمر- لما يحدث فى مجتمعنا نجد أن هذه الجرائم فى أجيال ولدت مع الألفية الثانية فى عمر العشرين، وتجد أن الهاتف الذكى هو محور الجريمة وسلاحها وداعمها.. كل طفل لديه سلاحه الذى يخترق به هذا العالم ويتواصل ويخطط وينفذ من خلاله.. هذا الجيل فى رأيى ضحية بالدرجة الأولى.. مجتمع عانى من تقلبات سياسية وظروف من أوبئة ألزمت الاطفال والطلاب البيوت، بدءاً من إنفلونزا الطيور والخنازير وانفلات أمنى فى أعقاب ثورتين، إذن نحن امام جيل لم يذهب للمدرسة حتى ذهب الى الجامعة مع استمرار عدم ذهاب الطلاب للمدارس حتى الآن.. فكل هذا الجيل ومن قبله بقليل وحتى الآن هم جيل السناتر والملازم والمكوث طويلا أمام شاشات الهاتف الذكى، مع انقطاع تام عن الاختلاط المنظم والمهذب لعمليات التربية والتعليم.. وأين نحن كآباء من هؤلاء الطلاب؟! شغلتنا أنفسنا وراء لقمة العيش واعتقدنا خطأ وربما تحت وطأة ضيق الأحوال الاقتصادية، وربما إهمال منا غير مبرر، فالجريمة ضربت كل الأوساط، من يعانى من الترف الشديد الذين كانوا فى الماضى هم أصحاب جرائم وحوادث إفساد المال، حتى أبناء الطبقة المتوسطة الذين من المفروض أنهم يتعلمون ويدخلون الجامعة ومن المفروض أنهم الأفضل فى المجتمع.. لكن فى الحقيقة هذا الجيل هو من تعلم بالتلقين والحفظ واستغلال كل الوسائل ليجتاز المرحلة الثانوية ويلتحق بالجامعة، وسأظل فى هذه المرحلة من حديثى، لأن من المشاهدات الاجرامية تجد هذه السن هى البطل فى كل الجرائم المروعة خلال الفترة الماضية.

مراهقون يحبون ويعشقون ويقتلون سواء كان قتل ذويهم أو قتل آخرين يعترضون طريقهم.. نقول انهم مراهقون يحتاجون النصح والإرشاد والاحتواء نعم!! ونحن من أهملنا وابتعدنا عن ابنائنا وأصبحنا داخل الأسرة الواحدة فى جزر منعزلة الكل يدبر أحواله بنفسه. فلم يعد الأب صاحب كلمة فى بيته يهابه الأبناء ولا أم تراقب وتحتضن وتقوم بواجباتها بحجة تدبير نفقات الأحوال المعيشية وأبرزها نفقات الدروس الخصوصية.. اكتفينا بشراء الشهادات الدراسية دون أن نقدم أبناء صالحين للمجتمع ضيعنا أماناتنا أمام الله وفرطنا فى جيل كامل دون أن نتوقف عند مؤسسات باتت غائبة هى من كانت تعلم وتربى وتشكل الوجدان من أسرة ومدرسة لمجتمع أصبح يتسم بالعشوائية والتفكك والعنف، وأصبح لزاما عليك إن علمت وربيت إبنك أن تعلم زميله أو حتى معلمه الذى يقترب منه فى العمر ويعانى من نواقص أيضا لا تؤهله لتقديم الدور التربوى، فأصبح قاصرا على الدرس الخصوصى وجمع المال فقط.. ناهيك عن ثقافة الاستهلاك التى ضربت كل أوجه الحياة فى المجتمع .. الكل يبحث عن المال لشراء أحدث الموديلات من الأجهزة الحديثة لمواكبة العالم الافتراضى.

وماذا بعد؟! هل توقف الأمر عند هذا الحد ونترك المجتمع للانهيار ليصبح أبناؤنا قتلة ومتحرشين أو مدمنين وغيرهم من أصحاب السلوك المنحرف؟! فى الحقيقة فإن تربية الأبناء تستوجب منا التوقف للنصح والإرشاد والتصويب، وأن يقوم كل منا بدوره فى الأسرة وخارجها مع ضرورة عودة المدرسة وهيبة المدرس، وإفساح المجال أمام الأنشطة الطلابية التى تكسب الأطفال اللياقة الذهنية والبدنية وتهذب النفوس والطاقة لديهم فى اتجاهات إيجابية، وإذا كان التيار الاستهلاكى على كافة المستويات يواجهنا بطوفان من السلوكيات المنعكسة على أبنائنا. فلم لا ننشيء مراكز تأهيل لأبنائنا فى سن المراهقة والشباب فى الجامعات وحتى المقبلون على الزواج تساعدهم فى مواجهة الحياة العملية.. فإذا كانت هناك بعض المهن تشترط أعداد الملتحقين بها قبل تولى مهام الوظيفة، فلم لا نقوم بهذا الأمر فى الجامعات وللمقبلين على الزواج وشرائح أخرى.. أدعو مركز الدراسات والبحوث المجتمعية والجنائية أن يقدم الدراسات والاقتراحات التى تؤخذ بعين الاعتبار للتأطير إانقاذ أبنائنا من هوة ساحقة تحطم أجيالا عديدة قادمة.

