محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

ابنة.. مصطفى أمين

محمد الشماع

الثلاثاء، 31 يناير 2023 - 06:59 م

 

لم يكن تأسيس أخبار اليوم مجرد تأسيس لبناء واسم لصحيفة وإنما تأسيس لمدرسة جديدة فى الصحافة المصرية والعربية

تمر هذه الأيام الذكرى التاسعة بعد المائة على ميلاد الكاتب الصحفى الكبير مصطفى أمين مؤسس أخبار اليوم مع توءمه على أمين، وبعد رحيل على أمين فى العام ١٩٧٦ كان حزينا جدا وأخذ يردد أنه أصغر من على أمين بخمس دقائق وتوقعت أن أموت بعده بخمس دقائق، لكن يشاء الله أن يمد فى عمر مصطفى أمين لكى يواصل المسيرة ولكى يراه جيلنا ويتعلم منه أكثر، فلم يكن تأسيس أخبار اليوم مجرد تأسيس لبناء واسم لصحيفة وإنما تأسيس لمدرسة جديدة فى الصحافة المصرية والعربية.

عرفت أستاذنا مصطفى بك أمين من خلال عموده الصحفى الشهير «فكرة» وكان أحب الكتابات الصحفية إلى قلبى، وهو العمود الذى كان يكتبه توءمه على أمين حتى وفاته.

استمرت قراءتى لصحف أخبار اليوم وإصداراتها إلى أن حققت حلم حياتى ورأيت مصطفى بك أمين وجها لوجه وصافحته وعرفته بنفسى عندما بدأت التدريب والعمل مع بداية العام الدراسى الأول لى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بل وأجريت معه أكثر من حوار عرضتها عليه بعد النشر لكى أسمع ملاحظاته، وعندما كان يسمح لى بدخول مكتبه أظل واقفا حتى يبادرنى قائلا بصوته المميز: اتفضل يا أستاذ محمد!! بل أكثر من ذلك يطلب لى كوبا من الليمون الطازج!! وكدت أطير من الفرح وأنا فى مكتبه!

أفكار ساحرة

أعود إلى فكرة مصطفى بك التى تعلمت منها الكثير والكثير فى حياتى الصحفية والعملية، مجرد أن تقرأ فكرة مصطفى بك يتفجر من جوانحك الأمل والسرور والسعادة وتجد فى الفكرة معانى العدل والحق والإيمان والأمل غير المحدود فى الله سبحانه وتعالى، وتدفعك لفعل الخير لمن حولك بل لأبناء وطنك والبشرية جمعاء، فالـ «فكرة» تعطيك قدرة على الصبر وتحمل الآلام والأحزان مهما كانت وتبث فيك القوة والعزيمة على مواصلة العمل والكفاح وعدم اليأس «الفكرة» تعطيك قدرة وقوة على مقاومة الظلم وتحقيق العدل وتمنحك قناعة بأن عدالة السماء آتية لا ريب وأن «الفكرة» تعطيك القدرة على مساعدة الضعيف والمحتاج واحترام الغير مهما كان شأنه والتسامح مع من ظلمك. المهم كانت الفكرة رسائل أخلاقية وإنسانية ومبادئ سامية تحضك على حب العمل والتفانى والإخلاص فيه وإذا اجتهدت وأخلصت فسوف تحقق معظم أحلامك!

قبل أن أرى مصطفى بك واقترب منه كنت أقول فى نفسى ما يكتبه مجرد كلام إنشائى ومثاليات لا يُعمل بها فى غالب الأحيان، لكننى كلما قرأت «فكرة» أجدنى قد تشبعت بالأمل والسعادة تغمرنى فى أن الغد أفضل من اليوم والأمس وتجددت صلابتى فى العمل والإصرار على الحق والعدل والأمل فى تحقيق أحلامى.

عندما أصبحت ضمن أبناء «أخبار اليوم» سمعت ورأيت وتأكدت من أن ما كان يكتبه أستاذنا العظيم مصطفى بك أكثر مما قرأت قبل أن أتشرف بدخول الدار العملاقة، سمعت كيف كان يتسامح مع الكبير والصغير والقوى والضعيف، كيف تسامح مع من ظلموه وخانوه وطعنوه، والأقصى أن بعضا منهم كانوا من تلاميذه الذين صنعهم بنفسه وصعد بهم من القاع لكى يحتلوا القمة، قمة النجومية الصحفية والسياسية ومع ذلك لم يندم ولم يلم أحدا على الإطلاق، حتى كل من حاربوه ووقفوا ضد انطلاقاته وطموحاته فى عالم الصحافة الذى كان كل حياته!

تسامح الكبار

كما تسامح مع الضعفاء فعلى سبيل المثال كلف أحد صغار العاملين بمكتبه بإرسال مقاله «فكرة» إلى صالة التحرير لكى يأخذ طريقه إلى المطبعة كما هو المعتاد..

لكن العامل أخذ المقال ووضعه فى جيبه حتى يهبط من الدور التاسع إلى الدور الأول حيث صالة التحرير وفى الطريق نسى تماما أنه يجب أن يعطى المقال لسكرتارية التحرير، بل وأكمل طريقه إلى منزله ومرت الساعات والصفحة الأخيرة متوقفة على «فكرة» مصطفى بك التى لم تصل بعد للمطبعة وأخذ الجميع يبحث عن العامل ولم يجدوا له أثرا وتأخرت عملية طباعة الجريدة، اضطر مدير التحرير إلى إعادة نشر أحد الأعمدة السابقة من «فكرة» ودارت المطبعة متأخرة عن موعدها!!.

وعندما وصل العامل صباح اليوم التالى للجريدة قوبل بعاصفة من الأسئلة والتوبيخات وأن عليه أن يتلقى جزاءه من مصطفى بك الذى كان ثائرا وفى حالة عصبية حتى إنه قال ارفدوه ده ما ينفعش يشتغل خالص.. وعندما قالوا له يا مصطفى بك ده مش متعين.. قال لهم عينوه وارفدوه!!.

وعندما توسط البعض وقالوا للعامل ادخل اعتذر لمصطفى بك وسمحوا له بالدخول وكان مصطفى بك مازال ثائرا فإذا بالعامل يقول له يا مصطفى بك دى فكرة واحدة وسيادتك أبو الأفكار فمعلش آخر مرة ومش هتحصل تانى!!.

فما كان من مصطفى بك أمام ما سمعه من العامل إلا أن سامحه وأعاده للعمل!! وعندما وصل سن السبعين قررنا مجموعة صغيرة من المحررين أن نحتفل بعيد ميلاده فى أحد المكاتب.. وكان سعيدا رغم بساطة الحفل وقال: أنا فى السبعين من عمرى ولكننى أملك قلب شاب فى الخامسة والثلاثين.

صفية مصطفى أمين

واحدة من الملايين التى غرس فيها مصطفى أمين القيم والمبادئ التى كان يعيش من أجلها وتمنى أن تستمر وتنتشر، تجمعت فى ابنته الزميلة الفاضلة صفية مصطفى أمين الصحفية القديرة كل السمات الشخصية والمزايا المهنية والإنسانية والتسامح مع الجميع والقدرة على مواجهة الشدائد والمحن وسعادتها غير المحدودة فى عمل الخير لكل الناس وبصفة خاصة غير القادرين والمحتاجين والضعفاء وكل من يطلب المساعدة وقدرتها الفائقة على إسعاد الآخرين فى صمت ودون ضجيج!.

أما أسلوبها فى الكتابة فهو السهل الممتنع ويتسم بالبساطة ووقفت كتاباتها وكفاءتها الممتازة فى الكتابة لخدمة قضايا المجتمع.. لأنها تحمل رسالة والدها أستاذنا العظيم وتبذل جهوداً كبيرة طوال السنوات الماضية منذ وفاة والدها حتى اليوم بالحفاظ على استمرار أبواب الخير والأمل والسعادة من خلال جمعية مصطفى أمين وأبوابها المتعددة «لست وحدك» و«ليلة القدر» و»أسبوع الشفاء» وتقدم مساعدات مالية وعينية للآلاف من المواطنين البسطاء وتذهب إليهم إلى حيث يقيمون فى محافظات مصر بنفسها مع عدد بسيط جدا من أبناء أخبار اليوم متطوعين لكى تسعد الأسر وتدخل البهجة وتمسح دمعة على الوجوه للذين تعرضوا للكوارث والنكبات، تنفق الملايين التى يتبرع بها أهل الخير من أبناء مصر حبا فى عمل الخير ونشرا للسعادة بين الملايين.

حفيدة مصطفى أمين

سعادة الزميلة صفية شعورها وإحساسها بأنها واحدة من أبناء المؤسسة عائلتها أو أسرتها الكبيرة، واقعة حصلت معى أثناء رئاستى لمجلة «آخر ساعة» قدمت لى الزميلة المسئول عن باب المجتمع صفحات المجتمع قبل إرسالها للتنفيذ ثم الطباعة وكعادتى أخذت أراجع الصور والأخبار وكلام الصور واسترعى انتباهى وجود صورة زفاف ابنة الزميلة صفية مصطفى أمين، أعدت مراجعة الصور فلم أجد سوى صورة واحدة فقط لها وباقى الصور لأشخاص غير معروفين سألت المسئولة عن صفحات المجتمع: أمال فين باقى الصور! فقالت: هى دى بس الصورة التى اخترتها! أكملت كلامها قائلة احنا متأخرين عشان الطباعة! فقلت لها: لو سمحتى سيبى الصفحات وأنا سأرسلها إلى التنفيذ والطباعة!

اتصلت بالأستاذة صفية مصطفى أمين تليفونيا.. ردت بصوتها الهادئ الوقور: آلو.

قلت: ألف مبروك للعروسة وربنا يتمم بخير.

ردت وصوتها يظهر فيه ابتسامة قائلة: ربنا يبارك فيك..

وسألت مين حضرتك؟

قلت: أنا محمد الشماع.. فكررت شكرها على تهنئتى لها.

قلت: يا أستاذة استأذن حضرتك فى نسخة من صور العروسة 

فقالت: أنا أرسلت المجموعة كاملة واختاروا صورة واحدة!

فقلت: بعد إذنك ياريت تبعتى لى المجموعة.

ردت قائلة: حاضر.. ولكنى استشعرت من صوتها عدم السعادة، خاصة فى مناسبة سعيدة كهذه المناسبة!

أرسلت الصور فقمت باختيار حوالى عشر صور على صفحتى المجتمع.. تحت عنوان رئيسى واحد «زفاف حفيدة مصطفى أمين» وكتبت كلام الصور واسم العروسة والعريس وبعضا من ضيوف الحفل البسيط الشيك. بعد صدور  المجلة فوجئت بالأستاذة المحترمة صفية بالحضور إلى مكتبى لكى تشكرنى على النشر وهى فى حالة من التأثر الشديد وتكرر كلمات الشكر والثناء!.

قلت لها: أنا الذى أشكرك كثيرا كثيرا فنحن نعمل فى مؤسسة أخبار اليوم التى أنشأها مصطفى بك والمجلة تشرف بحمل اسم مصطفى أمين وعلى أمين ونحن مدينون بالفضل لأصحاب الفضل!

وقلت لها ما قمت به هو عمل صحفى مهنى، كان يجب أن يتم بهذا الشكل بل أفضل من ذلك بكثير.

نسيت أن أذكر أن رئيس تحرير أحد الإصدارات بالمؤسسة نشر ٢٤ صفحة صور فرح لأحد أفراد أسرته!!

جوائز مصطفى أمين

لو تحدثت عن دور مؤسسة مصطفى أمين وجوائزها الصحفية التى تعتبر من أعلى الجوائز الصحفية قيمة ولا يحصل عليها إلا من يستحقون من الشباب وكبار الصحفيين وتحرص الأستاذة صفية على أن تستمر الجوائز فى مكانتها وقيمتها الرفيعة.. وفى سبيل ذلك خاضت معارك شرسة بهدوء تام لكى تحافظ على تميز هذه الجوائز ومكانتها ولا يحصل عليها إلا من يستحق التكريم.

حاول البعض من داخل لجنة الجائزة من السابقين منح أسماء معينة جائزة مصطفى أمين على غير استحقاق، فتصدت لهم بكل أدب، فما كان من بعض الأعضاء إلا أن أعلنوا لها عن غضبهم وتمسكوا برأيهم، وتم وضع العراقيل أمام القيام بمهمتها الصادقة، نقلت مقر الجائزة وتصدت لمحاولات الإهانة والتهميش بكل أدب وصلابة ولم تشكُ لأحد على الإطلاق!

التسامح قيمة كبيرة تتمتع بها صفية مصطفى أمين تأكدت عندما تعرض بعض من ناصبوها العداء وحاولوا إبعادها وإقصاءها لمحنه إلا أنها لم تتوان عن تأدية الواجب وما تفرضه عليها أخلاقياتها التى تربت عليها وورثتها عن والدها الحاضر الغائب مصطفى بك أمين الذى لا تنقطع دعوات ملايين القراء والضعفاء الذين وقف إلى جانبهم من خلال أعمال الخير التى قدمها لهم والتى مازالت ابنته تواصل رسالته بكل السعادة والرضا والحب.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة