بديوي شاهد علي معركة الشرطة
بديوي شاهد علي معركة الشرطة


حوار | محمود بديوي شاهد على «معركة الشرطة»: شرارة في الإسماعيلية أوقدت لهيب الثورة في مصر

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 22 يناير 2023 - 02:40 م

لم تكن مجرد حادثة نتيجة تجاوزات الاحتلال البريطانى ، بل كانت ملحمة شعبية تتناقل سيرة أبطالها عبر العصور، رجال شرفاء قدموا أرواحهم  وحافظوا على أرضهم ، 
الدم يتناثر في كل مكان ، الشهداء يسلمون أرواحهم الطاهرة لبارئها فداء لحفنة تراب من أرض بلادهم ، المصابون تعلوا أصواتهم ولكنها لاتعلوا بصرخات الالم قدر ما تعلوا بعبارات الإصرار والعزيمة على الحفاظ على الأرض ، عبارة واحدة اتفق عليها الجميع كتبوها بقلوبهم ونطقتها ألسنتهم ، نحن جند الوطن ونموت دونه .
في يوم الخامس والعشرين من يناير تحتفل مصر ومحافظة الإسماعيلية بالاخص بذكرى ملحمة الشرطة حيث قاوم رجال الشرطة البواسل بالدفاع والاستشهاد للحفاظ على مبنى محافظة الإسماعيلية .
" البداية"
ادى اضطراب الأوضاع بين مصر وبريطانيا  وقبول حكومة الوفد تبني المطلب الشعبي لالغاء معاهدة 1936، حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس، في مجلس النواب يوم 8 أكتوبر 1951، إلغاء المعاهدة، التي فرضت على مصر الدفاع عن مصالح بريطانيا، وكذلك  ترك 91 الف عامل مصري العمل بمعسركات الإنجليز، فأزعجت تلك الأفعال حكومة لندن، فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، غير أن الشباب لم يهتم بهذه التهديدات ومضوا في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر جسيمة .
"بطولة رجال الشرطة "
وفى صباح يوم الجمعة، الموافق 25 يناير عام 1952، استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام"، ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارًا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية، أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.
وجاء هذا الإنذار بعد أن أدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة‏،‏ لذا خطط الاحتلال لتفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أي غطاء أمنى‏.
غير أن قوات الشرطة المصرية رفضت الإنذار البريطانى، وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية، في هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، ليشتد غضب القائد البريطانى في القناة، ويأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، وإطلاق نيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، في الوقت التي لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع.
حاصر أكثر من 7 آلاف جندى بريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات التي كان يدافع عنهما 850 جنديًا فقط، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التي دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط مصطفى رفعت، حتى سقط منهم 50 شهيدًا والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم.
ولم يكتف البريطانيون بالقتل والجرح والأسر، بل قاموا بهدم قرى مسالمة تابعة للمحافظة، لاعتقادهم أنها مقر يتخفى خلاله الفدائيون، مما أثار الغضب في قلوب المصريين، فنشبت المظاهرات لتشق جميع شوارع القاهرة مليئة بجماهير غاضبة تنادى بحمل السلاح لمواجهة العدو الغاشم.
وأجبر تصدى الشرطة المصرية لقوات الاحتلال واستبسالهم حتى اللحظة الأخيرة في الدفاع عن الوطن، الجنرال الإنجليزى أكسهام، على منح جثث شهداء الشرطة التحية العسكرية عند إخراجها من مبنى محافظة الإسماعيلية، اعترافًا بشجاعتهم في الحفاظ على وطنهم.
وانتشرت أخبار الجريمة البشعة في مصر كلها، وخرجت المظاهرات في القاهرة، واشترك فيها جنود الشرطة مع طلاب الجامعة صباح السبت 26 من يناير 1952.
وعمت المظاهرات شوارع القاهرة التي امتلأت بالجماهير الغاضبة، وراحوا ينادون بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز، لتكون معركة الإسماعيلية الشرارة التي أشعلت نيران الثورة
احد أبناء الإسماعيلية كان شاهدا على الأحداث، المصور محمود بديوي كان طالبا بالصف الأول الثانوي حينها وتزامن وجوده في موقع المعركة بسبب خروج طلاب مدرسته لرحلة مدرسية لشوارع  الإسماعيلية وخاصة شارع محمد على وكانت الإسماعيلية في ذلك الحين مدينة تابعة لمحافظة بورسعيد وتواجد طلاب المدرسة في شارع محمد على في الثامنة من صباح الخامس والعشرين من يناير ١٩٥٢ وهم يرددون اغاني الصبا وإذ بهم يتفاجئون بالدبابات الإنجليزية وعربات حملة الجنود خلفهم متجهين لقسم البستان مديرية أمن الإسماعيلية حاليا ، وكان الطالب بديوي بحوزته كاميرا بسيطة وعدة افلام لالتقاط صور لرحلتهم لشوارع الإسماعيلية.
ويذكر بديوي أنه في يوم الثلاثاء السابق ليوم المعركة قد عثر الإنجليز على جثة أحد الضباط الإنجليز قريبا من قسم البستان مما أدى لتجمع الإنجليز من كل الاماكن وتوججهم لمعسكرهم بمدينة الإسماعيلية ،وقد كان الطالب بديوي ذات السن الصغير يراقب باهتمام ما يحدث .
وقد سألناه 
من المعروف في فترة الاحتلال عند وجود تجمعات للدبابات وحاملات الجنود فإن ذلك يكون مصحوبا حتما بحادثة أو مشكلة فهل شعرت بالخوف حينها وكيف كانت ردة فعلك ؟ 
لقد كنت صغيرا في مقتبل الشباب ولا أنكر أنه انتابني بعض التردد والخوف ولكن  ما سيطر على حينها هو حب التطلع ومشاهدة ما سيحدث فأخرجت الكاميرا الخاصة بي وبدأت في ألتقاط بعض الصور للدبابات وللعساكر الإنجليز فقد كنت أريد أن أعلم سبب تواجدهم والي أي مكان سيتجهون وماذا سيفعلون .
ألم يلحظ أي من العساكر الإنجليز وجودك ومحاولاتك لالتقاط الصور ؟
قد لاحظوا بالفعل ولكن ردة فعلهم لم تكن متوقعة فقد قال لي احد العساكر متسائلا اترغب في التقاط صورة لي فقلت له نعم 
وعلمت حينها أن هدفهم هو الحصول على السلاح الموجود بحوزة العساكر في قسم البستان واستسلام كل القوة الموجودة وقد كان العقيد مصطفى رفعت قائد القوة الموجودة وبرفقته الفنان صلاح ذوالفقار وقد كان ضابط شرطة حينها ثم وصل الجنرال اكس هام قائد القوات الإنجليزية بعد ذلك وسلم انذار للعقيد مصطفي رفعت من أجل الاستسلام وكل ذلك ظنا منهم أن قوة قسم البستان مسئولة عن مقتل الضابط الانجليزي وبعدها قام العقيد مصطفي رفعت بالاتصال بوزير الداخلية حينها فؤاد سراج الدين الذي أكد من جانبه بضرورة الدفاع عن القسم حتى آخر طلقة لديهم وبدأت الدبابات في محاولة الاقتحام وبدأت المعركة 
 كيف تصرفت مع بداية المعركة ؟
تسللت بجوار الدبابات ودخلت لمبنى القسم والحداثة سنى لم يلتفت أحد لهذا الشاب في مقتبل العمر ولم يهتم بوجودي أحد وقد قمت بتصوير تسلسل الأحداث منذ بداية المعركة حتى نفاذ الذخيرة واستشهاد جنودنا البواسل واستيلاء العساكر الإنجليز على الأسلحة وعتاد القسم وقد استشهد في هذا المعركة ٥٥ شهيدا ما بين ضباط وجنود .
وقد تم نقل الشهداء وتم الاستعانة بي وقتها لتصوير وجوه الشهداء حتى يتسنى لذويهم التعرف عليهم 
 كم استغرقت مدة المعركة ؟
لقد بدأت المعركة في حوالي الساعة ١١ إلى الواحدة والنصف ظهرا إلى أن استشهد ابطالنا وتم القبض على آخرين وخلال هذه الساعات لم يلتفت إلي أحد 
ما مصير الصور التى قمت بتصويرها حينها ؟
قام أحد الخونة المتعاونين مع الإنجليز بزيارتي ليلا ويدعى كينج صبري حينها وحاول أن يسلمها للقوات الإنجليزية ولكننى قمت باخفائها وذهبت سريعا بعد انصراف الكينج صبري ليوسباشي المباحث  سلمت له الافلام وقام بدوره بتوصيلها لوزير الداخلية وقد قام وزير الداخلية حينها بمكافئتي ماليا ورد لي الافلام بعد الحصول على نسخ منها مؤكدا أنها حقي ويمكنني ببيعها كوثائق للمعركة لمن يريدها .
ما وصفكم للمعركة ؟
ملحمة وطنية  ضرب فيها أبناء مصر من رجال الشرطة   مثلا رائعا للتفانى من أجل الحفاظ ارض الوطن كما ساهمت في تغير أسس النظام البوليسي من حيث التسليح والاستعداد

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة