صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


مخاوف في اليمن من شبح الانقسام بعد توقف الحرب

أسامة عجاج

الأحد، 29 يناير 2023 - 09:53 م

بين (الأمل) فى التوصل الى حل سياسى والوصول الى نهاية للحرب التى تدخل عامها الثامن نتيجة أزمة استمرت حوالى 12 عاما وهناك مؤشرات وتحركات بشكل جدى لذلك وبين (الخوف) من اليوم التالى من تداعيات ما بعد صمت المدافع خاصة وعنوانها الأكبر هو تقسيم اليمن وتشطيره بل تفتيته وهناك سوابق لذلك من التاريخ القريب والحديث لم يتوقف منذ سنوات طويلة والتقارير والدراسات مستمرة فى دوائر صنع القرار الدولية والاقليمية عن ذلك، فالمشروعات تبدو جاهزة والخطط مطروحة بشكل أو بآخر.


 وحقيقة الأمر أننا لابد أن نعترف وبكل أسف أن حالة غياب الاستقرار فى اليمن والوصول بالصراع الى الحل العسكرى متلازمة تاريخية على الأقل منذ إعلان استقلال اليمن فى أوائل ستينيات القرن الماضى وتأسيس الجمهورية واتخذت أسباب مختلفة بعضها تتعلق بالصراع بين الجمهورية والملكية.

وكما حدث فى الستينيات وبين الشمال والجنوب، كما حدث فى نهاية فى التسعينيات بين جنوب اليمن وشماله وعلى العودة الى التشطير من جديد والرجوع عن الوحدة فى عام 1994 وهى التى تكررت فى عام 2019 بين المجلس الانتقالى الجنوبى والشرعية  (ومواجهات مذهبية) وهى الحروب الست بين الحكومة المركزية وجماعة الحوثى فى اوائل هذا القرن وانتهت عام 2010 وعادت من جديد فى مارس 2015.

  
ولعل الرصد السابق لحوالى ستين عاما من تاريخ اليمن بعد استقلاله يقول ان استقراره مرتبط بقضيتين رئيستين التعاطى مع جماعة الحوثى والعلاقة بين الشمال والجنوب ومصير الدولة الاتحادية فى اليمن التى تسببت فى الحربين الأخيرين.

والتى وصلت خسائرها ما بين 170 - 200 مليار دولار من الناتج المحلى خلال الأعوام من 2015 حتى العام الماضى غطت المساعدات أكثر من عشرة بالمائة من تلك الاحتياجات، فهناك نصف اليمنيين يعانون من الجوع وحوالى خمسة ملايين نازح داخلى النسبة الأكبر منهم من الأطفال والسيدات وانهارت قيمة الريال اليمنى بشكل تام. 


ودعونا نتفق على أن أهم محاولة للتعاطى بشكل صحيح مع تلك الأزمتين خلال الحوار الوطنى واتفاق السلم والشراكة الوطنية  فى عام 2014 لم تنجح فى حل تلك المعضلتين رغم أنهما كانا الأبرز على أجندة أعماله لدرجة أن القائمين عليه والمسئولين عنه وضعوا بدون قصد أو بحسن نية شكل اليمن ما بعد الحرب.

وليس فى اطار دولة اتحادية ولكن اقاليم قابلة للانفصال وجاهزة للانفصال وبعضهم مثل الجنوب يعمل على ذلك منذ ثلاثة عقود وخاض فى ذلك حربين مع الشرعية فى الشمال عام 1994 ومرة ثانية فى 2019  ونتوقف هنا عند ما يخص مستقبل الدولة اليمنية التى تم التوافق فى مؤتمر الحوار الوطنى على تقسم اليمن الى ست أقاليم: أربعة فى الشمال واثنين فى الجنوب وهى كالتالى: 
الأول إقليم أوزال ويضم أربع محافظات هى ذمار وصنعاء وعمران وصعدة ومساحته 39 ألف كيلو متر مربع وعدد سكانه اكثر من ستة ملايين واللاعب الرئيسى فيه هو جماعة الحوثى ويبدو أن الهدف منه حصر تمدده كجزء من تشكيل دولة مستقلة وهو من أفقر الأقاليم.


وأما الإقليم الثانى فى الشمال إقليم الجند ويتكون من محافظتى  تعز وآب وهو بذلك اصغرها من حيث المساحة وأكبرها من حيث الكثافة السكانية فيضم ربع السكان مما يولد حالة من عدم التناسب بين الموارد والسكان. 


ويعتبر الإقليم الثالث تهامه ثانى اكبر الأقاليم من حيث المساحة وعدد السكان ويضم أربع محافظات اثنتين منها بحريتان وهما الحديدة وحجه ويلاحظ سعى إقليم تهامة لاستنساخ تجربة الحراك الجنوبى عندما أعلن وبعد ٢٠١١ ظهور كيان اسمه الحراك التهامى.

وهم يعيشون على صيد الأعمال وزراعة المحاصيل والفواكه ولعل هذه الميزات التى دفعت قرابة مليون مواطن من مناطق متاخمة لتهامة وضمهم الى الإقليم بدلا من ازال واذا حدث ذلك، فنحن أمام إقليم هو الأكبر والأهم من حيث عدد السكان والإنتاج الاقتصادي حيث يملك مقومات متعددة صناعية وسياحية، حيث يمتد معظم ساحل تهامة على البحر الأحمر.  

  
واما الإقليم الرابع سبأ يشمل محافظات البيضاء ومأرب والجوف، حيث يعتبر مخزنا للموارد الطبيعية، ففى محافظتى مأرب والجوف ثروة كبيرة من الغاز والبترول لم يستغل منها إلا القليل ومعظم أراضيه صالحة للزراعة وهى من أخصب الأراضى فى اليمن.  

 
وتم التوافق فى الحوار الوطنى تقسيم الجنوب الى إقليمين عدن وحضرموت

الأول: هو اقليم عدن الذى يضم عددا من المحافظات عدن ولحج وابين والضالع فمساحته حوالى ٧ بالمائة من اجمالى مساحة اليمن وبه حوالى ١٠ بالمائة من السكان ويمتلك موارد سمكية وإمكانيات زراعية كبيرة، كما أن وضع عدن كعاصمة ثانية وأولى فى قبل وحدة ١٩٩٤ يتيح له إمكانيات فى البنية التحتية والقدرة على العمل فى مجالات التجارة والصناعة والسياحة والزراعة
والثاني: هو اقليم حضرموت يملك ابناؤه المهاجرون في السعودية.

ودول الخليج الآخري اموالا طائلة يمكن استثمارها، كما انه من أكثر الأقاليم احتواء على ثروات كالنفط والغاز المسال والمياه ويملك سواحل على امتداد بحر العرب والمحيط الهندى ويمتد داخليا على الحدود المتاخمة لسلطنة عمان شرقا والسعودية شمالا وتتحدث تقارير عن رغبة سعودية فى مد أنابيب تصدير نفطها الى سواحل بحر العرب عبر ميناء المكلا بعيدا عن تهديدات اى أن لمضيق هرمز ومع كل ذلك فهناك خلاف فى الإقليم بين اهالى حضرموت والمهرة.

والتى طالبت بتخبئتها السياسية منذ اليوم الأول للإعلان عن الأقاليم بتشكيل إقليم خاص بها حسب حدود نوفمبر ١٩٦٧ خاصة أن اليمن الجنوبى كان به ٢١ سلطنة ومشيخة ولعل تقسيم الجنوب بهذا الشكل يخلق حالة من الصراعات والتوترات مستقبلا بما يحول دون قيام علاقات تكاملية بينهما. 

وبعد فكل التطورات الأخيرة تكشف عن مسعى جدى للتوصل الى تحقيق اختراق حقيقى فى إنهاء الصراع العسكرى من خلال اتفاق غير معلن بين الحوثيين والتحالف على استمرار الهدنة بعد التعثر فى تجديدها واعقب ذلك تحركات نشطة ما بين مسقط باعتبار سلطنة عمان وسيطا موثقا به من قبل التحالف وجماعة الحوثى فى صنعاء وبتشجيع من طهران.

والتى تجد فى العاصمة العمانية مكانا للحوار وهو ما تم بالفعل فى زيارة وزير الخارجية الإيراني إليها ولقائه مع محمد عبدالسلام كبير مفاوضى الجماعة وما تردد  من تقارير عديدة حول زيارة قام بها المسئول السعودى المسئول عن الملف اليمنى السفير محمد آل جابر ووجود حوار جدى حول العديد من القضايا الخاصة بالابعاد الانسانية.

وصرف المرتبات المتأخرة وموقف الشرعية اليمنية والتى لا تشارك فى عملية التفاوض وكذلك ازمة الجنوب ولعل الموقف السعودى يشير فى اتجاه الحل كما جاء فى كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان فى دافوس وقال إن الصراع المستمر منذ ثمانية اعوام لن يحل سوى عبر تسوية سلمية ومع ارتفاع نسب التوصل الى مثل تلك التسوية يبقي السؤال الحائر وماذا بعد ان تنجح هذه التسوية وما هو شكل اليمن ما بعد انتهاء الحرب نحن امام اكثر من سيناريو وهى: 


السيناريو الأول: إعادة تشكيل اليمن كدولة واحدة مع السعى الى اعادة النظر فى فكرة الاقاليم الست، كما جاء فى اتفاق الشراكة اثنان فى الجنوب واربعة فى الشمال فى اطار دولة اتحادية ولكن يواجه هذا السيناريو وضع جماعة الحوثيين، الذين يسيطرون فى الوقت الحالى على الشمال هل يمكن ان يتنازلوا ويقبلوا بفكرة انهم  طرفا سياسيا فى الدولة المعاد تشكيلها، ولكنهم  لن يكونوا الطرف السياسى الوحيد.

حقيقة الأمر أن من الصعوبة بمكان القبول بذلك بعد كل ما جرى طوال السنوات الثمانية الماضية، فمن الطبيعى وفقا لرؤيتهم أن من حقهم أن يشكلوا حكومة ما بعد نهاية الحرب وفى سائر اليمن خاصة أن سنوات سيطرة الأمر الواقع التى يفرضها الحوثيون فى صنعاء سمحت لهم بإعادة تشكيل وإعادة تنظيم الوزارات والوكالات الحكومية لتضحى تحت سيطرتهم.

وإن محو هذه التغييرات سوف يكون مستحيلا في حالات كثيرة على الأقل على المدى القصير.»يضاف الى ذلك موقف المجلس الانتقالى الجنوبى الذى نجح خلال السنوات الماضية فى ترسيخ نفسه كقائد لدولة الجنوب.

ويلاحظ فى اطار ذلك الهاشتاج الذى اطلقه الجنوبيون بمناسبة الذكري الـ٥٥ لاستقلال جنوب اليمن عن بريطانيا تحت عنوان ( الجنوب يجمعنا والاستقلال هدفنا) وهو الأمر الذى يعنى الكثير بالنسبة لعلاقة الجنوب والشمال بعد انتهاء الحرب.


والسيناريو الثاني: وهو كارثى بكل المقاييس وهو انقسام اليمن يعزز ذلك فشل تجربة المجلس الرئاسى اليمنى والذى اصبح مسئولا عن ادارة البلاد بأعضائه الثمانية منذ ابريل الماضى والذين يمثلون رموز مناطقيه ومكونات سياسية وحزبية حيث عاني من الشلل وعدم القدرة على الاجتماع من اعضائه أو بدء عمل الحكومة من مدينة عدن لدرجة تأخير اجراءات صرف مساعدات بثلاثة مليار دولار من السعودية والامارات وكانت مخصصة لتخفيف الأزمة الاقتصادية وكذلك التحول الانتقالي الجنوبي الى صاحب الكلمة الأولى فى مناطق الجنوب.     


ويتضمن هذا السيناريو تشرذم اليمن إلى دويلات عنيفة تخضع لسيطرة أقوى أمراء الحرب فى أى لحظة معينة. وتتصارع الجماعات المسلحة المتنوعة فى اليمن بشكل مستمر من أجل الاستيلاء وفرض السيطرة على أكبر مساحة أرض ممكنة.

ويمنح ذلك المجال لعودة تنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية وإشعال شرارة تحركات هائلة بين النازحين داخليا واللاجئين، وتعريض ممرات الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر إلى الخطر. ينبغى تفادى حدوث مثل هذا المستقبل بأى تكلفة. 
 

اقرأ ايضاً | جروندبرج يدعو أطراف الصراع اليمني إلى البناء على ما حققته الهدنة

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة