عمر شهريار
عمر شهريار


عمر شهريار يكتب: لا شىء يبقى.. لا شىء يموت

أخبار الأدب

السبت، 21 يناير 2023 - 04:33 م

عالم قديم في هذا الصمت كان يوما ما امرأة جميلة أثقلتها المحبة، وهذا السحاب كان طفلا، اعتاد أن يطل على عالم يصنعه فى خياله، ويرنو للتحليق فيه، هذا الدخان كان رجلا قلبه يحترق
من الرغبة. 

هذا النسيم
كان فتاة حالمة
تداعب قطتها
وتدندن بالأغنيات.

هذا الوهج كان أبًا 
يسعى فى الأرض،
بابتسامة متعبة،
ليرى الرضا فى عيون أبنائه.

هذا النور كان
أمًّا،
تستيقظ فى الفجر،
لتطرد الكوابيس
من عيون صغارها النائمين.

هذا الحنان
كان زوجة طيبة
تمد فخذها لرأس زوجها،
المهموم بالغد،
لينام مطمئنا.

هذا النهر
كان أسرة فقيرة،
ودافئة،
تمنح العالم جدارته.

قنينات ممتلئة بك

 (1)
كلما صافحتك،
أضع قنينة تحت كفك
أعبئ فيها الشوق الذى
يقطر من أصابعك،
لأبلل به تشققات روحى
فى غيابك.

(2)
أحفظ الرقة،
التى تنثال من عينيك
وأنت تطبخين لنا
وجبة سريعة،
فى قنينة بيضاء
لأخمد بها حروب العالم.

(3)
أجمع الحنان الذى ينز
من تحت إبطيك،
وبين نهديك
ويتهادى على عمودك الفقرى،
وأنت تمشين فى الشارع
تحت شمس أغسطس،
أضعه فى قنينة خضراء،
وأنثره على اليتامى،
والوحيدين
الذين أهملتهم حبيباتهم، 
فيسبحون فى حضن
ملائكى،
يطهرهم من أحزانهم.

 (4)
أما قنينة الحياة،
القنينة الشفافة،
التى ملأتها لحظة
انهمارك،
وأنت ترتعشين،
وتنشبين أظافرك فى ظهرى،
فأدخرها للحظات الأخيرة،
ها هى أمامى،
كعشبة الخلود، 
وكلما حوم الموت حول قلبى،
تذوقت منها،
فأولد من جديد.

أمل أخير فى إنقاذ العالم

لا تتركى ظلك يتبعك
فى الطرقات
حتى لا تدهسه عربة طائشة
دعيه فى البيت
ليدفئ حوائطه فى الليالى الباردة، 
ويؤنس الأطفال الخائفين
فى الظلام.

ازرعى رائحتك فى شرفات البيت
وفى النوافذ
لتطرد الشياطين، 
وتحرق الساسة
ورجال الدين. 

علقى صوتك فوق المآذن، 
فوق أعلى نقطة فيها، 
ليبث الطمأنينة فى المدينة، 
ولترقص الملائكة من النشوة. 

طيرى ملابسك فى الهواء، 
ملابسك المتعرقة،
ملابسك التحتية،
اقذفيها كلها للسماء، 
لتسكر السحب وتغفو العواصف.

اطلقى نظراتك فى الفضاء،
لتسقط الطيور طائعة
فى «حِجر» صياد فقير،
أقعدته الشيخوخة عن العمل. 

اغتسلى فى النهر الراكد، 
ليثور
ويفيض عسلا وجمرا. 

ثم اخرجى للعالم
بجسدك وحده، 
عاريا من المجاز،
جسدك الفاتن هذا، 
الفاجر هذا، 
فهو وحده كفيل بأن يضىء
القلوب المظلمة.

موت سينمائى

أريد أن أموت مبتسما
ابتسامة واسعة وزاهية
ألصقها على وجهى
قبل أن أغادر
سيقول الطيبون إنها علامة
وإننى ابتسم للفردوس،
وسيقول آخرون إنها دليل رضا
عن أيامى الغابرة،
ولن يدركوا أنها محض شفرة مضللة
أخدع بها عيون المشيعين
وعدسة الكاميرا
كى أخفى الخراب
الذى يملأ روحى
وأبدو شخصا سعيدا
حتى فى صعودى.

إنها محض لعبة قديمة
تشبه الدراما الرمضانية
الممثل مجبر على أداء دوره
للنهاية
والحبكة تقتضى نهاية سعيدة
حتى الموت يجب أن يكون جميلا
كى ينام الجمهور راضيا
لا داع ﻷن ننكأ الجروح
أو نحفر بعيدا
فالسطح ملائم جدا
ولنترك الفجيعة فى مرقدها العميق
ولنتجنب التعاسة ما استطعنا.

اقرأ ايضاً| خيرى بشارة يكتب: الكبرياء الصيني

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة