عبدالله البقالي
عبدالله البقالي


حديث الأسبوع

إعمال العدالة وليس التستر فى شعار المساواة

الأخبار

السبت، 04 فبراير 2023 - 06:42 م

بغض النظر عن الحقائق العلمية المتعلقة بالتغير المناخى، ومدى قدرتها على إقناع الناس بما يجرى و يحدث. وبصرف النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بمحاولة الإلهاء عن القضايا الجوهرية التى تهم المجتمع البشرى، فإن المعطيات والحقائق التى تتناسل تباعا فيما يخص هذه المعضلة، تكشف عن حجم المسئولية التى يتحملها الكبار المتسببون فى تدهور أحوال المناخ فى الكون، ويدفع ثمنها غاليا الضعفاء الذين لا مسئولية لهم فيما يحدث.

فى هذا السياق فجرت دراسة حديثة حول انعدام المساواة فيما يتعلق بأزمة المناخ نشرها قبل أيام قليلة من اليوم مركز أبحاث مشترك تابع لمدرسة الاقتصاد بباريس، و إلى جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حقائق صادمة حول انعدام ما يصطلح عليه حاليا ب (العدالة المناخية). حيث تؤكد الدراسة أن الدول التى لا مسئولية لها فى تردى أوضاع المناخ فى العالم، هى الأكثر تضررا من التداعيات .

و تشير فى هذا الصدد إلى أن 10 بالمائة من سكان العالم الأكثر ثراء مسئولون بصفة مباشرة عن 48 بالمائة من الانبعاثات فى العالم. و أن 11 بالمائة من هؤلاء يتسببون فى 17 بالمائة من انبعاثات الكربون، فى حين لا يتجاوز معدل ما يتسبب فيه الفقراء الأقل حظا فى الحياة 12 بالمائة. وأن 1 بالمائة من هؤلاء يلقون ب 101 طن من النفايات العضوية للشخص الواحد منهم سنويا ، مقابل ستة أطنان فقط لدى الأشخاص الأكثر فقرا. و تفصل الدراسة فى المعطيات حينما تؤكد أن معدل البصمة الكربونية لدى المواطن الأمريكى تضاعف عشر مرات نظيرتها لدى المواطن الهندى مثلا. و أن معدل البصمة أو الأثر الكربونى لدى المواطن فى أمريكا الشمالية هى الأكثر ارتفاعا فى العالم بمعدل 69 طنا من انبعاثات الكربون للشخص الواحد مقابل 10أطنان بالنسبة للمواطنين الاكثر فقرا فى العالم .كما أن الأغنياء فى الصين مثلا يتسببون فى كمية انبعاثات الكربون تصل إلى 38 طنا للواحد منهم، بمعدل يفوق 13 مرة ما يتسبب فيه الأشخاص الأكثر فقرا. والأدهى من ذلك، يكشف معدو الدراسة أن نصف سكان العالم الأقل دخلا يتحملون 75 من الخسائر المرتبطة بدخلهم المالى، فى حين أنهم الأقل قدرة مالية أصلا. و أن ثلاثة أرباع هذه القدرة تتمركز لدى 10 بالمائة من سكان العالم. و تشدد الدراسة على تفنيد الادعاء بأن جميع دول العالم مسئولة عن ارتفاع أخطار تغير المناخ و خصوصا الاحتباس الحرارى، بما فى ذلك دول العالم الثالث.

وتعتبر أن الهدف من هذا الادعاء يكمن فى محاولة الدول الكبرى التملص من مسئوليتها عما يحدث . و تنبه الدراسة فى هذا الصدد إلى أن رهان مواجهة الاحتباس الحرارى يرتبط أشد الارتباط بضمان الرفع من الدخل الفردى فى العالم. و تشير فى هذا السياق إلى أن معدل دخل فردى لا يقل عن 5٫5 دولار يوميا لجميع الأشخاص فى العالم، من شأنه تحسين مستويات العيش بالنسبة لأكثر من ثلاثة مليارات شخص فى العالم، و هذا كفيل بالرفع من قدرتهم على مواجهة التداعيات و تخفيض الأخطار المرتبطة بهذه الأزمة .

الحديث هنا الواضح على إشكالية من أهم الإشكاليات المرتبطة بأزمة المناخ فى العالم، التى تجتهد العديد من الأوساط الغربية بالخصوص، على تغييبها والتستر عنها. وتتمثل فى إشكالية ما أضحى يصطلح عليه ب (العدالة المناخية)، حيث تتحمل الغالبية من سكان العالم تكلفة التداعيات و هم لا مسئولية لهم فى الأسباب الحقيقية فيما يحدث. و حيث يجتهد البعض من ذلك الغرب فى حصر أزمة المناخ فى إطار أزمة بيئية بحثة، أو فيزيائية صرفة، بيد أنها قضية سياسية واقتصادية و أخلاقية شاملة، و أن معالجتها والتصدى لها يجب أن تعتمد وتنطلق من المقاربة الشاملة التى تعتبرها أزمة مركبة تتفاعل فيها العديد من العوامل السياسية و الاجتماعية والاقتصادية، وما يترتب عن ذلك من مراعاة للحقوق الاجتماعية لجميع البشر. ومن قناعة واضحة تفرض إعمال العدالة، وليس المساواة فقط، فى ترتيب المسئوليات. بمعنى ليس من المنطق فى شيء تحميل أسباب ما يحدث لجميع البشر بالمساواة، بل العدالة تفرض أن يتحمل كل شخص، وكل جهة، تكلفة التصدى والمعالجة بحجم مسئوليته عما يحدث . و هكذا فإن العدالة المناخية تحتم تحميل الدول الغنية ذات الاقتصادات الكبرى، المسببة لتدهور أحوال المناخ المسئولية الكاملة عن الأضرار التى تطال الدول الفقيرة التى لا مسئولية لها فيما يحدث .

تقرير سابق صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أكد أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون فى مناطق شديدة التأثر بتغير المناخ، ويتعرضون لتأثيراته السلبية من خلال الفقر والهشاشة الاجتماعية والأمراض و تراجع منسوب المياه النظيفة و جودة الهواء. وأن هذه التأثيرات جعلت الوصول إلى الغذاء والمياه النظيفة فى غاية الصعوبة. وأن شخصا واحدا من كل ثلاثة أشخاص من هؤلاء يتعرضون لإجهاد حرارى مميت، ومن المرجح أن يرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أشخاص من كل أربعة إلى هذا المصير. وهذا يعنى مزيدا من المآسى فى أوساط شعوب لا مسئولية لها فيما تسبب فيه آخرون يكدسون الأموال والمصالح والمنافع ، مما تقترفه أنشطتهم الصناعية والتجارية من جرائم فى حق البشرية جمعاء.

 نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة