نجيب الريحانى فى شخصية كشكش بك
نجيب الريحانى فى شخصية كشكش بك


كنوز | الريحاني يروي مشوار السعد مع «كشكش بك»

عاطف النمر

الأربعاء، 01 فبراير 2023 - 05:46 م

منذ أعوام طويلة لا تسلنى عن عددها، كنت موظفا بشركة السكر، ثم فُصلت عندما ضُبطت متلبسا بالبصبصة وقلة الحيا مع المدام حرم الخواجة الذى يترأسنى، نهايته، غادرت شركة السكر إلى قهوة كنا نلتقى فيها ونفترق بعد أن يبعث كل منا الأمل فى صدر زميله بأنه سيصبح فى يوم من الأيام ممثلا مفيش كده، وكان يرأس المجموعة عزيز عيد، ومن أعضائها: إستيفان روستى وأمين صدقى وكاتب هذه السطور، كان «الجرسون رفيقا بنا مطلعا على ظروفنا، فلم يطالبنا فى يوم من الأيام بالحساب، ولم يسألنا فى يوم السؤال التقليدى «تشرب إيه يا بيه ؟»، مرت الأيام والشهور وسأل الخواجة «ينى» صاحب القهوة «إيه دول؟»، فقيل له «أرتست» فقال «ومتلقحين كده ليه ؟»، فقيل له «محتاجين تمويل، عايزين 10 جنيه بس يا خواجة».

فكر الخواجة ثم قرر أنه على استعداد أن يعطينا المبلغ بشرط أن يشرف على صرفه! أستأجرنا المسرح ودفعنا 4 جنيهات والستة الباقية راحت طبع التذاكر والإعلانات وخلافه، واتفقنا على نظام الحصص، فكان لى 31 سهما إيرادها بلغ فى يوم من الأيام ستة قروش ونصف القرش! 

مثلنا يومها رواية «خللى بالك من إميلى» من الفود فيل الفرنسى وأسندوا لى دورا مضحكا، فقلت «يا جماعة أنا مليش فى النوع ده» لكنهم أصروا ونجحت الرواية وبلغ الإيراد 18 جنيها، فأعدنا إلى الخواجة جنيهاته العشرة، وظللنا نقدم روايات «فود فيل» وكانت أدوارى دائما مضحكة، ولاحظت أن هناك من يتساءل «الجدع اللى بيمثل أبو إميلى بيمثل الليلة وال لأ»، وكان المتسائلون إذا عرفوا أننى أمثل دخلوا المسرح وبالعكس، فأخذنى الغرور، وفى إحدى الليالى قال لى الخواجة ينى» الأرتيست اللى بيمثل أبو إميلى.. مافيش كده ابن الكلب دى»! وشكره ابن الكلب.. اللى هوه أنا!

أصبح هناك معجبون بشخصى، فعرضت على عزيز عيد أن يضع أسماء ممثلى الرواية فى الإعلانات لكنه رفض، فتركت الفرقة وتركها بعد أيام بقية أفرادها، وعدت إلى قهوة الخواجة ينى، واختفت الفلوس من حياتى، وكان زميلى إستيفان روستى يهبط عليّ من حين إلى حين، وفى أحد الأيام صفق للجرسون وقال «هات قزازة بيرة يا جدع انت»، وأخرج من جيبه علبة سجائر فاخرة ومد لى يده بسيجارة، فصحت فيه « يا خراب اسود.. قزقازة بيرة مرة واحدة طيب ما تشوف مسألة الغدا الأول»، وعرفت أنه وقع على صاحب كباريه فى شارع الألفى كان بيظهر عنده فى الاستعراضات التى تقدمها الفرقة نظير60 قرشا، فرجوته أن يبحث لى عن عمل بأى أجر، فقال إنهم يبحثون عن ممثل لدور خادم بربرى، والأجر 40 قرشا فى اليوم، فقلت وأنا غير مصدق من هول الأجر «طيب ومستنى إيه يا مغفل.. لايمنى على الدور»، قابلنا الخواجة ومثلت ونجحت وأصبحت من الأغنياء، وانقطعت عن قهوة ينى !!

وذات ليلة تمثلت لى فى المنام شخصية «كشكش بيه» العمدة الذى جاء للمدينة من الريف وانغمس فى ملاهيها إلى أن عرف أن حياة المدن لا تصلح له ولا يصلح لها، قمت من الفراش وكتبت لهذه الشخصية اسكتش فكاهى من فصل بعنوان «كشكش بيه فى مصر» ووضعت به رقص وطرب ومواقف فكاهية، وقدمناه بالفرانكو أراب فنجح نجاحا كبيرا وطلب منى الخواجة أن أكتب غيره فكتبت، وارتفع مرتبى من 14 قرشا فى اليوم إلى 14 جنيها فى الشهر! بفضل كشكش بيه الذى ذقت من نجاحه الشهد، وارتفع أجرى مرة أخرى إلى 314 جنيها فى الشهر، وأصبحت ثريا يلعب بالألوف، ودانت لى الشهرة، لكن النسوان ورايا ورايا، وحواء التى طردت آدم من الجنة هى حواء التى طردتنى من الكباريه وأعادتنى إلى القهوة، فقد ضبطنى صاحب الكباريه فى موقف عاطفى ملهلب مع المدام زوجته، وكان هذا زفت الختام!

استأجرت مسرحا وقدمت النوع اللى صادف النجاح فى الكباريه، وذات يوم حضر لمصر ممثل فرنسى مشهور، ذهبت أشاهد الرواية التى يقدمها ومال عليّ شخص بجوارى يقول «أدى التمثيل اللى يعمر المخ.. مش تخريف وتهجيص الأراجوز كشكش بيه»، وقررت أن أقدم روايات لها موضوع، أتيت برواية عندما مصرتها ومثلتها هوت بى من السماء لسابع أرض، كررتها فى رواية أخرى وامتنع الجمهور عن الحضور، افتقرت، وعدت لقهوة ينى، فوجدت «ينى» آخر مكان الأول، وجرسونا آخر قال لى من اليوم الأول: «تشرب إيه؟»، قلت له وأنا أنصرف «ممنون»، وعدت مرة أخرى إلى كشكش بيه!

نجيب الريحانى «آخر ساعة» - 13 ديسمبر 1944

إقرأ أيضاً|ولا كل من ركب الحصان خيال.. حكاية لعبة «البرجاس» التى أصابت ثلاثة من أعيان مصر بالإفلاس

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة