نوال مصطفى
نوال مصطفى


يوميات الأخبار

أن تشد الرحال إلى أفريقيا

نوال مصطفى

الثلاثاء، 24 يناير 2023 - 07:39 م

هذه الأجواء بثت القلق فى قلبى، لكن على الطرف الآخر من إحساسى، كان هناك خيط آخر يجذبنى هو «الفضول»، الرغبة فى اكتشاف هذا الجزء المهم من العالم «أفريقيا».

سألتنى صديقة مقربة، تعرفنى جيدا، وتنفذ إلى مشاعرى العميقة باقتدار: لماذا أشعر أنك قلقة بشأن رحلتك القادمة إلى نيجيريا؟ ليست المرة الأولى التى تسافرين فيها، فقد سافرت عشرات المرات، وطفت أرجاء المعمورة من شرقها إلى غربها فى مهمات صحفية تارة، مؤتمرات خاصة بمشوارك الإنسانى تارة، أو ملتقيات ومعارض للكتاب تخص الأدب والثقافة، فلماذا أقرأ فى عينيك هذا القلق المكتوم؟

قلت لها: فعلا أنا قلقة جدا، بسبب الإجراءات الكثيرة التى تشير إلى صعوبة الرحلة من البداية، أولها طلبات «الفيزا» أو تأشيرة الدخول إلى البلاد، فى البداية طلب منا أن نسجل لطلب الفيزا أون لاين وفعلت، ودفعت رسوم الفيزا، وبعدها طلبوا أن نتوجه إلى السفارة مرة أخرى للحصول على الفيزا ونختمها على الباسبور! طب ما كان من الأول!! الأغرب من ذلك أنه تم طلب رسوم أخرى فى السفارة غير التى دفعتها أون لاين!!

و بدأت المغامرة

هذه الأجواء بثت القلق فى قلبى، لكن على الطرف الآخر من إحساسى، كان هناك خيط آخر يجذبنى هو «الفضول»، الرغبة فى اكتشاف هذا الجزء المهم من العالم «أفريقيا» فرغم أننا من نفس القارة، وننتمى إليها جغرافيا، إلا أننا أبعد ما نكون عنها ثقافيا، واقتصاديا، وسياسيا.

قررت أن أشد الرحال إلى أفريقيا لأكون جزءاً من حدث مهم نظمته المنظمة الدولية العريقة فى الإبداع الاجتماعى «أشوكا» وبالتحديد مكتبها الإقليمى بمصر وتقوده دينامو العمل الأهلى الدكتورة إيمان بيبرس، بالتعاون من «أشوكا أفريكا» أو المكتب الإقليمى التابع للمنظمة فى نيجيريا وتقوده جوستين باقتدار، وهى فى الأصل زميلة من زملاء أشوكا.

الاجتماع أو ورشة العمل الذى اجتمع فيه خمسة عشر من زملاء أشوكا من أربع دول هى مصر، المغرب، نيجيريا، جنوب إفريقيا يهدف إلى وضع بذور للتعاون المشترك بين أصحاب المبادرات الإنسانية الرائدة فى الوطن العربى، وبين نظرائهم فى الدول الأفريقية المشاركة.

استمعنا خلال أربعة أيام إلى مبادرات وحلول لمشاكل اجتماعية واقتصادية وإنسانية تصلح لأن تكون ميثاق عمل عربيا إفريقيا، ورأيت بشرا أحبهم، وأفتخر بكونى واحدة منهم، شخصيات مهمومة بمشاكل الآخرين أكثر من اهتمامها بمشاكلها الشخصية. بشر جادون، متحمسون لفعل شيء أو أشياء مهمة فى الحياة. بشر يملؤهم جمال من نوع خاص، تفيض قلوبهم بالإنسانية، وحب الخير للبشر، كل البشر.

لذلك، ورغم كل مصاعب الرحلة، أشعر الآن أننى كسبت ولم أخسر بإصرارى على القيام بهذه المغامرة الرائعة، كسبت زملاء لهم بشرة سمراء وقلوب ناصعة البياض، تبادلنا الأفكار، الهموم، الحلول، والرؤى، وخرجنا بحصيلة رائعة من الطاقة الإيجابية التى تحرك الكون كله إلى ما فيه الخير والتقدم.
أما متاعب الرحلة فهى باختصار طول المسافة بين مصر ونيجيريا (6 ساعات وربع) مباشر على مصر للطيران، سوء الأحوال فى مطار نيجيريا (فوضى فظيعة - لا يوجد تكييف هواء والجو كان شديد الحرارة حيث إنه فصل الصيف الآن فى نيجيريا. المطبات الهوائية القوية جدا أنهكتنى فعلا).

كارثة السكان فى نيجيريا

عدد السكان لديهم كارثة حقيقية (213 مليون نسمة) يعيشون على مساحة أرض قدرها (923 كيلو مترا مربعا) أى أقل قليلا من مساحة مصر (مليون متر مربع). قالت لى جينيفر وهى زميلة نيجيرية صاحبة موقع إليكترونى مخصص للشباب، أن الشباب يائس، وينتظر أى فرصة للهجرة رغم أننا نملك بترولا كثيرا، يمكن أن يكون مصدرا للدخل القومى، إلا أننا لا نستفيد منه، بل يستفيد به الغرب الذى يشتريه مادة خام بسعر زهيد، ويعيده إلينا كمنتجات بترول بعد تصنيعه بأسعار باهظة. عندنا انتخابات فى الخامس والعشرين من فبراير لانتخاب رئيس جديد، والقضية الأولى التى يطالب بها النيجيريون من المرشحين لمنصب الرئاسة هى مواجهة الفساد الذى ينخر فى جسد الوطن، ويدمره.

من المشاكل الاجتماعية الخطيرة هناك زيادة ظاهرة زواج الأطفال وربما هذا ما أدى إلى الارتفاع الخرافى فى عدد السكان، أما العملة النيجيرية فهى «النيرا» وهى لا قيمة لها تقريبا، حيث الدولار الواحد يساوى أربعمائة وخمسين نيرا!!

هذه باختصار رءوس أقلام أو عناوين رئيسية لرحلتى إلى نيجيريا، وسوف أتحدث فى يوميات قادمة عن أهم المشروعات الإنسانية والأفكار البراقة التى تشاركنا فى صنعها معا خلال تلك الأيام القليلة فى عددها، الثمينة فى حصادها. وأجمل ختام لها كان الصورة الجماعية التى حرصنا على التقاطها لنا جميعا ونحن نهتف بصوت عالٍ ونرفع أيادينا إلى أعلى بحماس «نحن أفريكان» «we are African..Ahoh».

فيديو حبس الأنفاس

يلتقط الأسد عن بعد مشهدا لفريسة مغرية، دب صغير يركض فى الأدغال، يطلق فى لحظة أقدامه الأربعة للرياح بسرعة فائقة فى اتجاه الدب الصغير، يتحول جسده الضخم إلى كتلة خفيفة، ويصبح كالغزالة ذات الخطوات الرشيقة، والعدو السريع، يراه الصغير فيرتعب خوفا، يركض بأقصى سرعة ممكنة، يمر فوق غصن شجرة رفيع، ممتد، وتحته بحيرة، يحاول التوازن فهو لا يعرف العوم، لكنه يسقط، بينما يتبادل هو وملك الغابة نظرات القوة والضعف، الانقضاض والهروب، التوحش والتوسل.

يخبط المياه بأقدامه حتى يصل إلى الشاطئ حيث يجد الأسد فى انتظاره، يغرز أنيابه داخل رقبته فى بغتة، فيصرخ الدب الصغير صرخة مدوية. تنحبس أنفاسنا نحن المشاهدين ونحن نترقب الهجوم الكامل حيث يفترس الأسد الملك الدب الصغير المسكين، لكننا نرى الأسد يتراجع فجأة، ويولى وجهه عائدا من حيث أتى، تتحرك الكاميرا قليلا إلى الوراء فنرى الدبة الكبيرة، الأم تقف على مرمى البصر من صغيرها، هنا فقط نعرف أن ظهور الدبة الكبيرة أخاف الأسد، فولى أدباره هاربا.

هذه هى أحداث الفيلم الأشهر على اليوتيوب، والذى اشترته قناة ناشيونال جيوجرافيك بمليون دولار، وحقق أعلى نسبة مشاهدة فى العالم، الفيلم مدته ثلاث دقائق وتسع عشرة ثانية، لكنه يحمل رسائل إنسانية عميقة، ومؤثرة، أهمها أن الأم أو الأب، والأفضل أن يكون كلاهما معا هما السند الحقيقى للإنسان، وأن الإنسان الأعزل غالبا ما يكون ضعيفا ومهزوما. فيلم يستحق جائزة الأوسكار للأفلام الوثائقية القصيرة جدا إن وجدت.

مزرعة الحيوان

حسب نظرية التداعى الحر، ذكرنى فيديو الأسد والدب برائعة الكاتب البريطانى العالمى جورج أورويل «مزرعة الحيوان» فأعدت قراءة هذا الكتاب الفذ، وكم كانت متعتى وأنا أتأمل مستر جونز صاحب «مزرعة مانور» الرجل العجوز الذى كان يقيم فى قصره وسط حيوانات مزرعته، لكن الحيوانات تذمرت من استغلاله لها، ومعاملته القاسية لهم، فانقلبوا عليه، ودبروا خطة للاستيلاء على المزرعة وطرده منها، ونجحوا بالفعل فى ذلك، تدور أحداث الرواية بعد ذلك بين الحيوانات المختلفة، والصراعات التى نشأت بينهم، كل يحاول انتزاع السلطة المطلقة لنفسه، وإقصاء الآخر. كم من المؤامرات والمفاجآت تصدر من الخنزيرين سنوبول، نابليون وهما أذكى حيوانات المزرعة التى تحول اسمها إلى «مزرعة الحيوان» بعدما استولى عليها الحيوانات.

ودهاء العنزة موريل ودلعها، وشقاء الحمار بنيامين، وكفاح الكلبين كلوفر وبوكسر، وخبث وانتهازية المهرة مولى. لن أكشف الأحداث المثيرة أكثر حتى تستمتعوا بهذا العمل الأدبى المذهل فى جماله، الممتع فى تشويقه وأسلوبه.

«مزرعة الحيوان» صنفت كواحدة من أفضل روايات القرن العشرين، وكذلك فى قائمة الروايات الأفضل فى التاريخ.

معرض الكتاب

يفتح معرض القاهرة الدولى للكتاب رقم 54 أبوابه صباح غد للجمهور. ويبدأ العرس الثقافى الذى يستمر على مدى عشرة أيام متواصلة، فرصة رائعة للاحتفاء بقيمة الثقافة والقراءة والمعرفة من خلال مطالعة أحدث عناوين الكتب، والتعرف على الصور المختلفة لنشر المحتوى سواء الكتاب المقروء أو المسموع أو المرئى، مع ثورة التكنولوجيا تغير كل شيء حتى أسلوب القراءة وعاداتها. ندوات المعرض سوف تكون مساحة للحوار حيث يجتمع الكتاب والقراء وجها لوجه ويتبادلون الرؤى والأفكار والآراء. الأمسيات الفنية من موسيقى ومسرح وعروض فنية ستكون نافذة للترفيه والمتعة الفكرية والروحية.

وفى أرض المعارض الجديدة بالتجمع الخامس يضاف إلى كل ذلك البراح الذى توفره المساحات الممتدة بعيدا عن زحام القاهرة وضجيجها، مساحة للتنفس براحة، والتأمل بعمق لكل منتجات الفكر والإبداع فى مصرنا الحبيبة وكافة الأقطار العربية والأجنبية المشاركة فى المعرض.

أنا شخصيا ومنذ طفولتى مرتبطة بمعرض الكتاب، أفرح بقدومه كعيد حقيقى، يضيء فى قلبى شمعة بل شموعا عديدة للفكر، الإبداع. الفن والأدب. أتمنى أن تقضوا جميعا مع أولادكم يوما أو أكثر فى معرض الكتاب، والجميل أنهم فى إجازة نصف السنة الآن.

علموهم أن الكتاب متعة وفسحة. ترفيه وتثقيف. وازرعوا فيهم هذا الارتباط الجميل بحدث يستحق أن نستعد له بكل الحب والحماس، ونستعيد خلاله أشياء تاهت منا جميعا فى زحمة الحياة. كل سنة ونحن جميعا قارئون.

رئيسة جامعة كولومبيا

شيء مشرف فعلا أن تجد اسم مصرية، مسقط رأسها الإسكندرية، يتلألأ فى سماء العالمية، وتتقلد أرفع المناصب. خبر يفرح أن تعلن جامعة كولومبيا تعيين الدكتورة نعمت شفيق رئيسة لها. إنها الجامعة الشهيرة التى تخرج فيها أكبر عدد من الحائزين على جائزة نوبل فى العلوم، أكثر من أى جامعة أمريكية أخرى، ستكون نعمت، أو «مينوش» وهو الاسم المعروفة به الآن، أول سيدة  تتولى هذا المنصب المرموق فى تاريخ الجامعة العريقة. صحيح أن الدكتورة نعمت حاصلة على الجنسيتين البريطانية، والأمريكية، لكنها تعتز دائما بكونها مصرية الأصل.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة