المسرح المصرى
المسرح المصرى


مصر وطن الفن l ريادة مسرحية مستمرة قبل كتابة التاريخ

أخبار النجوم

الخميس، 19 يناير 2023 - 11:13 م

محمد بركات

ظهر المسرح فى مصر منذ آلاف السنين، حيث قدم القدماء المصريين أشكالًا من الفنون المسرحية، وجُدت فى النقوش التى ظهرت بمحيط المقابر الفرعونية، واستمد مصطلح “المسرح” أو “تياترو” جذوره من كلمة “ثياترون” الإغريقية التى تعنى مكانًا مخصصًا للمشاهدة، وبالتالى يعتبر العصر الإغريقى هو أساس المسرح بشكله الحديث الذى بدأ باستغلال البداية التى ظهرت فى مصر القديمة لوضع وتحديد الأسس، وفى العصر الحديث عرفت مصر فن المسرح منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر على يد يعقوب صنوع وأبو خليل القبانى، ثم تدرج الحال إلى تكوين فرق مسرحية حرة مصرية خالصة.. تاريخ مسرحى كبير لا يمكن محوه أو التأثير عليه مهما تكالبت علينا الظروف، أو ظهرت طفرات فى بعض البقاع الأخرى أدت لحدوث المقارنة من حيث العروض والفعاليات والمهرجانات.. هذا ما طرح التساؤلات حول إمكانية التأثير على مكانة المسرح المصرى، ومحاولات محو تاريخه أو سحب الريادة منه، ولماذا تقع مصر دومًا فى محل مقارنة مع غيرها ؟ .

عن رأيه حول وضع التاريخ المسرحى المصرى فى مقارنة مع غيره من الطفرات المسرحية التى تحدث فى الخارج، يقول المخرج والناقد والمؤرخ المسرحى د.عمرو دوارة : مصر لها الريادة ليس فقط بحكم التاريخ وحضارة سبعة آلاف سنة، ولا بموقعها الجغرافى الفريد والكنوز الطبيعية التى وهبها الله لها ومن بينها نهر النيل، ولكنها قبل هذا وذاك بتكريم الله رب العرش الكريم لها ولشعبها، هذا الشعب المؤمن الذى هبطت بعض الأديان السماوية على أرضه فحملت جيناته كل القيم النبيلة السامية، هذا الشعب الطيب المعطاء الذى حمل مشعل الحضارة والتمدن إلى جميع شعوب العالم منذ بداية التاريخ وخلال مختلف العصور، الشعب الذى صهرته التجارب الصعبة والتحديات الكبرى فواجهها بقوة وصلابة، وبسخرية الواثق من نجاحه وتفوقه وتميزه، فانتصر على جميع الغزاة ونجح في تحويل المحن إلى منح واستفاد من تجارب وانجازات جميع الحضارات، لذا فقد استمرت مصر بلد الآمان كما أراد لها رب العالمين وكما ذكرها صراحة فى أكثر من موقع بالقرآن الشريف، كما استمرت فى تميزها ومشاركاتها فى الإبداع وخدمة الإنسانية، وكذلك فى تحديها لكل الصعاب وتصديها لكل المؤامرات التى حاولت النيل من مكانتها والتقليل من شأنها، ليستمر الشعب المصرى رمزا للتنوير والإبداع والقدرة على الإضافة والعطاء بجميع المجالات العلمية والثقافية والفنية.

وأضاف دوارة: بداية لابد من التأكيد على أن الريادة الحقيقية لا تعنى فقط أن السبق التاريخى، ولكنها تعنى بالدرجة الأولى الاستمرارية وقوة التأثير وتقديم الإضافات الحقيقية، ومن خلال المفهوم والتعريف السابق يمكننا تأكيد ريادة مصر المسرحية، ليس من خلال بدايات المسرح الفرعونى بأكثر من ستة قرون قبل الميلاد، ولكن أيضا من خلال ريادتها أيضا بالمسرح الحديث فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وبالتحديد بدءًا بتجربة الرائد المسرحى يعقوب صنوع عام 1870، وإذا كان المسرح العربى الحديث قد بدأ تاريخيا بلبنان من خلال تجربة مارون النقاش عام 1847، ثم بسوريا من خلال تجربة أبو خليل القبانى عام 1865، فإنه للأسف قد تم وأد كل من التجربتين سريعا كنتيجة لتحالف قوى التخلف والرجعية، فلم تصمد كل تجربة منهما أكثر من عدة شهور، وتبقى التجربة الرائدة الحقيقية التى استمر تأثيرها حتى الآن بالمسرح المصرى والعربى وهى تجربة رجل المسرح يعقوب صنوع كمؤسس ومؤلف ومترجم ومقتبس، وأيضا كمخرج ومدرب للتمثيل.

 ويتابع دوارة: لقد نجح يعقوب صنوع الذى نشأ بالأحياء الشعبية المصرية فى توظيف موهبته وثقافته ومشاهداته للمسرح الأوروبى سواء بمصر أو بكل من إيطاليا وفرنسا، فى تقديم المسرح المصرى الحديث، معتمدا على تطوير عروض بعض الفنون الشعبية  كخيال الظل والحكواتى والأراجوز وحكايات شاعر الربابة وعروض أولاد رابية والمحبظاتية، فنجح فى جذب جمهور تلك العروض لمشاهدة عروض المسرح الحديث، وهو الجمهور الذى كان له الفضل الأول فى حماية واستمرارية العروض المسرحية حتى الآن، خاصة وأنه من خلال عروضه الكثيرة المتتالية التى استمرت على مدار عامين (1870 – 1872) قد نجح فى تمهيد الأرض لاستقبال فرقة سليم النقاش (ابن شقيق مارون النقاش) الذى حضر بفرقته عام 1876.

وأردف: يستمر المسرح المصرى فى مسيرته بفضل مواهب أبنائه، ويحقق الريادة بفضل مجموعة كبيرة من الموهوبين وفى مقدمتهم الفنان سلامة حجازى النجم الذى حقق نجاحا كبيرا من خلال مشاركاته الفنية بعدد كبير من الفرق السابقة، والذى قام بتأسيس أول فرقة غنائية مصرية عام 1905، ويتوالى من بعده جهود “ منيرة المهدية أول سيدة تؤسس فرقة مسرحية عام 1916، وفاطمة رشدي أول سيدة تشارك بالإخراج، والمطربة ملك أول سيدة تؤسس فرقة وتقوم من خلالها بالغناء والتلحين وعزف العود، فالفرق المصرية ومنذ بدايات القرن العشرين أخذت على عاتقها مسئولية نشر الفن المسرحى بجميع دول المشرق والمغرب العربى من خلال تلك الجولات الفنية التى قامت بها فرق: سلامة حجازى، أولاد عكاشة، سليم وأمين عطا الله، منيرة المهدية، نجيب الريحانى، على الكسار، جورج أبيض، رمسيس (يوسف وهبى)، فاطمة رشدى، الفرقة القومية، هذا بالإضافة إلى الجهد الأكاديمى بتأسيس المعاهد المسرحية بكل من الكويت وتونس ولييا والجزائر بفضل الأساتذة المصريين وفى مقدمتهم زكى طليمات، نبيل الألفى، عمر الحريرى جلال الشرقاوى، كرم مطاوع، سعد أردش وآخرين.

تميز مصرى
وأشار دوارة: إذا كانت خريطة الإبداع المسرحى بالدول العربية تضم تميزا لبعض الدول فى بعض المفردات المسرحية، ومن بينها على سبيل المثال: العراق (الإخراج)، سوريا (التأليف)، تونس (السينوغرافيا)، المغرب (النقد والتنظير) ، فإن مصر أم الدنيا ما زالت تتميز بتكامل جميع المفردات وبكثرة عدد المبدعين فى كل مجال مع ارتقاء المستوى الفنى لإبداعاتهم، بالإضافة إلى تميزها بهذا العدد الكبير من الجمهور العاشق للفنون المسرحية والذى يجعل بعض المسرحيات سواء بفرق مسارح الدولة أو بفرق القطاع الخاص يستمر عرضها لأكثر من ثمانية أعوام، وهى ظاهرة لا يمكن أن تحدث إلا فى مصر، وتستمر الظاهرة المسرحية بنجاح برغم المحاولات الفاشلة واليائسة التى تحاول التقليل من شأنها أو التقليل من قيمتها، ويكفينا فخرا تلك المحاولات المستمرة لمقارنة أى نجاح لفرقة أو مبدع عربى ولو ضئيل بالمنجز المصرى، الذى يظل هو المعيار ومقياس النجاح وعلامة الجودة، وأخيراً يستمر المسرح المصرى فى القيام بدوره التنويرى والريادى، كما يستمر الإبداع المصرى بفضل نجومه، وهم بلا جدال نجوم الفن العربى أيضا الذين يصعب بل ويستحيل منافستهم على حب الجماهير العربية لهم بحضورهم المحبب وخبراتهم الكبيرة.

يزيدنا صلابة
بينما يقول المخرج عصام السيد: لا يمكن التأثير على مكانه وريادة مصر الفنية، لأنها هى التى بدأت فن المسرح، وكانت تقود العالم العربى كله باعتبارها صاحبة الريادة فى الفنون وبشكل خاص فى المسرح، والأدب وغيرها من الفنون، فالمسرح المصرى من أقدم المسارح والتاريخ شاهد على ذلك، والحركة المسرحية من أقوى الحركات المسرحية فى الوطن العربى كله، فمن هى الدولة العربية التى يوجد بها كم الإنتاج المسرحى المصرى الموجود فى مصر، سواء كان على مستوى الهواة أو المحترفين، حيث يتم إنتاج ما لا يقل عن 3 الاف عرض مسرحى سنوياً، ما بين مسرح الجامعة، مسرح الهواة، المسرح المحترف، ثقافة جماهيرية، مستقل، وشئ طبيعى جداً أن يوجد في مصر هذا الكم الهائل من الزخم المسرحى، وبالتالي لقبت مصر بصاحبة “الريادة الفنية”.

وعن مدى التأثير على ريادة مصر الفنية يضيف السيد: من الطبيعى جداً أن تسعى كل دولة لبذل مجهود كبير فى إنتاج عروض وإقامة مهرجانات وفعاليات مسرحية لكى تتصدر أو تظهر فى المشهد المسرحى، وهذا لا يهدد الفن والمسرح المصرى على الإطلاق، بالعكس تماماً سيؤدى ذلك إلى وجود حراك مسرحى وتعاون بين الدول العربية والغربية، بالإضافة لوجود منافسة شرسة بين العروض المصرية والعربية والغربية، ثم يكون البقاء والنجاح للأقوى ويزيد من صلابة المسرح المصرى.

وأشار السيد: من الطبيعى جداً وضع مصر بالتحديد فى أى مقارنة مع أى تجربة أو فعالية مسرحية جديدة فى أى دولة أخرى، لأنها الأضخم والأكبر والأسبق، فمن المستحيل محو المسرح المصرى أو سحب الريادة منه، والدليل على ذلك أن كل نجوم العرب يأتون إلى مصر لمكانتها الفنية الكبيرة، والأكثر شهرة، جماهيرية بين الدول الأخرى فى الفنون، فى المقابل ينتقل الفن المصرى بنجوم مصريين لعرض مسرحيات فى معظم الدول العربية، فى تنافس شريف دون كراهية أو حقد.

بأيادٍ مصرية
إذا أردت أن تسحب السجادة من مصر يلزم توافر مبدعين لسحبها، المصريون هم الذين يقدمون العروض في كل الدول العربية .. فكيف يتم سحبها؟”، هكذا بدأ المخرج مراد منير حديثه عن حقيقة تراجع المسرح المصري، قبل أن يتابع قائلا عن التأثير أو محو الفن المصري، لا يمكن محو الفن المصري أو التأثير عليه، في ظل وجود الإبداع المصري، بداية من يوسف وهبى، نجيب الريحاني، جورج أبيض، هؤلاء الكبار كانوا يعرضون أعمالهم المسرحية فى الخارج ولم تنسحب الريادة الفنية من مصر، لأن مصر جاذبة للإبداع، فنجد فريد الأطرش، صباح، وردة، وغيرهم من النجوم العرب الحاليين الذين جاءوا مصر بحثاً عن الشهرة والنجومية الكبيرة لأن مصر بلد مركز إشعاع، وبالتالي لا يمكن سحب الريادة المصرية فى الغناء، السينما، التليفزيون أو فى المسرح،.

وعن مقارنة مصر مع أى تجربة أو فاعلية مسرحية جديدة فى أى دولة، يقول مراد: لأن مصر هي الكبيرة والرئيسة فى كل مجالات الفنون، طبيعي جداً عندما يريد شخص مقارنة نفسه بغيره، يختار الشخص الكبير والقوى فى مجاله، أتذكر عندما التقيت بالفنان السورى الراحل سعد الله ونوس، قال لي: “فى سوريا يحاولون تكرار أساطير مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، لكن هذا مستحيل”، لأن عبد الحليم وأم كلثوم مثل الأهرامات، تراث لن يتكرر، حتى الدراما السورية حاولت أن تتفوق على الدراما المصرية ولم تستطع، حققت انتشارًا لكن ليس بجحم الدراما المصرية، لأن النجوم المصريين مطلوبين ومحبوبين وأيضاً اللهجة المصرية خفيفة ومقبولة عند الجميع، والدليل أن جميع الفنانين من جنسيات عربية مختلفة تعلموا اللهجة المصرية.

تاريخنا محفور
لا يستطيع أحد محو تاريخ الفن المصري، هكذا بدأت د. هدى وصفى حديثها قائلة : سيظل تاريخنا الفني ماضيه وحاضره يعلمه الجميع، حتى إذا قامت بعض الدول الشقيقة بإقامة أية فعاليات مسرحية ترفيهية بقيادة أيادي مصرية، تاريخها معروف، وتاريخنا معروف ومحفور، واذا أراد البعض التأثير علينا في ظل الأزمات المالية التي تشهدها البلاد والعالم لم تنجح في سحب الريادة الفنية من مصر، سيظل خير مصر على الجميع، مهما تكالبت علينا الظروف.

أقرأ أيضأ : مسرحية «الشعراوي» .. إلى أين ؟

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة