صورة موضوعية
صورة موضوعية


ما حكم عمل زفة لإثبات العذرية وأثرها على عقد النكاح؟ الإفتاء تُجيب

كرم من الله السيد

الجمعة، 20 يناير 2023 - 08:28 م

ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول فيه صاحبه: انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو احتفالًا لفتاة بـ(عذريتها)، والهتاف بشرفها وعفتها؛ مما أثار جدلًا واسعًا حول الأمر. وسؤالي: هل للعذرية أثر على النكاح؟ وهل العذرية دليل على شرف الفتاة وعفتها؟


وأجابت الدار بأن عمل الزفة المذكورة للاحتفال بثبوت عذرية الفتاة بعد الكشف الطبي عليها مخالف للمسلك الأخلاقي النبوي، والعذرية لا ترقى إلى عدِّها قرينة على ثبوت عفة المرأة ولا نفيها، فمن المقرر شرعًا أن غشاء البكارة قد يزول بسبب اندفاع دم الحيض أو الركوب على شيء حاد أو نحو ذلك، وعَدَمُها ليس عيبًا يفسخ به النكاح، والدليل على شرف الإنسان وعفته: أخلاقُه وتقواه وسلوكه الحسن بين الناس.

وأوضحت الدار بأن العذرية مصطلح يُطلَق ويراد به في الأغلب: عدم ممارسة المرأة الجماع من قبل، وتثبت العذرية في زعم العامة بالاختبار والتحقق من وجود غشاء بكارة سليم، على التوهم الشائع من أنَّ غشاء البكارة لا يمكن أن يتمزق إلا نتيجة ممارسة الجماع.

والمقرر في الفقه الإسلامي أنَّ البكارة -وهي أعم من العذرية- أمر اعتباري لا حسي؛ فهو لا يرتبط ارتباطًا عضويًّا بوجود غشاء العُذْرة؛ إذ قد يزول غشاء العُذْرة وتظل البنت بكرًا حقيقةً وحكمًا كما إذا زال بغير الوطء؛ بوثبة، أو حِدَّة حيض، ونحو ذلك، وبذلك وردت الآثار عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

روى سعيد بن منصور في "سننه" واللفظ له، وابن أبي شيبة في "المصنف": أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَجِدْهَا عَذْرَاءَ، كَانَتِ الْحَيْضَةُ أَحْرَقَتْ عُذْرَتَهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عَنْهَا، "أَنَّ الْحَيْضَةَ تُذْهِبُ الْعُذْرَةَ يَقِينًا" ولفظ ابن أبي شيبة: "إِنَّ الْعُذْرَةَ تَذْهَبُ مِنَ الْوَثْبَةِ وَالْحَيْضَةِ وَالْوُضُوءِ".

وروى عبد الرزاق واللفظ له وابن أبي شيبة في "مصنفيهما" عن عطاء رحمه الله فيمن قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ، وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ مِنْ زَنَا، فَلَا يُجْلَدُ، لَمْ يَجْلِدْ عُمَرُ: "زَعَمُوا أَنَّ الْعُذْرَةَ تُذْهِبُهَا الْوُضُوءُ وَأَشْبَاهُهُ".

ورويا في "مصنفيهما" عن الحسن البصري: "أنه سُئل فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ. قَالَ: «لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، الْعُذْرَةُ تُذْهِبُهَا الْحَيْضَةُ وَالْوَثْبَةُ".

ورويا في "مصنفيهما"، وكذا سعيد بن منصور في "سننه" عن إبراهيم النخعي "أنه سُئل فِي رَجُلٍ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْهَا عَذْرَاءَ، قَالَ: "لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، الْعُذْرَةُ تُذْهِبُهَا الْوَثْبَةُ، وَالْحِمْلُ الثَّقِيلُ" وقد ورد نحوه عن سالم بن عبد الله بن عمر والشعبي وسليمان بن يسار وطاوس رحمهم الله تعالى.

ونصّ على ذلك أصحاب المذاهب المتبوعة؛ من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 334، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ومَن زالت بكارتها) أي: عذرتها، وهي: الجلدة التي على المحل، وفي "الظهيرية" البكر: اسم لامرأة لا تجامع بنكاح ولا غيره (بوثبة، أو حيضة، أو جراحة، أو تعنيس) من عنست الجارية، إذا جاوزت وقت التزوج فلم تتزوج (فهي بكر) حقيقة، أي: حكمهن حكم الأبكار، ولذا تدخل في الوصية لأبكار بني فلان؛ لأن مُصِيبها أولُ مصيب لها منه الباكورة والبُكرة لأول الثمار ولأول النهار، ولا تكون عذراء] اهـ.

وقال الإمام البابرتي الحنفي في "شرح الهداية" (3/ 270، ط. دار الفكر): [(وإذا زالت البكارة بوثبة)، وهو الوثوب من فوق، (أو حيضة أو جراحة أو تعنيس فهي في حكم الأبكار) في كون إذنها سكوتَها؛ (لأنها بكر)، إذ البكر: هي التي يكون مصيبها أول مصيب] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 281، ط. دار الفكر): [البكر عند الفقهاء: هي التي لم توطأ بعقد صحيح أو فاسد جار مجرى الصحيح، وأما العذراء: فهي التي لم تزل بكارتها بمزيل؛ فلو أزيلت بكارتها بزنا أو بوثبة أو بنكاح لا يقران عليه فهي بكر؛ فهي أعم من العذراء] اهـ.  وفيه يظهر التفريق البديع بين مفهوم العذرية الحسي ومفهوم البكارة الأعم منه.

وقال العلامة البجيرمي الشافعي في "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (3/ 361، ط. دار الفكر): [وفي معنى البكر: مَن زالت بكارتها بنحو حيض، وفي معنى الثيب: من لم تزل بكارتها مع وجود دخول الزوج بها؛ كالغوراء] اهـ. ومقتضاه: أنَّ زوال غشاء البكارة لا يلزم منه زوال البكورة، وأنَّ وجوده لا يستلزم وجود البكورة؛ فقد يكون موجودًا والمرأة ليست بكرًا، وقد يزول وتبقى بكرًا.

وجاء في "الإقناع" للعلامة الحجاوي الحنبلي وشرحه "كَشّاف القناع" للعلامة البهوتي الحنبلي (5/ 47، ط. دار الكتب العلمية): [(وزَوَال البكارة بأصبع، أو وثبة، أو شدة حيضة، ونحوه) كسقوط من شاهق (لا يُغَيِّر صفة الإذن)، فلها حكم البكر في الإذن؛ لأنها لم تُخبَر المقصودَ، ولا وُجِد وطؤها في القبل، فأشبهت مَن لم تزل عذرتها] اهـ.

والمعمول به إفتاء وقضاء أنَّ زوال العذرية أي زوال غشاء البكارة ليس عيبًا يرد به عقد النكاح، كما هو مذهب الحنفية، حتى لو اشترط الزوج البكارة في العقد، وهو رواية عن الإمام أحمد.

وقال الإمام الموصلي في "الاختيار" (3/ 93، ط. الحلبي): [ولو تزوجها على أنها بكر فوجدها ثيبًا يجب جميع المهر؛ لأن البكارة لا تصير مستحقة بالنكاح] اهـ.

اقرأ أيضا | قداسة البابا تواضروس الثاني يستقبل مفتي الديار المصرية

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة