مارجريت ماري أليبرت قاتلة علي بك فهمي
مارجريت ماري أليبرت قاتلة علي بك فهمي


حكايات| الأميرة فهمي.. «فتاة ليل وأميرة وقاتلة.. أخذت ورثها بأمر من الملك فؤاد» |صور وفيديو

أحمد الشريف

الجمعة، 27 يناير 2023 - 05:52 م

بوجه واثق العينين، وشعر غارق في اللون البني ينسدل من فوق كتفيها، وصوت عذب كتغريد البلابل وقت الربيع، كانت تسير الفتاة البارسية مارجريت ماري أليبرت بقوام معتدل لا نقص فيه ولا زيادة، كأنها من الأميرات تخطو بين صفوف المارة بمنتهى الرشاقة كأنها فراشة تمرح في حديقة، جمالها كان أخاذا كأنها قصيدة شاعر أو رواية أديب رغم صغر سنها..

مدام دينارت مالكة بيت دعارة من الدرجة العالية في العاصمة الفرنسية، تلك البيوت التي لا تستقبل سوى علية القوم والأغنياء، لفتت انتباها مارجريت، وأدركت أنها أجمل وأذكى من معظم المحظيات التي يعملن لديها، ومن هنا خطت الفتاة صاحبة الـ 16 عاما خطوات ستغير حياتها المليئة بالأحداث والعجائب، خطوات ستخلد أسمها على جدار التاريخ في باريس والقاهرة سويا..

مارجريت، حملت الكثير من الأسماء، فمن مارجريت لوران مرورا بالأميرة فهمي إلى ماجي ميلر، أسماء حملت بين حروفها أحداثا مثيرة من تحول الفتاة البارسية من عاهرة إلى أميرة وقرينة للملوك انتهاءً بمتهمة في جريمة قتل زوجها الأمير المصري علي بك فهمي.

ولدت مارجريت ماري أليبرت في 9 ديسمبر من عام 1890م، وهي الابنة الكبرى لزوجين فقراء حيث كان يعمل الأب سائسا والأم مدبرة منزل في بيوت بعض النبلاء، وبسبب طبيعة عمل والديها أصبح لديها تصور عن طبيعة حياة الطبقة النبيلة في باريس، فنشأت وهي مولعة بتلك الأجواء المخملية لقصور الطبقة الراقية، وتعدى طموحها مجرد التواجد في تلك القصور كخادمة مثل والدتها إلى أن تكون جزءا من تلك الطبقة.

الثراء من باب الدعارة
مارجريت كانت مصممة على الهروب من الفقر والعيش في الحياة الراقية التي تطمح للوصول إليها، ومن باب الدعارة وجدت الفتاة المراهقة ضالتها، وبدأت العمل كفتاة ليل في الشوارع، وتطورت لاحقا من خلال مدام دينارت وبدأت في جذب الرجال من خلال عروضها الغنائية في الحانات المحلية لتعود إلى المنزل محملة بالغنائم والأموال.

أقامت الحسناء البارسية أول علاقة رومانسية لها مع تاجر نبيذ متزوج وثري يبلغ من العمر 40 عامًا، يسمى أندريه ميلر وذلك في عام 1907م، وسرعان ما وقع التاجر الثري في حبها وخصص لها اسمه الأخير ميلر رغم أنهما لم يتزوجا، ولكن في عام 1913م انتهت علاقتهما وربحت مارجريت من وراء ذلك 200 ألف فرنك، لتخرج من تلك العلاقة ثرية كما لم تكن من قبل، ولكن ذلك لم يكن كافيا!.

من غانية إلى أميرة
عاشت مارجريت لفترة طويلة تمارس البغاء والدعارة ولكن حلم أن تصبح سيدة راقية وثرية يراودها، وبمرور الوقت بدأت تبحث عن علاقات تستفيد منها ويمكن أن تستغلها، وجائتها الفرصة حينما كانت العائلة المالكة البريطانية تبحث عن مومس ذات خبرة لتعريف الأمير إدوارد - الملك المستقبلي إدوارد الثامن - طرق العشق والعلاقات الجنسية، وكان ذلك في عام 1917م، وحينها كان إدوارد - إيرل ويلز آنذاك - ضابطا في حرس جرينادير في الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى.

ورغم أن الأمير إداورد كان زير نساء، ولكن ما أن تم ترتيب لقاء رسمي بين الاثنين من قبل أصدقاء إدوارد الارستقراطيين، افتتن على الفور بمارجريت التي وجدت فيه أول علاقة ملكية لها وأول طريق نحو الرقي والثراء معا. وأخذ إدوارد يزور عشيقته الجديد سرا كلما سنحت له الفرصة في ظل واجباته الحربية مع استمرار طبول الحرب، ولكن ذلك لم يمنعه من إرسال حوالي 20 رسالة مفعمة بمشاعر الحب أثناء وجوده في الخدمة، كما ذكر لها معلومات عن الوضع في الجبهة مع تعليقات ساخرة ومهينة لوالده الملك جورج الخامس، وهي أمور كان حريا بها أن تدمر مستقبل إداورد كوريث للعرش في حال كشفها.

وبعد علاقة غرامية استمرت لمدة عام، فقد إدوارد اهتمامه بعشيقته وتحول نحو امرأة أخرى متزوجة، وعندما شعرت مارجريت بأن الأمير ينوي تركها استخدمت رسائله لابتزازه مقابل مبالغ طائلة من المال، لكن بعد فترة قررت التوقف مع الاحتفاظ برسائل الابتزاز للاستفادة منها في وقت لاحق لأنها وجدت هدفا جديدا سيحقق لها غايتها من الرقي وهو الشاب الثري تشارلز لوران والذي كان ضابطا في سلاح الجو الفرنسي. وسرعان ما تزوجت مارجريت منه كأول زوج رسمي وذلك في عام 1919م، لكن زواجهما لم يدم سوى 6 أشهر وحصلت من وراء الطلاق على تسوية مالية هائلة.

وبعد أعوام من الارتماء في أحضان الرجال الأثرياء، أصبحت مارجريت أخيرا امرأة مستقلة وراقية وذلك بعد أن وصلت إلى سن الـ 30 وامتلكت مكانا فخًا في شارع هنري مارتين، وهو إسطبل به 10 خيول وخدم وسيارتين ليموزين. وأمام العالم الخارجي اختبأت مارجريت خلف واجهة سيدة عادية من الطبقة الراقية؛ ولكنها استمرت في سعيها للحصول على زوج ثري جديد.

الغانية والبرنس المصري 
ومن القاهرة بدأت حياة مارجريت تأخذ منحنى جديدا، وخلال رحلتها إلى مصر في عام 1921 أثناء مرافقتها لرجل أعمال كمحظية، قابلت الشاب علي كامل فهمي بك، وهو ارستقراطي مصري ورث ثروة هائلة عن والده متوج بلقب البكوية، والذي سقط صريعا في حب الحسناء الفرنسية، وبدأ في مطاردتها بباريس، واتقنت هي نسج حبالها حوله وسيطرت عليه سيطرة كاملة.

ولم ينتظر علي بك فهمي حتى يتعرف على مارجريت، فقد خلبته بعينيها الساحرتين، وتزوجها زواجا مدنيا بباريس في ديسمبر من نفس العام، قبل أن يحولها إلى الإسلام ويعطيها اسم منيرة، وهو اسم والدته، بعدها قام الثري المصري ببناء قصر في الزمالك لزوجته بلغت قيمته آن ذاك حوالي 120 ألف جنيه وهو مبلغ خرافي في ذلك الوقت، والذي يعرف في وقتنا الحالي بقصر عائشة فهمي.

رصاصات النهاية
أخذ علي بك فهمي ينفق ببذخ على مارجريت لدرجة أن جريدة الأهرام نشرت في عدد لها في حينها بأنه أنفق عليها ما يصل إلى مليون جنيه، كانت في صور ملابس وجواهر. ورغم كل هذا الهوس والحب والمال الذي أنفق عليها إلا أن السيدة الفرنسية لم تتقبل الحياة الشرقية بعاداتها وتقاليدها ولم تتعايش مع غيرة زوجها، وتاقت نفسها إلى الحفلات الصاخبة، والرقص، والشرب. فاستحالت العلاقة بينهما حتى أتت النهاية في صورة ثلاثة رصاصات.

أعطوا فرصة أخيرة لعلاقتهما من خلال أن يقضيا إجازة في العاصمة البريطانية لندن، وبعد عودتهما من مشاهدة مسرحية he Merry Widow أو الأرملة الطروب، وما أن صعدا إلى غرفتهما في فندق سافوي، طلبت منه السفر إلى باريس لترى ابنتها غير الشرعية البالغة من العمر 15 عامًا، وتقوم بإجراء عملية جراحية، رفض علي بك فهمي طلبها، مما أدى إلى شجار عنيف بينهما انتهى بمسدس في يد مارجريت أطلقت منه 3 رصاصات أودت بحياته.

على الفور اكتشفت الجريمة وتم أخذ مارجريت إلى السجن ومن ثم إلى المحكمة. ولكن وبحسب الدكتور والمؤرخ المصري الشهير يونان لبيب رزق، فإن مارجريت استطاعت أن تدير المحاكمة بذكاء بالغ.

صراع الحضارات.. تفاصيل الحادث
وفي كتابه «مأساة مدام فهمى حكايات من دفتر الوطن»، يحكي الكاتب صلاح عيسى، تفاصيل هذا الحادث المروع، ويقول: «في منتصف ليل الـ 10 من يوليو لعام 1923م، أطلقت الأميرة «مارجريت فهمي» النار على زوجها الأمير المصري «علي بك فهمي» فأردته قتيلا، وكان هذا الحادث هو ذروة قصة حب فاجعة، جمعت بين غانية فرنسية ومليونير مصري شاب يصغرها بعشر سنوات. ولم يجد دفاع القاتلة الذي تولاه «سير مارشال هول» ألمع المحامين البريطانيين في عصره، وسيلة لإنقاذها من المقصلة إلا بوضع الحضارة العربية الإسلامية في قفص الاتهام، باعتبارها حضارة بدائية ومتخلفة يعاني المنتمون إليها من عقدة نقص دفعت «علي فهمي» للشعور بالدونية تجاه زوجته التي تنتمي للحضارة الأوروبية المتقدمة والمتفوقة، فعاملها كما لو كانت جارية، واضطرها، دفاعا عن نفسها، لإطلاق الرصاص عليه. وجاء الحكم صادما ببراء مارجريت، فاندفع المثقفون المصريون إلى حلبة الصراع بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية. 

وجاء من ضمن افتتاحية المحامي البريطاني السير مارشال هول، في المحاكمة: «نحن أيها السادة القضاة أمام امرأة غربية اقتيدت بحيلة شرقية ماكرة من قلب الحضارة إلى ظلام الصحراء، لتقضي شهر العسل بين وحوشها وزواحفها، وتحولت لامرأة مذعورة، اطلقت الرصاصات على ذئب بري كان يريد أن يفترسها. فالجريمة هنا دفاع عن النفس، أو قتلا خطأ».

انحاز البريطانيون والفرنسيون لمارجريت، وأدى ذلك إلى أن تحكم المحكمة ببرائتها، لأنها كانت ضحية عنف زوج همجي، وانقلبت إلى ضحية تتهافت الصحف على إجراء لقاءات صحفية معها. والحقيقة أن مارجريت لم تكتفي بأخذ البراءة، ولكنها طالبت أيضا بميراثها من زوجها الذي قتلته!.

ورث بأمر ملكي
قضية الميراث، عُرضت على المحكمة العليا الشرعية برئاسة الشيخ طه حبيب، ولكنه رفض أن يقضي ببراءة القاتلة لأنها أوروبية والقتيل مصري، والمحكمة المصرية لن تمتثل لهذا الحكم، ورفض الطلب.

وبسبب الضغوط السياسية، قرر الملك فؤاد أن يعطي لمارجريت ربع التركة، وقام بكل ما بوسعه لذلك ارضاءا للمندوب السامي البريطاني، ولكن الشيخ حبيب لم يقبل. فقام الملك فؤاد بعزله من القضاء.

حياة الغانية.. مادة للدراما
قصة علي بك فهمي ومارجريت ميلر أصبحت قضية رأي عام، بل ومادة للدراما أيضا، وصارت المأساة موضوعًا لمسرحيات وأفلام سينمائية وروايات مصرية وعالمية، فتقرأ أسماء عبدالسلام النابلسي، ماري كويني، ومنير فهمي أبطال فيلم «وخز الضمير»، أحد 3 أفلام أنتجت فى عام واحد عن الأمر نفسه. وكذلك أبطال الصف الأول في ذلك الوقت، يوسف وهبي، أمينة رزق، حسين رياض، ومحمود المليجي».

وأنتج الفنان الكبير يوسف بك وهبي مسريحة تروي تلك القصة، ظهر فيها علي بك فهمي مظلوما، ومارجريت قاتلة. وصنع من أحداث المسرحية فيلم هو «أولاد ذوات»، وكان هذا الفيلم سببا من أسباب طلاق يوسف بك وهبي من زوجته عائشة فهمي، والتي كانت شقيقة علي بك فهمي.

بحسب الكاتب صلاح عيسى فإنه في عام 1971 نشرت جريدة الفيجارو الفرنسية في عمود الوفيات بخط ضئيل إعلان يتضمن فيه وفارة البرنسيس فهمي بك، التي رحلت عن الدنيا، وتمت مراسم جنازتها في صمت إلى مثواها الأخير بمقابر مدينة نيولي الفرنسية.

وفي 2 يناير من عام 1971، نشرت جريدة الفيجارو الفرنسية في عمود الوفيات بخط ضئيل إعلان يتضمن وفاة مدام فهمي، لتطوي 48 عاما من الأحداث والإثارة منذ ظهورها على مسرح الحياة الاجتماعية، لتقام مراسم الجنازة وإجراءات الدفن في خصوصية تامة بمدافن ضاحية «نيولي» إحدى الضواحى الراقية للعاصمة الفرنسية باريس.


 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة