ممدوح سالم
ممدوح سالم


اطفالنا واللغة العربية

قضية ورأى

الأخبار

الأحد، 29 يناير 2023 - 09:14 م

د. ممدوح سالم

لماذا نجحنا فى جعل أبنائنا يكرهون اللغة العربية؟!  
قد يبدو السؤال صادمًا للكثير من الناس، لكنه الواقع المرّ الذى ينبغى أن نقرّ به، ونسارع إلى مواجهته والعمل على مناقشته وإيجاد أجوبة موضوعية له. والحقيقة أننى لا أدعى علمًا بجواب شافِ عن ذلك السؤال؛ وإنما سأطرحه للنقاش العام مع الزملاء والمختصين وأولياء الطلاب والجمهور؛ لعلنا نجد أسبابًا واضحة نقدم من بعدها طرحًا موضوعيًا لأولى الأمر؛ لعلهم يدركون ويتداركون إن كان فى الوقت بقية. ولأننى مختص أمارس تعليم اللغة لأكثر من ثلاثة عقود يمكننى أن أوجز أهم الأسئلة الدائرة  على ألسنة المتعلمين، والتى تعكس عدم قناعتهم بتعلم اللغة أصلًا، منها مثلًا:
_لماذا ندرس اللغة العربية وهى المعقَّدة- حسب وصفهم- جملة وتفصيلًا؟ ولماذا ندرس النحو (علم القواعد والتراكيب) ولا نستفيد به ولا منه؟ ولماذا ندرس الشعر فى مختلف عصوره، ولا سيما الجاهلى؟ يسألنى أحدهم: ما أهمية أن ألمّ بعلم البلاغة، ومعرفة ما تسمونه مظاهر الجمال فى الأدب، فضلًا عن تقسيمات البيان والبديع والمعانى؟ ثم ترى معظمهم يتفقون فى طرح ذلك السؤال، وهو السؤال الأكبر:
_ماذا نستفيد من دراسة اللغة فى مستقبل كل وظائفه معلن عنها بغير العربية، وتفاصيلها مشروطة بإجادة الإنجليزية فى أعلى مستوياتها، فضلًا عن إلمامك بالفرنسية، أو بعض الألمانية مثلًا؟
    وبرأيى لا بد من التسليم أولا بموضوعية هذه التساؤلات وعدم نكرانها لوجاهتها عند أبنائنا بقطع النظر عن اتهامنا إياهم فى ضوء ذلك التغريب الممنهج الذى يحيط بهم من كل اتجاه. كثير من البيوتات لا ننكر حرصها على تعليم أبنائها العربية من منطلقات عدة فى مقدمتها الهُويّة والثقافة وتعلم لغة القرآن.. وهذا عظيم فى مقابل من يتجاهلون العربية حديثًا وتواصلًا حياتيًا فى الأساس؛ أما على مستوى المناهج والمقررات التعليمية، فلا ننكر بعض المحاولات المعدودة فى تجميل المشهد اللغوى بنصِّ جيد هنا أو هناك، لكن فى الواقع تأتى المناهج والمقررات فى صورة وكأنها صُمِّمت على عين من أراد بها سوءًا، فجاءت معقدة خالية من جماليات الطرح شكلًا وموضوعًا... فلا نصوص أدبية (فى معظمها) ذات صلة بقضايا العصر للطلاب.. وأضرب لذلك مثلًا، حين تجد الإصرار على تدريس نص أدبى من مقررات الصف الأول الثانوى عنوانه (وصية أم لابنتها) يطرح وصايا أم لابنتها عند الزواج... وتشير إلى فكر غير واقعية تحت أى مسمى، فيجد المعلم نفسه محاصرًا باستياء تلميذاته مهما يقدم للدرس، ومهما يبرر منطق الطرح!! وحين تجد مقرر الصف الرابع وهو يعجّ بمصطلحات لغوية لم يتم التقديم لها بشكل وافٍ تدريبًا واطلاعًا.. وحين تباغتك أم لطفل فى الصف الأول الابتدائى، تسألك عن مفرد (جيش)، أو كيف تفهم ابنها تركيب (ضمير المخاطب)؟
  وإننى إن أصور لك حال الطلاب حين يهمّ المعلم بكتابة كلمة (نحو) على السبورة، كيف تشرئب أعناقهم إنكارًا لما أقدمت عليه، وكيف تلفظ عيونهم بمفردات الاشمئزاز، فذلك ما لا يسعنى ذلك التصوير لبشاعته! وهنا تتساءل، أيناه ذلك العيب؟ وفيمَن؟ أفى معلِّم غير مؤهل؟ أم فى مناهج غير مناسبة؟ أم فى طريقة تدريس لم تعد مناسبة؟ أم فى رؤية كلية لم تعد مواتية؟!


إن تدريس  النحو أو علم التراكيب (كما أحب تسميته) لا يمكن أن يكون بهذه الطرق الشائعة من الأمثلة المجزوءة، والسياقات غير المتسقة، بل لا بد أن تكون من خلال التوظيف الاستعمالى والتواصلى الذى من أجله كانت اللغة... ولا يمكن بحال أن نستمر على إقرار نظريات عقيمة لم تعد مناسبة الطرح والتفعيل الميدانى.


لغتنا الجميلة تلك التى اختارها الله رب العالمين وعاء للذكر الحكيم، وتشرفت حروفها وتزينت برسمه البديع، ومن بعد كانت حافظًا أمينًا للسنة المطهرة، وناقلة تراثنا العربى الشامخ شعرًا ونثرًا وفكرًا وفنونًا إلى العالمين... تلك اللغة تستوجب أن نقدمها لأبنائنا من خلال سياق تواصلى جميل، يعتمد منذ السنوات الأولى على تعليم مهارات اللغة من الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، وذلك وفق استراتيجيات متنوعة للدرس القرائى والأدبى والتخييلى، ثم توظيف ذلك كله فى سياق المعرفة التى هى نتاج تعلم استقرائى ممتد يهدف إلى تحليل ونقد وطرح ورؤية.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة