صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


ولا كل من ركب الحصان خيال.. حكاية لعبة «البرجاس» التى أصابت ثلاثة من أعيان مصر بالإفلاس

آخر ساعة

الجمعة، 27 يناير 2023 - 06:46 م

كتب: أحمد الجمَّال

كان ركوب الخيل فنا ورياضة شعبية فى مصر منذ زمن بعيد، ولا تزال لها أصداء حتى الآن خصوصا فى الأرياف وتحديدًا فى الصعيد، وقد امتزجت بالغناء الشعبى وبالعزف على آلة الربابة. وقبل نحو 74 عامًا نشرت «آخرساعة» تقريرًا عن «أدب الخيل» وكيف يجرى تدريبها على أداء الحركات والرقصات فى إطار فعاليات تشهد إقبالا جماهيريًا واسعًا، وفى السطور التالية نعيد نشر التقرير بتصرف محدود:

لعلك سمعت مرة شاعر الربابة وهو يعزف ويتمايل ويغنى: «أول ما نبدى اليوم نصلي على النبي، نبي عربي سيد ولد عدنان، ولا كل من لبس العمامة يزينها، ولا كل من ركب الحصان خيال».
ليالى العربان.. وأفراح العربان.. كانت حلقات يتفرجون فيها على لعبة «البرجاس».. يجرى الفارس الأول على حصانه، وإذا لحقه الثانى ألهب ظهره بعصا فى يده، ويجرى الثالث ليلحق بالثانى، وهكذا.. والمغلوب يعود دائمًا وقد حنى رأسه خجلًا.
ويقابله شاعر الربابة ساخرًا: «ولا كل من لبس العمامة يزينها، ولا كل من ركب الحصان خيال».

الفائز المغلوب!
وعرفت مصر أيضًا لعبة «البرجاس».. عرفتها من العربان المنتشرين فى الصحراء، وكان أول من تعلّق بها أعيان الريف، وهم وحدهم القادرون على امتلاك الخيول الأصيلة.

ولكن «البرجاس» انقلب فى الريف وعلى الأخص فى الصعيد إلى أداة للانتقام، وتتكررت حوادث وقوع الفرسان من فوق الخيل ووفاتهم، وكان المتهم الأول فى كل حادثة، ذلك الفارس الثانى الذى لا يكتفى بضرب الأول على ظهره!
وفى هذه الحالات، كان شاعر الربابة يقابل الفائز بنظرة اشمئزاز وهو يقول: «ولا كل من ركب الحصان خيال».

اقرأ أيضًا | الخيول المستنسخة.. اختراع صيني للمنافسة في رياضة الفروسية

أدب الخيل
ومنذ خمسة وأربعين عامًا، فى عام 1904، فكر اثنان من هواة الخيول فى تحويل رياضة «البرجاس» إلى رياضة أخرى أخف ضررًا.. اثنان من أعيان البحيرة هما المرحوم على بك أبوجازية وعبدالله بك الجيّار، فكرا فى هواية تعليم الخيل وتأديبها حتى تفعل كل ما يُقال لها.

وبدأ أبو مرة، زعيم قبيلة عربية فى البحيرة يدرب الخيل.. علمها أن تُسلِّم، وأن تركع، وأن تسير على خط مستقيم لا تحيد عنه. وانتشرت هواية تعليم الخيل من أسرة أبوجازية والجيار إلى جميع أنحاء القُطر، ثم استطاع أبو مرة أن يعلِّم الحصان كيف يحرك رجليه الخلفيتين على أنغام موسيقى الطبل البلدي، وكان حدثًا كبيرًا عندما أخذ الحصان يرقص ويتمايل على الأنغام.
ثم بعد ذلك برع من أسرة أبوجازية فرسان كثيرون، وفى العائلة الآن طفلٌ فى السادسة من عمره يستطيع أن يركب الحصان وحده ليرقص به.

نجوم لامعة
لقد شهد عالم الخيول المؤدبة أسماء لمعت وأخرى لا تزال لامعة.. «غندور» الذى عاش خمسة وعشرين عامًا، كان يتكلم، يسأله صاحبه فيجيب عن كل سؤال بنغمة مخصوصة يستطيع أى شخص أن يفهم مدلولها.

و«سيد الخيل» كسب خمس عشرة جائزة متوالية، وكان أجمل حصان فى مصر، و«الأرضاوى» هو الآخر عاش خمسة وعشرين عامًا، وكان يصعد وحده إلى ثالث دور ثم يطل من الشرفة ويعود، وكان إذا رقص على بساط وأراد أن يقضى حاجة زعق فيحضر الخادم وفى يده كيس خاص من الجلد.

ومن الأسماء التى لا تزال لامعة «مشهور»، وهو لا يدخل حلبة الرقص إذا أغضبه أحد، وإذا دخلها فإنه يحنى رأسه للجماهير ليحييها كما لو كان ممثـــلًا على المسرح. وهنــــــاك «ســــــــعدنى» الحصان المدلل الذى لا يرقص إلا إذا أكل السكر، و«مُسعد»، و«مصباح»، و«فايز»، و«عايدة».. كل واحد منها يستطيع أن يمر بين صفوف المتفرجين دون أن يحرِّك شعرة من ذيله.. ويملك فؤاد سراج الدين باشا فرسة سمينة تجيد الرقص.

الحصان المؤدب
وتجلس إلى سلامة أبو مرة وهو حفيد أبو مرة، أول من أدَّب الخيول. يقول سلامة إنه درَّب حوالى ألف حصان، لم يلمع منها سوى عدد بسيط، لافتًا إلى أن طعام الحصان يتكلف خمسين قرشًا فى اليوم الواحد: «قدح شعير فى الصباح وثلاثة فى العشاء.. والحصان المؤدَّب لا يتناول الغداء حتى لا تفسد صحته، ويتكلف سرج الحصان الواحد مائة وسبعين جنيهًا، وهو سرج مطعّم بالفضة المطلية بالذهب ومطرز بالترتر.

رياضة مكلفة
إن «أدب الخيل» رياضة لم تنافسها رياضة أخرى فى النفقات.. رياضة أدت بثلاثة من أعيان مصر إلى الإفلاس، وفى كل عام تنتقل أسرة أبوجازية إلى مولد دميانة فى «بلقاس» ليرقصوا على خيولهم عشرة أيام ينفقون فيها أكثر من خمسمائة جنيه.
(«آخرساعة» 13  أبريل 1949)

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة