مهند عدلي
مهند عدلي


خطة كبح التضخم..من أزمة التحوط لعدم اليقين الي ثقافة الثقة المشتركة

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 01 فبراير 2023 - 11:47 ص

بقلم مهند عدلي

مع استمرار الأزمة الاقتصادية الراهنة ومع كثرة ما تطرحه من تحديات وما يقابلها من نظريات، إلا أن أي تعامل من أي نوع مع هذه الأزمة يجب أن يرتكز على الابتعاد عن الاتهامات التقليدية والجاهزة لأي طرف، فمن المهم جداً ألا نبحث عن راحة ضمير زائفة، في ضوء التجارب السابقة نجد ان أي أزمة تضخم او نقص في المعروض من السلع يظهر فيها ان الاتهام الأول الجاهز دائما هو جشع التجار وهو ما يعتقده البعض الاتهام المقنع والمريح لكافة الأطراف، ولكنه يظل بعيداً عن الواقع خاصة إذا ما كانت هناك أسباب موضوعية للأزمة كما هو الحال في الواقع الراهن، فالسوابق التاريخية للأزمات أثبتت فشل الاتهامات الجاهزة وما يعقبها من التعامل بمنطق تشديد العقوبات وتقنين التعامل القاسي مع التجار والمخالفين كحل وحيد لهذه الأزمات أو للدقة لتداعيات الأزمات، ويتأكد ذلك اكثر إذا ما كان هناك محيط أوسع للأزمة إقليمياً ..

وللتوضيح ومنعاً للمزايدة فليس المقصود هنا الدفاع عن تاجر مخالف أو مستغل أياً كان بل على العكس أنا من أشد المؤيدين للعقوبات الرادعة لأي تاجر مستغل أو مبتز في كل الأوقات وليس فقط في وقت الأزمات، ولكن ما أحذر منه هو اختصار المعالجة باللجوء إلى الحلول السهلة والاتهام المريح دائماً للتجار بأنهم سبب الأزمة، لأن ذلك يؤدي لإغفال علاج الأسباب الحقيقية من ناحية ويؤثر على منظومة التواصل بين المُنتج والمستهلك من ناحية ثانية وكلاهما يؤدي إلى مزيد من تفاقم للأزمة، لأن آثاره الجانبية قد تؤدي إلى نتائج أكثر كارثية من المستهدف علاجه.

فمن المفهوم أننا في مثل هذه الأزمة الراهنة قد توجد بعض الممارسات - من بعض التجار أو بعض المستوردين أو بعض المصنعين أو حتى العاملين في سوق الصرف - بها شبهة التربح عن سوء نية، إلا أن في هذه الأزمة تحديداً ونتيجة تعدد أسبابها وامتدادها الزمني فإن ثمة حالات مخالفة كثيرة لا تأتي عن سوء قصد أو سوء نية، ولكنها تأتي من منطق مختلف وهو أزمة عدم اليقين.

 فمنذ أن بدأت الأزمة على مدار العشرة أشهر الماضية لا يستطيع أي طرف في أي وقت أن يدعي أنه يملك يقيناً بما تحمله الأيام بل حتى الأسابيع والشهور القادمة في ظل تسارع الأحداث ليس فقط منذ لحظة انفجارها في مارس الماضي، بل ربما منذ بدايات أزمة كورونا وما تلاها من أزمات منظومات الإمداد والشحن العالمية وأزمة الطاقة، وتداعيات كل منها وتداخلها بشكل عميق وبآثار سلبية غير معهودة.  

هذا التسارع جعل جميع الأطراف تسعى إلى محاولة علاج أزمة عدم اليقين بمزيد من التحوط عبر المغالاة في التقديرات المستقبلية للتكاليف والمصروفات، وهو ما انعكس على مغالاة غير مبررة في الأسعار، ومع تعدد الدورات من الخامات إلى المُصنع إلى التجار إلى المستهلك، تعقدت الحلقات وتراكمت التكاليف، وتوحشت الأسعار، لنصبح أمام دائرة مفرغة أدت إلى استمرار زيادة معدلات التضخم، والأدهى أن كل طرف الآن وبعد شهور من التصاعد يرى أنه كان الأصح بإجراءات التحوط الكارثية.

وحتى يمكن وقف هذه الحلقة المفرغة والسيطرة الفعلية والعادلة على الأسعار يجب أن نحاول جميعاَ التوافق على إدراك طبيعة الأزمة وامتلاك ثقافة المواجهة المشتركة بين كافة القطاعات المصنعين والمستوردين والتجار والمواطنين والمؤسسات بقيادة حكومية تعمل على تثبيت هذا الوعي الرشيد كأساس يمكن أن ننطلق منه لأي نظريات أو قرارات اقتصادية بحيث تكون مضمونة ثقافة الثقة المشتركة.

وأعتقد أن التوجه الحالي نحو سعر صرف مرن وحر وصولاً لحالة من الاستقرار سيشكل أرضية جديدة ينطلق منها الجميع لإنجاح السياسات الهادفة لكبح جماح التضخم، والحد من الآثار السلبية، بل وأيضاً لاستغلال الفرص المتاحة بفكر مختلف وأداء أكثر إبداعاً.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة