محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى يكتب : ضحى يوسف أبو رية العالى «1 -2 »

أخبار الأدب

الأحد، 15 يناير 2023 - 04:58 م

مرّت ذكرى صديقى الراحل يوسف أبورية أخيرا، وقد وجدت هذه السطور بين أوراقي، أنشرها هنا محبة له..أظن أننى عرفتُ يوسف بعد أن قرأتُ له قصته الفاتنة بالغة المكر «الضيف» فى أواخر سبعينيات القرن الماضى أو أوائل الثمانينيات.


وعندما التقينا - يوسف وأنا- لفت نظرى بشدة ذلك التناقض بين بدانته وطوله الفارع، وبين ملامح وجهه الطفولية، وجدّيته الشديدة وتأنيه فى الوقت نفسه. لقد كان يشبه فيلا صغيرا على نحو ما.


ولفَتَ نظرى أيضا منذ الوهلة الأولى أنه قرر منذ وقت مبكر أن يصبح كاتبا بإصرار شديد. ولما كان قد أدرك نهايات الحركة الطلابية أثناء طلبه العلم فى كلية الإعلام، تأثر بسرعة بالأفكار اليسارية، وظل حتى آخر أيامه رجلا محترما لم يخطئ تقريبا تلك الأخطاء الشائعة بين بعض أبناء جيلنا.


وعلى مدى قرابة عشر سنوات، سكنَّا متجاورين بالصدفة. هو فى وراق الحضر وأنا فى وراق العرب التل، على مبعدة نصف ساعة سيرا على الأقدام، وسط ذبائح محلات الجزارة المعلّقة على اليمين واليسار، ووسط جيوش من الذباب المتكاثف فى الصيف والشتاء على السواء، حتى أصل إلى البيت.


وفى تلك الأثناء كانت نوبتجيتى الأسبوعية فى قسم التصحيح بالأخبار يوم الثلاثاء لإصدار الطبعة الثانية والثالثة أحيانا، تمتد حتى الثانية أو الثالثة صباحا. وكانت هناك سيارة مخصصة لتوصيل الزملاء إلى بيوتهم فى ذلك الوقت المتأخر، لكن زميلى السائق لم يكن يستطيع الخوض فى مجاهل الوراق فى وقت كذاك، وكان يوصّلنى حتى الشارع العمومى ويمضى عائدا.


 أسير نحو سبع دقائق فقط، حتى أصل إلى الحارة التى يسكن فيها يوسف، وبيته ملاصق للبيت الذى يسكنه صديقنا الكاتب الراحل إسماعيل العادلى. لم تكن الموبايلات قد اختُرعتْ، ومع ذلك كان يوسف يشعر بى ويفتح لى نافذة حجرة مكتبه المطّلة على الحارة فى الطابق الأرضى.


كنتُ  أقفز من النافذة، دون حاجة لفتح باب شقته ثم باب البيت الخارجى ووجع الدماغ ولفت انتباه الجيران، فأمامنا مهمة أعظم وأجلّ شأنا! وهكذا أمضينا قرابة عشر سنوات نحافظ قدر الإمكان على ذلك اللقاء الأسبوعى الثنائى فى توقيت بالغ الهدوء، يمتد حتى الفجر تقريبا ندخن ونتحدث فى كل شىء تقريبا.


ولذلك أظن أننى عرفتُ يوسف جيدا، وأؤكد أنه أخذ نفسه بالشدة منذ اللحظة الأولى. وطوال تلك السنوات كنا- هو وأنا- مستغرقين بشدة فى القراءة، وخصوصا ما تيسر من الأعمال الإبداعية المترجمة والعربية، والتاريخ الوسيط فضلا عن  قراءة ما يتعلق باهتمامنا اليسارى المشترك .


وفى تلك الفترة كان الوراق بؤرة على نحو ما، فقد كان الكاتب الراحل إسماعيل العادلى يسكن بجوار يوسف، وقبلهما بعدة بيوت الشاعر عزت عامر، وبعد عدة شوارع الشاعر محمد كشيك.

وبعد نصف ساعة سيرا على الأقدام بيتى، وبعد ثلث ساعة أخرى بيت صاحبنا الكبير إبراهيم أصلان، وفيما بعد سكن أيضا صاحبنا إبراهيم عبد المجيد فى أرض الجمعية على مشارف الوراق.


وكان لنا أصدقاء وضيوف يزوروننا، وكنا- نحن وهم  نفضل أن نستقبلهم فى شقة صاحبنا الأعزب يوسف. ومن بين من كان يزورنا إبراهيم منصور مثلا الذى سطا على كتب كثيرة من مكتبة يوسف، وكان ينكر فورا أنه استعارها أصلا! واستكمل فى الأسبوع المقبل إذا امتد الأجل.

اقرأ ايضًا | د. إبراهيم منصور يكتب : قلبٌ على قِبْلَتَين: حين يسدد الشعر دينه للأرض!


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة