صلاح جاهين
صلاح جاهين


جاهين.. فنان عمره ألف عام | فيلسوف العامية

أخبار النجوم

السبت، 28 يناير 2023 - 11:46 م

كتب: عمر السيد

عدد قليل من الفنانين الذين يمكن أن نعتبرهم موهوبين في أكثر من تخصص فني، وإذا تحدثنا عن هذه النقطة بالتأكيد يأتي على رأس القائمة صلاح جاهين، لأن موهبته تفرقت على أكثر من اتجاه “الصحافة، رسم الكاريكاتير، الشعر (فصحى وعامية)،  تأليف الأغنيات، كتابة السيناريو (مسرح – سينما – تليفزيون)”، لذلك تشعر أنك أمام فنان عاش لأكثر من ألف عام، فقدم إبداعات في كل هذه المجالات، وهو ما يذكرنا بجملة في رباعيته قال فيها: “أن شاب لكن عمري ألف عام”.. جاهين هو مبدع الرباعيات وشاعر الربيع ومؤلف “الليلة الكبيرة” التي تعتبر تجربة منفردة في مسيرة المسرح ومسرح العرائس تحديدا، أعماله متنوعة عبرت عن هموم المواطن المصري وفترات التحولات السياسية والاجتماعية في مصر، صاحب بصمة مهمة في كل تلك المجالات التي تألق فيها، صاحب واحدة من أصدق المقولات في تاريخ مصر الحديث عندما قال لعبدالحليم حافظ بعد هزيمة يونيو 1967: “إحنا جينا نغني للناس.. غنينا عليهم”.

يعتبر الشاعر الكبير صلاح جاهين واحدا من فرسان العصر الذهبي بين شعراء العامية، حيث شكلت أعماله وأشعاره الغنائية إمتدادا للمدرسة العامية في الشعر والأغنية المصرية، التي وضع دعائمها عباقرة الكلمة بيرم التونسي وفؤاد حداد.. ولكونه أحد تلاميذ وأبناء هذه المدرسة، استطاع جاهين بإنتاجه الضخم، أن يطور من أدائها وقوة تواجدها على الساحة خلال حياته، حتى أصبح واحدا من  أهم مطوريها، وذلك بفضل موهبته الفريدة ولغته الخاصة، إلى جانب حسه الشعبي الفكاهي، الذي مكنه من فرض أسلوبه، ومن ثم السيطرة على الأغنية كأحد أبرز كتابها، والتربع على عرشها طوال سنوات حياته، في فترة كانت بها الأغنية المصرية في أزهى عصورها .

قدم الشاعر الكبير صلاح جاهين على مدار مشواره الفني، إرثا هائلا من الأعمال الفنية والقصائد الشعرية والغنائية، والتي تزيد عن 161 قصيدة، أشهرها قصيدة “على اسم مصر”، التي جسد فيها معاني الحب تجاه مصر، وكذلك قصيدة “تراب دخان”، التي ألفها تفاعلا وتأثرا بأحداث نكسة يونيو 1967.

ولقد تعددت إسهامات جاهين وأعماله الغنائية في الشق الوطني، بتأليف العديد من الأغنيات والأشعار التي أرخت لثورة 23 يوليو، التي آمن بها، وحركت داخله صحوة الأمل في العمل، حتى أطلق عليه لقب “شاعر الثورة”، كونه كان أكثر الشعراء بهذه الحقبة تفاعلا مع أحداثها نصرا وإنكسارا، ولقد شكلت أعماله الوطنية - خاصة التي جمعته بالموسيقار كمال الطويل والمطرب عبد الحليم حافظ - خير تجسيد وتوثيق لكل ما مرت به مصر من أحداث خلال تلك الفترة، ففي نشوة الفرح والانتصار انتفض مردد “يا جمال يا حبيب الملايين، صورة.. وغيرها من الأغنيات التي قدمت بصوت “العندليب” ولحنها كمال الطويل .


كما هزته لحظات الألم ومرارة العدوان مع أحداث عدة، منها حادثة مدرسة بحر البقر الشهيرة، التي ألف عنها قصيدتها “أنتهى الدرس”، كذلك أيضا كانت كتاباته حاضرة مع لحظات الإنكسار التي عاشها المجتمع المصري، خاصة “نكسة 67”، فكتب عنها قصيدته الشهيرة “تراب دخان”، ثم كانت مصدر إلهام له في كتابة أشهر مؤلفاته الأدبية “رباعيات”، التي حملت العديد من التحاليل والرؤية الفلسفية الاجتماعية والسياسية الخاصة بتلك الفترة.

أسلوب منفرد
امتازت كتابات جاهين بوجه عام دون غيره من الشعراء بأسلوبه الخاص والفريد من نوعه الذي اتخذ فيه من شعر العامية وسيلة للتعبير عن أفكاره وأطروحاته التي كانت دوما أكثر عمقا وتحليل، مستعينا بمخزونه الهائل من الألفاظ والمرادفات والقوافي المستحدثة والمتجددة دائما، في كل مؤلفاته الشعرية سواء الوطنية أو العاطفية.

وهو ما أكد عليه شاعر العامية الكبير بخيت بيومي في حديثه عن الراحل صلاح جاهين، وعن تجربته في الغوص بأشعاره وتحليل أسلوبه الفريدة في نظم شعر العامية، حيث أعتبره أحد أكبر صناع هذا المجال بالعصر الحديث.


واستكمل حديثه بالقول: “على الرغم من كثرة أعماله الغنائية وما حققته ومازالت تحققه من شهرة ونجاح ساحق حتى وقتنا الحالي، إلا أن صلاح جاهين لم يأخذ حقه كشاعر ولم يقدم كل ما لديه، باستثناء أعماله الوطنية التى قدمها مع الثنائي كمال الطويل والعندليب الاسمر عبد الحليم حافظ، وجعلته من أهم المؤرخين لثورة يوليو وما تبعه من أحداث وطنية في تلك الحقبة، والدليل على ذلك أن أغلب إنتاجه الغنائي كان محسوبا على اللون الوطني رغم أنه قدم ألونا غنائية أخرى كاللون العاطفي والاجتماعي، لكنها لم تكن بنفس قدر وحجم ما قدمه من أعمال وطنية، ذلك على الرغم من قدرته وبراعته في تقديم هذه الألوان”.

وأضاف: “المدرسة العامية في الشعر كانت دوما تتميز بالثراء في الألفاظ والمرادفات، واستطاع جاهين - وهو أحد أهم فرسانها – بفضل موهبته وثراء مفرداته اللغوية العامية، أن يطور منها، ويأخذها لمناطق أبعد بكثير، بأسلوبه المرن الذي كان يطوعه تارة في الحديث عن الحب والعاطفة، وتارة في النقد السخرية، لذلك نجد أن تجاربه في الشعر العاطفي رغم قلتها، إلا أنها قدمت نموذجا لأفضل ما كتب عن الحب، ومنها علي سبيل الحصر أغنيته الشهيرة التي قدمها للمطربة الرائعة نجاة (بان عليا حبه من أول ما بان).. على الجانب الآخر، كانت له إبداعات فنية أخرى بمجال كتابة الفوازير، والتي كان لي الشرف أن استكمل المسيرة بعده في تقديمه مع الراحلة أمال فهمي، لمدة 17 عاما، كان كل ما يقلقني في هذه التجربة ليست مهمة اعداد الفوازير أو كتابتها وانما كوني سأخلف هذا العملاق في شيء كان يقدمه واعتادت الجماهير على استقباله منه” .

موهبة متجددة
وأتفق معه في الرأي الشاعر الكبير عوض بدوي، الذي أكد في بداية حديثه: “جاهين لم يكن فقط واحدا من رواد شعر العامية في مصر والوطن العربي، بل كان من الشخصيات الفنية التي أثرت في تاريخ الفن العربي بشكل كبير، وفي الشعر والأغنية علي وجه الخصوص، وذلك لعدة أسباب أولها موهبته الفريدة والمتعددة أيضا التي جمعت بين فنون الكتابة بكافة ألوانها وأنماطها، بين كتابة الشعر والأغنية والتأليف والنقد وفنون الكاريكاتير، فنحن أمام موهبة شاملة، لا سيما في مجال شعر العامية، الذي تميز فيه، فقد تميز جاهين في هذا المجال بطابع وأداء مميز بفضل أسلوبه المرن الذي مكنه بكل حرفية في التعبير عن أفكاره بسهولة، لم يجد معها القارئ البسيط أي عناء في فهمها وإدراك ما يرمز إليه من خلال كتاباته، والتي كانت تحمل الكثير من العمق في الروئ والتحاليل الوافية لما كان يحيط بمجتمعنا، ويمكننا الاستشهاد على ذلك برباعياته الشهيرة، التي على الرغم من بساطة أسلوبها، إلا أنك تجد بها الكثير من الحكمة وخبرة التجارب الحياتية، ممزوجة بقدرة عالية على التدقيق والتحليل والفلسفة والتأمل، وهذه كانت أسمى الأهداف التي من أجلها أسست مدارس شعر العامية، والتي ظهرت من أجل تبسيط معاني الشعر، كي يفهمها عامة الناس، والحقيقة أن كتابات جاهين كانت خير ما يضرب به المثل في هذا الأمر، بالإضافة إلى موهبته الكبيرة التي منحته أسلوبا مميزا ثريا بالألفاظ والكلمات المستحدثة دائمة التجدد، فلم نراه يوما يكرر لفظا أو “إفيه “ - بلغة اليوم - في أيا من كتاباته.

كذلك في أعمال أخرى له كـ”الليلة الكبيرة” التي كشفت عن عبقريته وقدرته في رسم الشخصيات، واختياره لهذا الكم من الجمل والألفاظ المستحدثة التي ضمها العرض، إضافة إلى القالب الخفيف الفكاهي الذي غلف كل هذا المحتوى الفني، وقدمه بهذه البراعة المتناهية، والتي يرجع الفضل فيها لإمتلاكه موهبة الحكائين، والتي جعلته واحدا من أشهر كتاب السيناريو أيضا، بالإضافة إلى إمتلاكه الحس الشعبي والفكاهي الذي كان دوما طاغيا على كل مؤلفاته، كما كانت له كلمة السر في اجتيازه ساحة الغناء الشعبي من خلال ما كتبه من أغنيات لمحمد عدوية منها “قلق في قلق، مجنون مجنون، وأغنيات لفنانين آخرين، منها “بانوا بانوا على أصلكوا بانوا” لسعاد حسني وغيرها.

اقرأ أيضا: رئيس الهيئة العامة للكتاب: معرض الكتاب سيقدم فعاليات خاصة عن صلاح جاهين

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة