محمود الوردانى
محمود الوردانى


محمود الوردانى يكتب : المستغنى

أخبار الأدب

السبت، 04 فبراير 2023 - 04:08 م

 

أعرف أننى تأخرتُ كثيرا فى تناول هذا الموضوع، لذا وجب الاعتذار. والسبب أننى أتجنب الهرى ومايسمى بركوب التريند قدر الإمكان، فأمرّ بعينى سريعا دون أن أتوقف، لكننى قرأت بعض السطور بالمصادفة أثارت انتباهي، فتقصيتُ ما كُتب حول أبو النجوم وكونه أرزقيا أو تمتع بعطايا ساويرس.


أكتب هنا عن رجل عرفته جيدا وتشرفت بصداقته، وإن كنت لم أزامله فى أحد السجون المصرية التى طاف بها جميعا على مدى عدة عقود. أستطيع أن أقول بكل اطمئنان عن هذا الرجل الذى التقيتُ به عام 1969 فى حوش قدم أنه نموذج للمستغني. لم يرد شيئا ولم يحلم أو يطلب أو يتمنى.

سَكَن فى حوش قدم وفى حجرة بمنافعها يعرفها الكثيرون، ولم يغادرها إلا بعد زلزال 1992 إلى المقطم فى المساكن الشعبية التى خصصتها الحكومة لمن تهدمت بيوتهم فى الزلزال.


نجم معروف لنا جميعا وظاهره مثل باطنه. فاجومى لايخشى أحدا. ليس لديه إلا جلابيتين أو تلاتة وبعض الغيارات الداخلية وشبشب. فقط لاغير. أكتب عن الشاعر الذى عرفته. لم يكن يدرك أنه «مستغني» أصلا، ولم يكن يحترم الفلوس أصلا، وعندما يحصل على أجر إحدى أغانيه أو قصائده، يسارع بتبديد ما حصل عليه على من حوله فورا.. وقد شاهدت هذا بنفسى.


وأذكر على سبيل المثال أننى أمضيت، سهرة بصحبته وبصحبة الشيخ إمام عام 1980 على الأرجح فى منزل صديقنا عبده جبير فى السيدة زينب. عاد الجميع إلى بيوتهم بما فى ذلك الشيخ إمام. وعندما استيقظت ظهرا، لم أجد إلا نجم. لم يكن معى أو معه أى نقود، ولم تكن هذه مشكلة على الإطلاق، فقد شربنا الشاى ونزلنا معا. 


ففكّر نجم قليلا فى مكان نقصده، وعبرنا من أمام دار الهلال وواصلنا طريقنا حتى شارع قصر العيني. أعرف جيدا أن نجم لم يرتّب لذلك، لكننا وجدنا مبنى روز اليوسف أمامنا. ومنذ وصلنا مكتب الاستقبال فى الطابق الأول والناس يرحبون بنجم ويحتضنونه.

ونزل كثير من المحررين واصطحبونا إلى مكاتبهم بما فى ذلك الحاجة سعاد التى كانت مديرة إدارية وتعرف نجم جيدا، فالجميع كانوا يعرفون نجم.  الجميع كانوا يحبون أبو النجوم لأنه مستغنى ولأنه جدع وابن بلد ونفسه  عزيزة ومحترم .


وجائوا لنا بسندويتشات وشاى وسجائر، وعدنا سائرين على أقدامنا إلى حوش قدم. لم يحتج أبو النجوم لنقود فى حياته، فقد سارع بالتخلص من مبلغ باهظ ( أظن أنه يقترب من مليون جنيه) تلقاه بعد حصوله على جائزة الأمير كلاوس

وكذلك كنت أنا شاهدا على رحلة ضمتنا معا إلى ليبيا كضيوف على معرض الكتاب فى طرابلس، ورأيت كيف يستوقفه الناس فى الشوارع ويرحبون به، وكيف كان مستغنيا طوال الوقت. 


واحتقر أبو النجوم الفلوس مثلما احتقر المنصب والجاه والشقق والملابس، واحترم الشعر والموقف والكلمة والدفاع عن « الشعب». نعم الدفاع عن الشعب بكل بساطة ودون جعجعة أو ضجيج. الدفاع عن اختياراته حتى اللحظة الأخيرة. لم يكن نجم أرزقيا لساويرس أو غير ساويرس. نجم كانت له أياد بيض على الجميع، والمئات تمتعوا بكرمه وجدعنته كابن بلد.


ونجم المستغنى الكبير وراءه كثيرون يتشرفون بالدفاع عنه ولايسمحون بالنيل منه لمجرد أنه مات، أبو النجوم. الفاجومى . الشاعر الكبير. المستغنى. هذا هو نجم الذى لن نسمح بالمساس به.

اقرأ ايضاً | انقسام حول رفضه جائزة ساويرس .. قنبلة «شادى لويس» تثير الجدل

[email protected]

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة