محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

فى رحاب العام الجديد

محمد بركات

الثلاثاء، 10 يناير 2023 - 06:03 م

لابد أن ندرك بكل الوعى، أن جميع الآمال والطموحات.. لا يمكن أن تتحول إلى واقع وحقيقة، دون جهد مكثف وعمل صادق وأمين.

فور انقضاء نهار وليل اليوم نكون قد قضينا فى خطونا داخل دائرة العام الجديد «2023» أحد عشر يوما فقط لا غير، وهى مدة قصيرة بل بالغة القصر فى عمر هذا العام، ومساحته الزمنية المحددة طبقا لقوانين الفلك وسنن الكون، ودوران الشمس والقمر والأرض، وتعاقب الليل والنهار، بما لا يقل عن ثلاثمائة وخمسة وستين يوما.

التى هى أيضا رغم طولها، بالنسبة لمنظورنا وقياساتنا المتعارف عليها، قصيرة بل بالغة القصر فى عمر الزمن، الذى نحن فيه مجرد عابر سبيل غير مقيم وغير دائم.

حيث إن كلاً منا فى حقيقته مجرد مسافر فى رحلة الحياة، استقل قطار الزمن  وجد نفسه داخله فى موعد محدد سلفا، وسيغادره بعد وقت محدد أيضا لا يخلفه، ولا يستطيع أن يستقدمه أو يستأخره أبدا، فكل ذلك مسجل ومكتوب فى كتاب الزمن المقدور وفى قطار الزمن هذا، لكل منا محطة بداية وأخرى للنهاية، يعيش فيها زمانه وحياته،..، وما بين المحطتين مشواره الذى يقطعه بكل ما فيه من أحداث ووقائع، وبكل ما يحتويه من أفراح وأتراح وابتسامات ودموع، وبكل ما يضمه بين جنباته من سعادة أو شقاء، وما يحققه من انتصارات أو انكسارات وما يزرعه من خير أو شر، وما يحصده من حسنات أو سيئات.

وفى ظنى أن هذه الأيام الأحد عشر بكل ما عايشناه فيها حتى الآن،..، وهو قليل جدا ولا يكفى على الإطلاق للحكم على عامنا الجديد هذا، الذى مازلنا نقف على أعتابه نحاول استشراف معالمه، وتلمس خطوطه ومساراته، ونتحسس موضع أقدامنا وخطانا فيه، آملين خيرا ومتمنين أن يكون فى أحداثه ووقائعه أكثر إشراقا، وأقل عبوسا بالنسبة لنا ولكل الناس فى مصر وجميع البلاد وكل الشعوب.

حكماء البشر

ولعلى لا أبتعد كثيرا عن الواقع إذا ما قلت، إن القليل منا هو من قضى الأيام الماضية فى النظر إلى الوراء بطول وعرض العام الماضى، فى محاولة صريحة مع النفس لتصفح ومراجعة ما قام به وما كان منه فى العام الماضى، لأخذ العبرة وتعظيم الفائدة وعدم تكرار الأخطاء والسلبيات،..، فى محاولة محمودة للسير على خطى الحكماء من البشر.

وفى سياق المصارحة والمكاشفة، أحسب أنه لا مبالغة فى القول، بأن هؤلاء الحكماء بين البشر قليلون،..، وهم فقط الذين يقومون مع نهايات الأعوام المنقضية وبدايات الأعوام الجديدة بالنظر إلى ما كان منهم خلال العام المنصرم، والقيام بما يشبه تقدير الحساب الختامى لهم طوال العام الماضى، والوقوف على ما حققوه من إنجازات، وما جنوه من مكاسب، وما أصابهم من خسائر، حتى يستطيعوا معرفة أخطائهم والبحث عن علاج لها إن أمكن إلى ذلك سبيلا،..، أو على الأقل تجنب الوقوع فيها مرة أخرى.

وإذا كان أصحاب الحكمة بين البشر هم القلة، وهذا للأسف كما أعتقد حقيقة، فإننا لا نقول بأن الغالبية هم من غير الحكماء، ولكننا نقول بأن الغلبة لمن لا يشغلون أوقاتهم بالتفكير فيما كان، ولا يشغلون بالهم بمراجعة ما قاموا به من أعمال وما اتخذوه من مواقف خلال العام الماضى، بل يشغلون أنفسهم بما هو قادم، ويتطلعون إلى ما ينتظرهم فيه من أحداث وما سيتعرضون له من وقائع،..، أما ما مضى فإنهم يحمدون الله على أنه قد انقضى ورحل عنهم، بكل ما احتواه من وقائع وأحداث، اختلطت فيها المشاعر والأحاسيس والانفعالات، ولا يملكون حيالها إلا أن يقولوا ما جرت العادة على قوله لدى عموم الناس،..، من الحمد لله عز وجل على أنه قد مد فى آجالهم وأعطاهم المقدرة على وداع العام المنصرم بخيره وشره.. وحلوه ومره،..، أما ما كان فيه من وقائع وما وقع لهم فيه من أحداث، فقد أصبح فى ذمة التاريخ بكل أحداثه ووقائعه،..، وأن التاريخ سيحكم عليها ويضعها فى المكان الذى يناسبها ويتناسب معها، وفقا للتصنيفات المتعارف عليها بين البشر.

وهم وسط ذلك كله يركزون على الأمل فى بدايات جديدة تكون أكثر سعادة وأقل حزناً مما كان فى عامهم الماضى، مع إحساس عام بالراحة للتخلص من أعباء ومشاكل وأزمات يأملون أو يحلمون بأنها ستختفى أو تنتهى مع نهايات العام الماضى وقدوم العام الجديد.

بدايات جديدة

وأحسب أن الأمل فى بدايات جديدة تكون أكثر بهجة ومبعثا للخير والسعادة، هو الدافع للغالبية العظمى من البشر للترحيب بالعام الجديد،..، ولعل الأمل فى الخلاص من الأعباء القائمة والمشاكل المعقدة، التى فرضت نفسها وألقت بثقلها على كاهل البشر طوال عام كامل، هو السر وراء الترحيب بوداع العام الماضى وطى صفحته ووضعها فى ركن الذكريات، وفتح صفحة جديدة مع عام جديد لعله يكون أكثر رفقا وأكثر رحمة بالبشر من سابقه الذى ذهب غير مأسوف عليه.

وفى ذلك أحسب أنه على الرغم من أن الغلبة بين البشر المرحبين بوداع «2022» وقدوم «2023» أملا فى أن يكون الجديد أقل ثقلا وأخف حملا ووطأة فى أحداثه ووقائعه من الذى مضى منذ عدة أيام،..، إلا أن هناك توافقا عاما بين كل المصريين على حزمة من الآمال والطموحات العامة تراودهم فى العام الجديد، ويتضرعون إلى الله عز وجل أن يوفقهم فى تحقيقها والوصول إليها خلال عامهم هذا، بحيث تصبح حقيقة، قائمة على أرض الواقع.

ويأتى على رأس هذه الحزمة من الأمنيات العامة دون شك، أن يكون العام الجديد عاما للخروج من الأزمة الاقتصادية المحلية والإقليمية، التى أصابتنا مع جميع الدول العربية والإقليمية، فى إطار الانعكاسات السلبية للحرب الروسية - الأوكرانية، التى ألقت بظلالها على العالم كله وتسببت فى أزمة اقتصادية عالمية حادة طالت الجميع فى كل الدول والشعوب.

ويتواكب مع هذا الأمل ويساويه فى الأهمية القصوى، أن يكون العام الجديد عاما للانطلاق فى التنمية الاقتصادية الشاملة فى وطننا على جميع مستوياتها الصناعية والزراعية والعمرانية، فى إطار المخطط الإستراتيجى للتنمية الشاملة حتى «2030»، المتضمنة والقائمة على خطة جامعة للتنمية البشرية، تعتمد فى أساسها على إعداد وتأهيل الشباب علميا وتكنولوجيا لسوق العمل المحلى والإقليمى والدولى.

وفى إطار المصارحة الواجبة أقول بصراحة تامة إنه إذا كانت هذه هى أهم الآمال والطموحات التى توافق عليها عموم الناس وخاصتهم فى وطننا، ويتمنون تحقيقها فى العام الجديد، فمن المهم والضرورى أن ندرك جميعا بكل الوعى، أن هذه الآمال لا يمكن أن تتحول إلى حقيقة وواقع على أرض الوطن دون جهد مكثف وعمل دءوب، وأن تلك هى الوسيلة الوحيدة والصحية لتغيير الواقع إلى ما هو أفضل بالنسبة للأفراد والجماعات والشعوب والدول، ليس فى منطقتنا العربية والإقليمية فقط، بل فى كل أرجاء العالم ومنذ بداية الخلق ووجود الإنسان على الأرض.

مفاهيم وسلوكيات

وبمناسبة العام الجديد الذى بدأنا فى الخوض فى أيامه ولياليه حاملين معنا الأمل فى أن يكون خيرا لنا ولكل الناس ولكل البشر، أحسب أن الوقت قد يكون مناسبا للبدء فى السعى بكل الجدية والإصرار لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة والسلوكيات المعوجة، التى سادت وانتشرت بيننا خلال السنوات الماضية وأصبحت للأسف من الأمراض الاجتماعية الواجب مقاومتها والخلاص منها، إذا ما أردنا الانطلاق على طريق التنمية الشاملة وبناء الدولة المدنية الحديثة والقوية التى نطمح إليها.

وتتعلق هذه المفاهيم وتلك السلوكيات بقيمة العمل فى الوجدان الشعبى لدينا، وما يجب أن تحظى فيه هذه القيمة من منزلة رفيعة، مازالت مفتقدة فى مجتمعنا للأسف وخاصة بين الأجيال الشابة من الأبناء، وهو ما يجب مواجهته والسعى بكل الجدية لإصلاحه وتغييره،..، فى حين أننا لو نظرنا إلى المجتمعات المتقدمة أو حتى السائرة على طريق التقدم فى العالم أجمع، لوجدنا أن هذه القيمة تحتل المكانة الأولى لدى كل هذه المجتمعات وكل هذه الدول.

وفى هذا السياق لابد أن نؤكد فى البداية، أن الفارق بين الدول والشعوب والمجتمعات فى العالم سواء المتقدمة التى تتربع على القمة، أو النامية الساعية لتحسين أحوالها وتغيير واقعها إلى الأفضل، وبين تلك الدول والشعوب الراقدة فى القاع تعانى الفقر والحاجة هو الفارق بين الأولى المؤمنة بقيمة العمل والأخذ بأسباب ووسائل التقدم، وبين الأخرى الساقطة فى براثن الإهمال والكسل وغيبة العمل وغياب الجدية والانضباط.

وأعتقد أن الصراحة والشفافية تفرض علينا الاعتراف بأن قيمة العمل الجاد والفاعل، مازالت غائبة عن مجتمعنا أو غائبة عن الكثير من أفراده للأسف.. وهو ما يجب أن يتغير.

حيث مازال حجم إنتاجنا أقل مما يجب أن يكون، ومازالت جودة هذا الإنتاج أقل مما يجب أيضا، مقارنة بحجم وجودة الإنتاج لدى الدول المتقدمة.. وهذا شيء يدعو للأسف والألم فى ذات الوقت.

قيمة العمل

ولعلى لا أذيع سرا إذا ما قلت بكل الصراحة والوضوح، إن ترسيخ قيمة العمل فى الوجدان المصرى أصبح ضرورة حتمية وواجبة، لابد أن نسعى لها بجدية وإصرار، بحيث تصبح متعمقة فى الوعى الجماعى لكل فئات المجتمع وخاصة للشباب بالذات.

ويجب أن نحرص على إحياء هذه القيمة فى المفهوم الثقافى للمجتمع بصفة عامة، فى ظل منظومة متكاملة من الأسس والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية الإيجابية والفاعلة، التى يأتى على رأسها : الانضباط والجدية والأخذ بمعيار الكفاءة وإطلاق الطاقات الخلاقة والمبدعة.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة