أحمد الإمام
أحمد الإمام


عصير القلم

‎الدنيا من شباك الأتوبيس

أخبار الحوادث

الثلاثاء، 17 يناير 2023 - 04:03 م

 

‎..جلس الاستاذ "صبحي" على مقعده المفضل بجوار الشباك في أتوبيس النقل العام الذي يستقله يوميًا من بيته إلى مقر عمله بإحدى المصالح الحكومية.
‎الحصول على مقعد في اتوبيس مزدحم يمثل غنيمة كبرى لمن لا يعرف .. غنيمة تشبه العثور على بئر مياه وسط صحراء قاحلة ، فهذا الكرسي سيحميك من الاهتزاز في المطبات واتهامات الاحتكاك بالراكبات وأيادي النشالين العابثة بجيوبك.

‎واذا كان هذا المقعد بجوار الشباك فقد نلت ثواب الدنيا فأمامك شاشة عرض متحركة تتطلع من خلالها على الشوارع والبيوت ووجوه البشر.
‎وعلى الرغم من كل ما ذكرته لم يكن الأستاذ "صبحي" في حالته المعتادة .. كان عبوسًا ومهمومًا لا يشعر بما حوله.
‎أسند رأسه على زجاج النافذة في شرود عميق وهو يستعيد كلمات زوجته وهي تودعه على باب الشقة "ماتنساش مصاريف المعهد بتاعة ابنك يا صبحي .. الواد مش هيدخل امتحان التيرم وهتضيع عليه السنة".
‎اعتدل في جلسته وتحدث بصوت مسموع موجها حديثه الى زوجته الغائبة عن المشهد " هجيب منين بس ياصفيه .. ما انتي راسيه على البير وغطاه .. هو انا هلاحق عليكم أكل وشرب وكسوة ولا هدفع كمان مصاريف معاهد وكليات".
‎جذب صوته المرتفع انتباه الركاب من حوله والتفتوا اليه في دهشة مما جعله يشعر بالحرج ، فعاد إلى شروده من جديد وهو يلقي بنظره خارج النافذة.
‎شاهد أثناء توقف الاتوبيس في احدى المحطات زحامًا شديدا أمام أحد المعارض التابعة لماركة سيارات فارهة يتخطى ثمنها حاجز الاصفار الستة بمسافات شاسعة.
‎وقبل أن يستوعب المفاجأة مال عليه الراكب الجالس بجواره ليزيد من دهشته قائلا "تصدق بالله يا محترم .. معظم الناس دي بايته هنا من امبارح عشان تحجز عربيات يتعدى تمنها 3 ملايين جنيه.
‎هز الاستاذ "صبحي" رأسه دون أن يعلق وعاد الى شروده وهو يستعيد مشهد زوجته التي كانت تئن من الألم وهو يرجوها أن تطاوعه وتذهب معه الى الطبيب للكشف عليها وهي ترفض بإصرار قائلة " وهو احنا حمل فلوس الكشف أو تمن العلاج .. الفلوس دي ناكل بيها اسبوع بحاله"
‎سالت دمعة ساخنة من عينيه وهو يشعر بالعجز وقلة الحيلة وضرب رأسه في زجاج النافذة بغضب مكتوم واصطدمت عيناه بمشهد مثير عندما شاهد زحامًا رهيبًا أمام أحد البنوك ، فسأل الراكب الجالس بجواره بدهشة "هو فيه ايه .. المرتبات والمعاشات نزلت بدري ولا ايه".
‎ضحك الراكب قائلا " انت مش عايش في الدنيا ولا ايه .. الناس دي كلها جايبه فلوسها عشان تشتري الشهادات الجديدة اللي فايدتها 25% .
‎وحدث الاستاذ "صبحي" نفسه بصوت مرتفع " كل الناس دي معاها فلوس جايه تحطها في البنك ..أمال بيقولوا البلد مافيهاش فلوس ليه".
‎وغادر الاستاذ "صبحي" مكانه بجوار الشباك ليسأله الراكب الجالس بجواره "رايح فين يا استاذ .. انت مش نازل آخر الخط".
‎التفت اليه الاستاذ "صبحي" قائلا "مش هقعد جنب الشباك تاني .. انا شوفت بما فيه الكفايه .. سلامو عليكو".

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة