الأحد، 05 فبراير 2023 - 12:39 م

أحمد الجمَّال

عشق التمثيل يراود الكثيرين، وهو ما دفع مجموعة من الشباب من أبناء حى عابدين لتشكيل فرقة مسرحية شعبية قبل نحو 59 عامًا، وقدموا عروضهم على خشبة مسرح عابدين، وجرى استقبالهم بحفاوة كبيرة فى نفس المكان الذى كان قبل ثورة يوليو 1952 يضم حمَّام السباحة فى حديقة الملك فاروق، والذى كان يستمع فيه إلى الموسيقى فى أحضان عشيقاته.. «آخرساعة» استعرضت تفاصيل هذا المشروع الثقافى الفنى على صفحاتها عام 1963، وفى السطور التالية نعيد نشر ذلك التقرير بتصرف محدود:

حديقة قصر عابدين أصبحت مركزًا لنشاط الشباب والأطفال والسيدات فى حى عابدين بعد أن فتحت  أبوابها وهدمت أسوارها العالية التى كانت تحجبها عن الشعب بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر.
وفى الأسبوع الماضى اجتمع خمسة آلاف مواطن من سكان عابدين ليحتفلوا بمرور عام على افتتاح مركز شباب عابدين الذى امتص كل نشاط الشباب فى المنطقة وحوله إلى ندوات ثقافية ومباريات رياضية وتمثيل وموسيقى وفنون شعبية.

«آخرساعة» التى تبنت المطالبة بافتتاح الحديقة لأهالى عابدين منذ عامين والتى سجلت فرحة المواطنين بقرار الرئيس، تقدِّم اليوم صورة حية صادقة عن الأنشطة التى جرى إطلاقها فى كل مجال بمركز الشباب بعابدين.
لقد تشكل مجلس لإدارة المركز من أبناء الحى من العمَّال والطلاب والنساء والفتيات والأشبال الصغار يرأسه حسين البليدي، عضو مجلس المحافظة، وأول مَنْ طالب باسم أهالى المنطقة بهدم السور، أما السيدة مادلين عزيز وهى أم من عابدين فإنها تحضر كل يوم متطوعة لتطهو الطعام لأطفال الحضانة بالمركز لتمثيل حى عابدين أصدق تمثيل.. وفى هذا الجو المشبع بروح الديموقراطية انطلقت طاقات الأهالى المبدعة فى كل اتجاه فنى أو رياضى أو تعاوني.

وفُتح حمّام السباحة، الذى كان يلهو فيه فاروق (ملك مصر السابق) مع عشيقاته، لأبناء بالشعب كما قال حسين البليدى رئيس المركز، وتكوّن من أبناء الشعب فريق للسباحة وآخر لكرة القدم والسلة والكشافة والمصارعة والملاكمة والفنون الشعبية والتمثيل والرقص الشعبى والغناء الجماعى (الكورال)، ويشرف على نشاط الشباب فى المركز مجموعة من طلاب وطالبات معهد الخدمة الاجتماعية متطوعين لممارسة تجاربهم عمليا فى بيته فى حى عابدين، وعلى رأس الطالبات ميسون رويحة وهى فتاة سورية من أسرة مكافحة هربت من جحيم الانفصال لتعيش فى بلد القومية العربية مع إخوانها المصريين والمصريات، وهى تشرف على تنظيم الحفلات بالمركز، بينما يشرف على أعضاء فريق الفنون الشعبية أستاذ فى المعهد العالى للتربية البدنية وخريج معهد الموسيقى العالى ومعهد التمثيل طوسون رشدى الذى يشرف على جميع الفرق الفنية والذى أخرج رقصات شعبية لفرقة الفنون أدوها على ألحان شعبية من تلحين طوسون رشدي.

وقدمت فرقة الفنون الشعبية فى قاعة الاحتفالات بالمركز رقصة رمضان ورقصة التحطيب بمناسبة مرور عام على افتتاح المركز وظهرت نجوم جديدة من بين صفوف الشعب ومن حوارى عابدين تقدم لوحات رائعة من الرقص الشعبى والتوقيعى مع ألحان طوسون رشدى المصرية المنبثقة من البيئة الشعبية المحيطة بقصر عابدين.. وتحوَّل جزءٌ من حديقة القصر الكبيرة التى تبلغ 16 فدانًا إلى دار للحضانة لأطفال الموظفات والعاملات من أبناء الحي، وأنشأ شباب المركز مجلة تعبِّر عن نشاطهم بأقلامهم وتستعرض النشاط الثقافى والرياضى والاجتماعى والفنى بحى عابدين. كما يعِد المركز درسًا دينيًا كل يوم جمعة، ويقدِّم جائزة للأطفال الذين يحفظون القرآن ويتبنى المركز دراسيًا أحسن طفل يواظب على الشعائر الدينية.
ويزور المركز كل ضيوف القاهرة الأجانب والعرب ليروا صورة من المجتمع الجديد والانطلاق الثورى الخلاق وكيف أصبح قصر فاروق وحمّام فاروق وحديقة فاروق التى كان يستمتع فيها بعشيقاته وخليلاته، بيتا للشعب ومركزا ثوريا لتدريب الشباب وصقله فنيًا واجتماعيًا ورياضيًا، وأصبح حمّام السباحة الأنيق لأبناء الشعب من العمال والموظفين.. وكيف أصبحت الحديقة الكبرى التى كان يستمع فيها للموسيقى ملاعب ومصلى لأبناء الشعب، يعزفون أنغامهم الشعبية ويمارسون فيها أنواع الرياضة المختلفة والرقص الشعبى والشعائر الدينية.
وعادت الأسوار العالية التى حجبت النور والحياة عن أصحابها تنحنى تحت أقدام أصحاب الأرض الحقيقيين من العمال والأطفال وربات البيوت لتمنحهم الأمل فى الغد المشرق الذى ترف عليه راية مصر.

(«آخرساعة» 15 مايو 1963)

اقرأ أيضأ : قصر واستراحة الملك فاروق.. تراث من الفخامة بإسنا | فيديو