علينا أن نواجه أنفسنا بحجم التردى الأخلاقى الذى أصبحنا نعانى منه ولا ندفن رءوسنا فى التراب. فليس أغلى من أبنائنا فلذات أكبادنا.

بعد عام من الحرب
رغم الانقسام الحادث ما بين مؤيد ورافض للحرب الروسية الإوكرانية إلا أن الاقتصاد العالمى يشهد نزيفا زلزل اقتصاد الدول النامية والفقيرة، ودفع بها للهاوية.. ناهيك على تمدد الجماعات الارهابية وخاصة داعش فى مناطق أفغانستان والعراق والقارة الأفريقية.. فى وقت لم تعد القوى العالمية الفاعلة تفكر سوى فى استمرار الحرب مشتعلة.. ويشير الخبراء إلى أن نشاط القوى الارهابية على طول المدى فى آسيا وأفريقيا يعطى الولايات المتحدة الأمريكية الذريعة للتدخل فى شئون هذه البلدان، مما يزداد معه تيار العنف فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.. حيث تشير الاحصائيات إلى ارتفاع معدلات هجمات داعش فى وسط وجنوب أفريقيا طوال العام الماضى، وارتفاع عمليات التنظيم فى مناطق غرب أفريقيا..خاصة وأن تنظيم داعش يمتلك أكثر من فرع له غرب أفريقيا، فى منطقة الساحل والصحراء الكبرى تحديدا.. وكأن الولايات المتحدة تغض الطرف لإعطاء مزيد من القوة والنفوذ لتنظيمى القاعدة وداعش، اللذين يسيطران على مناطق باتت مناطق نفوذ لديهما.. فى وقت تحبط العديد من شحنات السلاح لكييف لصالح هذه الجماعات.. ومما يساهم فى اشتداد قوة داعش خروج فرنسا عسكريا من غرب ووسط أفريقيا وانشغال روسيا بحربها فى أوكرانيا مما يفسح المجال أمام داعش وأمام باقى التنظيمات المتطرفة فى مواجهة ميليشيات وجيوش نظامية أفريقية.

ومما لاشك فيه فإن سيناريو الحرب الروسية الأوكرانية يؤكد على أنها حرب طويلة المدى تلقى بظلالها ليس فقط على القدرات الإقتصادية للدول، ومواجهة نقص المخزون من السلع والدواء والطاقة وإنما أيضا تؤثر على حجم الأسلحة الموجودة فى مخازن دول حلف الناتو.. وهو ما تعمد إليه روسيا من أضعاف قدرات دول الحلف فى مواجهة التهديدات الأرهابية داخلها وفى الخارج. ويعطى لها مزيدا من الهيمنة والقوة... فطول أمد الحرب يصب بالدرجة الأولى فى صالح روسيا.

وفى نفس الوقت ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنها ذريعة لاستنزاف الاقتصاد الروسي. ودعم سيناريوهات الفوضى فى منطقة الشرق الأوسط لفتح المجال لها لمزيد من التدخل.
حتى الآن لم تتأثر الولايات المتحدة ولا روسيا بل من تأثر هم حلفاؤهم من الدول الأوروبية وباقى دول العالم، مع اختلاف التأثير حسب القدرات الاقتصادية المختلفة للدول، فنحن أمام مزيد من الوقت لسيناريو متعمد من قبل الدول الكبرى فى العالم المستفيد الأول منه هو القوى الارهابية ودعمها لوجستيا لزيادة نفوذها والسيطرة على بلدان أفريقيا وآسيا مما يعطى مؤشرا لمزيد من عمر هذه الحرب ومزيد من الخسائر للجيوش النظامية الأفريقية والأسيوية وكذلك اقتصادياتها المترنحة..

وفى وقت أصبح واضحا أن واشنطن تدعم كييف فى حربها مع موسكو إنما تدعم سيناريو الفوضى فى منطقة الشرق الأوسط.. مما يعطى مؤشرا أن الحرب سيطول أمدها  حتى تحقق أهدافها.. ناهيك عن استخدامها من قبل بايدن كورقة للفوز فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الوشيكة.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة