
خالد ميري
يوميات الاخبار
أبواب صاحبة الجلالة
2023-01-29 08:57
Advertisement
لكتابة اليوميات مذاق مختلف وسحر خاص.. لكن ما دفعنى للكتابة كان طلب أصدقاء أعتز بهم بأن أروى تجربتى فى بداية عملى الصحفى.. تجربة عنوانها الأبواب مفتوحة لمن يعمل ويجتهد ويصبر
الخطوة الأولى
كان حلمى الأكبر الالتحاق بكلية الطب.. وبذلت غاية جهدى فى امتحانات الثانوية العامة بمدرسة دير مواس الثانوية المشتركة بمحافظة المنيا لتحقيق الحلم.. مذاكرة وسهر وتعب.. لكن إرادة الله كانت الأعلى وجاء المجموع أقل بنصف فى المائة فقط عن المجموع الذى أعلنه مكتب التنسيق للالتحاق بالطب.
شعرت بمرارة شديدة وأنا أتلقى خطاب التنسيق بقبولى بكلية إعلام جامعة القاهرة.. الكلية التى اختارها والدى رحمه الله الحاج طه ميرى، وأصرعلى أن تكون اختيارى الثانى بعد الطب رغم أننى لم أكن أفكر فيها أو أريدها.. لكن والدى كان يرى بعين الصوفى - بعين الحلاج وابن العربى اللذين كانا يعشقهما- أن هذا مستقبلى.. فخلال دراستى بالاعدادية والثانوية كنت أتولى تقديم فقرة الصباح فى الطابور المدرسى وكتبت قصصا قصيرة فازت بجوائز على مستوى المحافظة.. وكنت أراسل صحيفة المنيا الأسبوعية وتنشر الأخبار باسمى لهذا كان قرار الحاج طه بأن كلية الإعلام ودراسة الصحافة هى مستقبلى الذى يبحث عنى وأبحث عنه.
مع بداية الدراسة تأخر إلحاقى بالمدينة الجامعية عدة أيام واتخذت قرارا بإعادة الثانوية العامة لتحقيق حلمى بدخول الطب.. أخبرت والدى بالقرار.. وجمعتنا جلسة مع خالى محمد سعد الخبير التربوى ومدير المدرسة الثانوية وقتها.. وكان رأيهما واحدا ألا أضيع عاما من عمرى بحثا عن حلم وأن أتوكل على الله وأبدأ دراستى بكلية الإعلام.. هذه كانت الاستشارة وبعدها كانت صلاة الاستخارة، صليتها ونمت فرأيت فيما يرى النائم من ينصحنى بالاستمرار فى كلية الإعلام وأن هذا هو مستقبلى الذى يجب أن أعض عليه بالنواجذ.
الخطوة الثانية
وقر فى قلبى بعد الاستشارة والاستخارة أن أرضى بقضاء الله.. وهو أمر لو تعلمون عظيم.. ربانى والدى منذ الصغر أن أبذل قصارى جهدى لتحقيق ما أريد ثم أترك النتيجة لرب العالمين واستسلم للقضاء راضيا مرضيا.. وهذا ما كان.
بدأت الدراسة بكلية الإعلام جامعة القاهرة التى كانت تحتل الطابق الأخير بمبنى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. وكنا طلاب الفرقة الأولى نتلقى محاضرات عديدة فى معهد الإحصاء خارج أسوار الجامعة.. واستقر سكنى بالمدينة الجامعية.. لتتفتح عيناى على عالم جديد بعيدا عن قريتى نزلة البدرمان محافظة المنيا.. فى الجامعة لم نتعلم فقط فنون الصحافة والإعلام ولكننا تعلمنا دروب السياسة والاقتصاد، أحببنا قراءة الكتب ومناقشات الفلسفة وعلم الاجتماع.. تعلمنا الاعتماد على أنفسنا ومناقشة كل الآراء بعقول مفتوحة وبدون انحياز.. كلية الإعلام بجامعة القاهرة مدرسة علمية عملية جامعة.. وأساتذتها الكبار الذين علمونا فتحوا عقولنا على العالم الواسع.. ومع نهاية السنة الأولى التى كانت فيها الدراسة شاملة كان اختيارى للتخصص من السنة الثالثة دراسة الصحافة التى أعشقها وفضلتها على قسمى الإذاعة والتليفزيون والعلاقات العامة والإعلان.. الصحافة تسربت داخل عروقى وشدتنى بكل قوة وحب إلى العالم الذى كان لابد أن أدخله.. وفى الإجازة الصيفية قررت الاستمرار بالقاهرة وبمساعدة من قريب عزيز على قلبى تمكنت من الالتحاق بالتدريب بمجلة الشباب بمؤسسة الأهرام العريقة لأبدأ تعلم فنون الصحافة ولمدة ٣ سنوات على يد الأستاذ القدير الراحل عبدالوهاب مطاوع.
الخطوة الثالثة
الصحافة استولت على كامل وعيى طوال سنوات الدراسة.. ومنذ السنة الثانية بدأت العمل بمكاتب العديد من الصحف العربية كمراسل.. لأحصل على دخل جعلنى استقل ماديا وأستطيع الإنفاق على نفسى، وكانت لحظة فارقة غمرتنى بسعادة فائقة.. واصلت الدراسة وتعلم فنون الصحافة على يد أساتذة فى كلية الإعلام الكبار والتدريب بمجلة الشباب والعمل بالصحف العربية.. وفى السنة الثالثة انتخبنى زملائى باتحاد طلاب كلية الإعلام، وكانت حياة المدينة الجامعية مدرسة أخرى تعلمنا منها الكثير فى فنون الحياة والتكيف والتعايش، ومع صديقنا العزيز الدكتور هشام عطية أسسنا مجلة خاصة لأحد رجال التعليم وحصلنا على دخل جيد منها.. كما كنا نصدر مجلة - صوت الجامعة - نحررها ونخرجها ونقوم بتوزيعها بأنفسنا داخل الجامعة.. الدراسة كانت عملية وفى كل يوم نتعلم الجديد.. ولا يمر يوم إلا ونجلس على سلم الكلية نضحك من قلوبنا ونتبادل خبراتنا.. وملأتنى الثقة بأننى وجدت غايتى فى كلية الإعلام وقسم الصحافة.. وأن الكنز الحقيقى فى الرحلة ولم يساورنى الشك أبدا فى قدرتى على تحقيق أحلامى فى بلاط صاحبة الجلالة.
الخطوة الرابعة
عندما وصلت للسنة الرابعة بالكلية بدأ التفكير فى المستقبل والعمل يشغل بالى.. فهل سأكمل المسيرة فى مجلة الشباب بعد التخرج أم يقودنى مصيرى إلى مكان جديد.. وقبل أن تحتل التساؤلات عقلى كانت الإجابة من أبواب السماء المفتوحة.. الكاتب الصحفى الكبير الراحل جلال دويدار رئيس تحرير الأخبار وقتها أرسل إلى أستاذنا الكبير الراحل الدكتور فاروق أبو زيد عميد الكلية يطلب منه ترشيح أفضل ٥ طلاب لديه للتدريب والتعيين فى الأخبار.. وهى سُنة حميدة ورابطة سحرية تربط الأخبار بكلية الإعلام منذ انشائها.. ورغم أننى لم تكن تربطنى علاقة وثيقة بالدكتور فاروق أبو زيد بل كانت مجرد علاقة طالب بأستاذ إلا أننى فوجئت بأننى ضمن من وقع عليهم الاختيار.. بعد أن سأل الرجل المعيدين وأساتذة قسم الصحافة عن أفضل الطلاب ورشحنى العزيز جدا الدكتور هشام عطية له.. كنت مازلت طالبا بالفرقة الرابعة عندما دخلت مبنى مؤسسة أخبار اليوم العريقة مع زملائى الأربعة للقاء الأستاذ جلال دويدار.. وأخبرنا الرجل أن التدريب متاح بأقسام الحوادث والقضايا والتحقيقات ووجدتنى أطلب التدريب بالقسم القضائى فاستجاب، لأبدأ التدريب والعمل مع الأستاذ الذى علمنى أصول المهنة محمد حسن البنا رئيس القسم القضائى وقتها ورئيس تحرير الأخبار بعد ذلك.
وبعد مرور أسبوع واحد كان عليّ الاختيار بين الاستمرار فى الأخبار أو مجلة الشباب.. وجاء القرار إلهيا باستدعاء من مكتب الأستاذ عبدالوهاب مطاوع لتخبرنى سكرتيرته آمال بانتهاء تدريبى فى مجلة الشباب.. ولم أناقش.. كانت رسالة السماء مستقبلى فى الأخبار والمصير قد تحدد وقد كان.
الخطوة الخامسة
بمجرد انتهاء الدراسة بالجامعة وحصولى على تقدير جيد انتقلت رحلة عملى فى الأخبار من الهواية إلى الاحتراف.. تحدد المصير والمستقبل داخل جدران الدار العريقة.. بعد التخرج بشهور قليلة بدأت تأدية الخدمة العسكرية وواصلت العمل فى الأخبار خلال الاجازات، وصدر قرار بحصولى على أول مكافأة شهرية منتظمة 80 جنيها بالتمام والكمال.. وخلال تواجدى بالجيش تم نشر اسمى بالجريدة لأول مرة على خبر انفراد.. ولكن لم يكن رئيس التحرير قد وافق على النشر فتقرر عقابى بنقلى إلى قسم التحقيقات، وقبل مرور شهر كنت قد عدت مرة أخرى إلى القسم القضائى.
انتهيت من أداء الخدمة العسكرية وانتظمت فى العمل بالأخبار وسكنت فى شقة إيجار مع أربعة من الزملاء الأعزاء.. وواصلت العمل بعدد من الصحف العربية لأتمكن من توفير نفقات الحياة.
فى نهاية عام 1996 كان قد مر على وجودى فى الأخبار 3 سنوات تحت التمرين ولا أحصل الا على الثمانين جنيها مع مكافآت متفرقة من الانفرادات.. اكبرها 50 جنيها عن تغطية حادث انهيار عمارة مصر الجديدة وهو مبلغ ضخم وقتها وكانت المكافأة الاعلى التى تم صرفها لمن شاركوا فى التغطية.. بعد مرور 3 سنوات كنا فى موقف صعب مع اربعة من زملائى الاعزاء.. وقتها كان هناك خلاف بين الكاتب الكبير الراحل ابراهيم سعده رئيس مجلس الادارة والاستاذ جلال دويدار رئيس التحرير ولهذا تجمد صدور قرار بتعيينا.. وبعد محاولات متعددة تدخل الراحل الكبير أحمد الجندى مدير تحرير الأخبار وكانت تربطه علاقة قوية بإبراهيم سعده وتحدث معه عن تأخير صدور قرار التعيين.. وبعدها فوجئنا باتصال تليفونى من مكتب الاستاذ ابراهيم يستدعينا للقائه وكانت المرة الأولى التى نرى فيها الرجل.. وبمجرد ان دخلنا سألنا عن أوضاعنا وأجاب بأنه وقع قرار التعيين قبل ان يلتقى بنا وكانت من أسعد اللحظات فى حياتنا.. وبعدها فى بداية عام 97 اكتمل الحلم بالانضمام لنقابة الصحفيين.
الخاتمة
تتحدد مصائرنا ويتقرر مستقبلنا بقدر ما نبذل من عرق وجهد.. وعندما نرى أحلامنا ونتمسك بها نستطيع تحقيقها.. أبواب السماء مفتوحة ترى ما فى قلوبنا وتمنحنا الجوائز التى تستحق فى الوقت الذى يستحق.
الكلمات الدالة
مشاركه الخبر :
الاخبار المرتبطة




