محمد أبوالفضل بدران
محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

هاري ومذكراته الفاضحة

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 25 يناير 2023 - 07:05 م

ينبغى أن يكون من صلاحيات المنظومة محاسبة الظالم الذى بخس حق هذا المواطن سنوات حتى لا يكرر فعلته مرة أخرى

صندوق المظاليم
آلاف الشكاوى يتقدم بها المواطنون إلى منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، ففى شهر ديسمبر فقط تلقت 115 ألف شكوى وطلب استغاثة، وهذا رقم كبير ويدل على وجود ظلم مستشر لبعض الناس وأنهم يلجأون إلى هذه المنظومة التى تأخذ الأمور بجدية فترسلها إلى جهات الاختصاص وغالبا تحل المشكلة لصالح الشاكى المظلوم، وهذا اتجاه حميد فى دولتنا لأن إنصاف المظلوم والمستجير بها من ظالمه يُحدِث الرضا المجتمعى ويزيد من الانتماء فشكرا للقائمين على هذه المنظومة التى ترسل وتتابع مراحلها بصفة دورية حتى يتحقق العدل، لكن تزايد الأعداد مؤرِق وينبغى أن نتوقف أمامه محلّلين أسبابه وطرق علاجه؛

كما يتطلب أن تتابع نتيجة الشكوى وإذا كان الشاكى صاحب حق يجب أن نحاسب من تسبَّب فى ظلمه؛ فإرجاع الحق لصاحبه مقدس ومحاسبة الظالم عدل؛ هبْ أن مديرا تجاوز سلطاته وانحرف بها وظلم وتجبّر سنوات حتى اضطر المواطن إلى الشكوى لأخذ حقه؛ هنا ينبغى أن يكون من صلاحيات المنظومة محاسبة الظالم الذى بخس حق هذا المواطن سنوات حتى لا يكرر فعلته مرة أخرى، وحتى يرتدع أمثاله عندما يعرفون ما حلّ بهذا المدير الظالم، وأن نبحث عن إرضاء المظلوم ومنحه تعويضا يدفعه الظالم؛ هناك موظفون مظلومون يتجرعون مرارة الظلم الإدارى وأصيب بعضهم بأمراض نفسية ينبغى أن نقتص من ظالميهم؛ كما أن قياس رضا المتعاملين مع إدارات الدولة يجب أن يُفعّل حتى نعرف نسبة الرضا على القائمين بهذه المؤسسة وما أسباب عدم الرضا إن وُجِد ومحاسبة المسئولين إن كان هنالك تقصير أو تحيز أو تهاون أو مجاملة الغير، وأن يكون الحساب رادعا؛ أنصفوا المظلوم وحاسبوا الظالم.  

آراء لتعديل الديمقراطية


على غرار ما حدث من اقتحام فى مبنى الكونجرس الأمريكى اقتحم المتظاهرون فى البرازيل مبنى البرلمان والدافع عند كلا الطرفين واحد وهو هزيمة مرشحهم بفارق ضئيل عن الفائز، ولذا حينما تدبرتُ الأمر وجدتُ أن الحل يكمن فى توزيع فترة البقاء فى السلطة على أعلى مرشحيْن بنسبة فوزهما، فإذا كانت الفترة الرئاسية أربع سنوات وحصل المرشح الأعلى على 51% فقط يتولى الرئاسة لعامين وعدة شهور ويتولى المرشح الآخر ما تبقَّى من العاميْن المتبقييْن من الفترة الكلية، وبذلك لا نخذل هذه الجماهير التى انتخبتْ وتعبتْ ووهبتْ أصواتها التى ضاعت لأن 1% فوق الخمسين فى المائة انحاز لمرشح دون آخر فرأوه إخفاقا لنصف الناخبين تقريبا، وعندما نترجم هذه الأرقام قياسا بأعداد الأصوات الانتخابية فسنجدها بالملايين، ربما لو عدّلتْ الدول دساتيرها على هذا النحو لنجتْ ديمقراطيتُها من الضياع ونجت أبنية برلماناتها من التحطيم والتحريق، فما رأيكم فى هذا الحل الذى سيرضى الجميع وستحس كل الجموع أنها فائزة لأنه لن يكون هناك خاسر؟ 

العَتاقى والبيضة البيّاضة


مع انفلونزا الطيور فى الأعوام الماضية أُعدمت كميات كبيرة من الطيور بالقرى فضاعت أو كادت أن تختفى طيور مصرية عريقة مثل «العتاقى» [جمْع عِتقية وهى الفروجة البلدى الأصيلة] و«صدر العريان» [فروج بلدى لا ينبت الريش على رقبته وحوصلته] لتحل محلها الفروجة «البيضهْ البيَّاضهْ اللى بتلعب رياضهْ» على رأى بائعها فى ميكرفونه المُقلق الذى تخفف كلماتُه المسجوعة وَقْعَ صوته؛ شتان بين مذاق الديوك البلدى والفروجة البيضاء، كنتَ ترى السمن الطبيعى فى مرقة الدجاج بدون مكسبات مذاق أو لون، كل شيء كان طبيعيا، كان الفروج يأكل الحبوب غير المرشوشة كيميائيا ويجرى فى البيوت والحقول الواسعة لذا كان المذاق مختلفا، فى سوبر ماركت بميونيخ لحظتُ ثمَنيْن مختلفيْن للبيْض المتشابه شكلا وحجما فسألتُ البائعة عن السبب فأجابتنى: البيض الأغلى من دجاج يُنقَل فى شاحنات متسعة أقفاصها مساحةً بحيث يتحرك الفروج فى أقفاصه ويتمطَّى، أما الأرخص فهو الذى يُحشَر فى أقفاص ضيقة، ونحن نود أن نشجع التجار الذين يتركون مساحة حركة للفرّوج فنعطيهم ثمنا أغلى لكن المذاق واحد للبيضتيْن..

وتذكرت كيف كان الدجاج فى القرية يقوده ديك أحمر ويمشى سرب الدجاج ويلعب وينمو براحته وليس فى أربعين يوما... هل هذا حنين إلى الماضى، ربما،  لكن بنظرة عقلانية كان المذاق جميلا، وكان المنظر خلابا؛ فهل نعيد سلالات فروجنا القديمة للقرى ونشجعهم على تربيتها لكى نرى من جديد الفروج البلدى والحَمَام البلدى والبط والإوز و«المليط» (الرومى) حتى نخفف من غلاء اللحوم وتعود القرية المنتجة؟  

هارى ومذكراته الفاضحة


ملايين النسخ بيعت فى أول أيام طرح مذكرات الأمير هارى (البديل) فى المكتبات، طوابير القراء الشارين امتد أمام أسواق الكتب وهذا يؤكد أن الكتاب الورقى ما يزال له قراؤه وعُشّاقه، وقد أجرى معى الإعلامى المثقف الأستاذ عبد العالى النملى فى برنامجه الرائد “فكر وفن” بقناة إسكاى نيوز حوارا حول أدب السيرة الذاتية وهل إذا كتب الشخص سيرته الذاتية بنفسه أفضل أو لو عَهِدَ بها لكاتب متخصص فى كتابة السير الغيرية، أيهما أكثر قدرة على الكتابة؟ وقد أوضحتُ أنَّ مَن يكتب سيرته بقلمه أفضل لأنه عاشها وهذا يختلف تماما عن الكاتب المأجور، وقديما قالوا «ليست النائحة الثكْلى كالنائحة المستأجرة» لكن هذا لن يكون سهلا على كاتب السيرة الذاتية سواء أكان أديبا أم إعلاميا أم فنانا أم لاعبا أم سياسيا لأنه يقع فى إشكاليات عدة: أولاها: هل سيتذكر الحدث بعينيْ الطفل الذى كانَه أو بعينيْ الحكيم المُسِنّ الذى يكونه؟ هل سيحكى كل ما حدث أو سيخبئ ما يعيبه ويضر بسمعته؟ وربما لديه من الأسرار ما يضر ببعض الناس، هل سيفشيها؟ بمعنى أن السيرة الذاتية ستتحول إلى سيرة انتقائية وليست موضوعية !


الروائى الكبير محمد خليل قاسم  يحكى «كم أغرقُ الآن فى الضحك لأنى عندما كنتُ طفلا بتُّ ليلة كاملة أبكى بسبب...» ويسرد موقفا صغيرا حدث مع طفلة فى سِنه آنذاك.. الكبير يضحك على موقف أبكى الصغيرَ الذى كانه ليلة كاملة.. ترى كيف سيدوّنه فى سيرته الذاتية ضاحكا أم باكيا؟ الإشكالية الأخرى أنه قد اشتُهر الآن فكيف يهدّ هذا المجد الذى وصل إليه لو حكى بعض أسراره المخجلة؟

الأمير هارى يود أن ينتقم من أخيه وأبيه وامرأة أبيه والعائلة المالكة التى يشك أنها قتلت أمه فأوسعهم تعريةَ بإفشاء بعض أسرار العائلة لإظهار زيف هذه الصورة المحافظة الجميلة، إنّ شبح أمه ديانا يطارده، يشكك فى تحقيق الشرطة ليلة مقتلها فيحاكى بسيارته مسار سيارة أمه فى النفق القاتل، يحكى عن أخيه الذى ضربه، وعن.. عن.... يضع التوابل الحارقة التى تفتح شهية القراء المفتونين بغرائب العائلة المالكة وجنون هارى، هنا يتحول الأمر إلى سيرة انتقامية كما فعل الكاتب المغربى محمد شكرى فى «الخبز الحافى»..

أعود إلى السير الذاتية التى تُكتب إما لتعليم الأجيال أو لأن إلهاما أتاه فأمره بالكتابة كما يقول أو تأتى تبريرا عن أحداث فى حياته أو جلبا للشهرة أو طمعا فى المال أو... وقد وقع عدد من الكُتاب العرب عند كتابة سِيرهم الذاتية فى «الأنا العليا» فهو الأشهر والأذكى والأعلم والأفهم والأول فى كل شيء لذا يمتلك صِيَغ الأفضل وكأنه الأعظم فى التاريخ وهذه آفة السّير الذاتية لكنها أقل ضررا من السير الغيْرية لأن مؤلفها يكتبها بعيدا عن الشخصية وكأنه المؤرخ والراوى العليم، ربما يكون أكثر بلاغة فى أسلوبه لكنها ستكون أقل تأثيرا فى المتلقى من الكاتب نفسه... سيبيع هارى ملايين النسخ وهذا جيد ليعود الكتاب الورقى إلى عرشه وهذه فائدة كبيرة... كما أننا فى حاجة لنُقّاد يحللون نقديا الكتابات الأدبية الجديدة لشبابنا فى مدوناتهم المنشورة بالنت، ربما تتحول اليوميات والمدونات إلى سيرة ذاتية يوما ما ولِم لا.. أَلمْ يكتب الرحّالة يومياتهم فصارت ديوان الذات وعيون الناس.. حاولْ أن تكتب سيرتَك الذاتية... حاولْ...حاولْ.

من أقوال الحلاج:
اللَهُ يَعلمُ ما فى النَفسِ جارِحَةٌ
إِلّا وَذِكرُكَ فيها قَبلَ ما فيها
وَلا تَنَفَّستُ إِلّا كُنتَ فى نَفَسى
تَجرى بِكَ الروحُ مِنّى فى مَجاريها

فى النهايات تتجلى البدايات
أحِبَّائى .. أُودِّعُكمْ 
وأعلمُ أننى نبتٌ تغذَّتْ منهُ طينتَكمْ.
أودعكم لأن سماءنا بخلتْ بماء المزْن كى تُروى حدائقُكمْ..
وأنّ الأرض قد ضنّتْ بطينتها عن الإنسانِ مَنبتِكمْ 
وأن فضاءنا رحبٌ، ولكنْ ضاقَ يا صحْبى بشاعركمْ !
أودعكمْ..
وقلبى فى دُجى الليلِ يكسّر سُورَه الصدرى،
يسرقُ من دمى كُلى..
يضخّ دمى فينبتُ فى مزارعكمْ !
ويفنى الجسمُ أنساماً تُقَبّلكمْ..
أودعكمْ..
ولكنِّى إذا متُّ  ستأتى الروحُ من قبرى 
ترفرف فى زهوركمُ.
وظِلّى.. آهِ لو يمتدّ، يسجدُ فوقَ أرضِكمُ 
أحبكمُ..
وأُقسمُ أنّهُ ما مرَّ يومٌ دونَ ذِكْركمُ 
وإن أبصرتُ مِرآتى رأيتُكُمُ !
أنا قد عشتُ مِن أجْلى.. 
وأجْلى عاشَ - يا صحْبى - لأجْلِكمُ !!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة