عقار الفنتانيل
عقار الفنتانيل


فى أمريكا| جنون «الفنتانيل» بلا حدود .. الجمارك تضبط 380 جـرعـة وتصفها بأنها كافية لقتل الأمريكيين

أخبار الحوادث

الأحد، 05 فبراير 2023 - 01:39 م

دينا جلال

 على مدار العامين الماضيين انشغل الامريكيون في أحداث وحوادث عصيبة منها حوادث إطلاق النار العشوائية، حرب الشوارع والجرائم والسرقات العلنية، استهداف رجال الشرطة بسبب الحوادث العنصرية، بين هذه الاحداث وغيرها تسلل عقار مخيف وقاتل إلى كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وتحول الفنتانيل الى خطر وجودي يحصد أرواح ضحاياه دون رحمة، وتخطت أعدادهم ضحايا الحروب في افغانستان والعراق وكذلك ضحايا حوادث الطريق والجرائم المتنوعة، كما اصبح العنصر الخفي وراء أى سلوك إجرامي.
يثير عقار الفنتانيل الكثير من التساؤلات حول رحلته من عقار طبي يوصف بعقار الامل الذي ينقذ آلاف الأرواح كل عام إلى عقار قاتل صامت مسئول بنسبة كبيرة عن وفاة ما يصل إلى مائة ألف ضحية في عام واحد فقط وفقًا لإحصائيات عام 2021 وهم أكثر من مجموع ضحايا السلاح وحوادث السيارات وضحايا الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق وفيتنام.
الفنتانيل مادة أفيونية صناعية شديدة القوة والتأثير،  يُصنف في الولايات المتحدة الامريكية كمخدر من الجدول الثاني أى أنه ليس محظورًا نظرًا لدخوله ضمن الاستخدامات الطبية، وهو مستحضر دوائي او اقراص مخدرة صناعية بدأ استخدامها كمركبات مسكنة ومخدرة لعلاج الألم المزمن أو عملية التخدير قبل الخضوع لعمليات جراحية، وهو اقوى مائة مرة من المورفين واقوى خمسين مرة من الهيروين وغالبًا ما يضاف إلى الهيروين لأنه أرخص سعرًا واقوى تأثيرًا.

رحلة الفنتانيل من مسكن آلام إلى مخدر قاتل

ترصد وكالة مكافحة المخدرات تاريخ وتطور الفنتانيل الذي تم تصنيعه في بلجيكا في الخمسينيات من القرن الماضي لمساعدة مرضى السرطان في مكافحة الألم، استخدمه باول جانسين للمرة الاولى في عام 1960 بعد سلسلة من التجارب السريرية لضمان استخدامه كمخدر عام له اسماء طبية متنوعة لتقليل آلام مرضى السرطان، وفي منتصف التسعينيات تم طرحه بشكل واسع كمسكن للآلام وعلاج تلطيفي لمرضى السرطان ويتخذ اكثر من صورة مثل الاقراص الدوائية أو حقن بالوريد او على شكل محلول مع مخدر موضعي للتأثير المباشر على الجهاز العصبي المركزي أو حبوب للمص او بخاخ تحت اللسان لعلاج مرضى السرطان، كما يسمح باستخدامه  للأطفال لعلاج وتحمل الآلام المتوسطة والشديدة، وفي عام 2013 ازداد انتشارًا في العالم ليتم التعامل معه بمحاذير وتعليمات مشددة خوفا من استخدامه خارج دائرة العلاج والتخدير حتى لا يسبب الوفاة بسبب الاستخدام الترفيهي أو الاستهلاك غير الطبي ليدخل ضمن دائرة الادمان.
في عام 2014 انكشف الجانب الآخر من مخدر الفنتانيل لتصدر وكالة الأدوية ومنتجات العناية الصحية تحذيرات شديدة الخطورة حول أضراره التي تهدد الحياة نظرًا لقوته الشديدة بعد أن أصبح شائعًا بين متعاطي المخدرات وتسبب في تعرض حياة البعض للخطر عن عمد أو دون قصد، فمخاطره لا تتوقف على متعاطيه فقط وانما تسبب في وفاة عدد كبير من الاطفال والرضع بمجرد التعرض بالشم أو التلامس للمادة القاتلة التي يتعاطاها الآباء ليلقون مصرعهم في الحال.
ازداد الامر سوءًا وتزايد انتشار الفنتانيل على مدار العامين الماضيين بالتزامن مع وباء كوفيد حيث تسببت حالات الإغلاق في تزايد الشعور بالملل والبحث عن عقار سهل التداول والانتشار وارخص سعرًا ليغرق متعاطيه في إدمانه دون تحكم او سيطرة.

استيراد صينى.. صناعة مكسيكية.. سوق أمريكى

ترصد التقارير الامريكية مسار كارثة الفنتانيل وكيفية وصوله إلى أراضيها لحصد أرواح الأمريكيين، وتشير أ صابع اتهام أجهزة الأمن الأمريكية إلى الصين لتتهمها بإنتاج المادة الاساسية للفنتانيل رخيصة الثمن وتقوم شركات صينية غامضة بإرسالها إلى عصابات المخدرات فى المكسيك التى تقوم بتصنيعه ، ومن هنا يتحول الفينتانيل إلى أقوى مادة أفيونية تتسبب في قتل شخص واحد كل سبعة دقائق، ومع ذلك لا يقوى المسئولون على إيقافها.

تتمثل خطورة الفنتانيل في سهولة تصنيعه وانتشاره بدءًا من تهريبه عبر الحدود الأمريكية المكسيكية؛ حيث  تتولى عصابتى سينالوا كارتل وجاليسكو كارتل مهمة إنتاج وتصنيع الفنتانيل، رصدت المخابرات الامريكية اماكن المعامل والمختبرات المتخصصة في شمال غرب المكسيك؛ حيث يجري خلط العقار المصنع وإعادة تشكيله وضغطه في صور متعددة حتى يسهل ترويجه للاستخدام الشخصي نظرًا لصغر حجمه، ويمكن إرساله في البريد كما يتم خلطه بالهيروين واحيانًا لا يدرك متعاطيه انه الفنتانيل ويمكن أن ينتج عن كيلو واحد فقط منه مئات الآلاف من الحبوب التي تقدر قيمتها بالملايين.

تتنافس شبكات التهريب المكسيكية في ابتكار حيل متنوعة لتخطي الحدود المكسيكية الامريكية حيث يُسهل حجم الفنتانيل مهمة التهريب عبر الحدود ويقوم حراس الجمارك وحماية الحدود الأمريكية باكتشاف الحبوب مخبأة في طرود صغيرة في ملابس المهربين، ويعتمد المهربون على المهاجرين من المكسيك إلى ولاية اريزونا؛ لتهريب اكبر قدر ممكن من العقار القاتل ومنها يصل إلى أسواق البيع بالجملة في قلب امريكا وتحديدا في لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو ولاس فيجاس وشيكاغو ونيويورك ومدن أخرى في الساحل الشرقي، وقامت السلطات الأمريكية من قبل بمصادرة 33 كيلوجرامًا من الهيروين و2 كيلوجرام من الفنتانيل تم تهريبهم داخل تمثال إلى نيويورك.
وحذرت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية من خطورة العقار وسرعة انتشاره وخاصة بين المراهقين في بيان جاء فيه؛ «حبة واحدة يمكن أن تقتل ويتم بيعه في حبوب ومساحيق متعددة الألوان يُطلق عليها احيانا «قوس قزح فنتانيل» ويتم تسويقه على وسائل التواصل الاجتماعي للمراهقين والشباب بسهولة، وأطلقت الوكالة رسالة تحذيرية إلى سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية تشير إلى انتشار ما يسمى بحفلات «الجرعات الزائدة الجماعية» على مستوى البلاد ويتم فيها التنافس لزيادة الجرعات بين الشباب وينتهي الحفل بحوادث وفيات جماعية من الجرعات الزائدة ووقع حادث بالفعل بعد تعاطي 21 شخصًا جرعة زائدة فى ملجأ للمشردين فى تكساس بعد تناول الكوكايين مضاف إليها مادة الفنتانيل ليتوفى ثلاثة اشخاص في ليلة واحدة.

ضحاياه تخطوا عدد ضحايا الحروب والحوادث في عام واحد

 في بداية العام كشفت إدارة مكافحة المخدرات ضبط كمية هائلة من الفنتانيل تكفي لقتل جميع الأمريكيين وذلك بعد قيام مسئولي الجمارك وحماية الحدود الأمريكية بتفتيش قطار لحظة وصوله إلى نوجاليس بولاية أريزونا وتم ضبط أكثر من 50 مليون حبة من مخدر الفنتانيل وأكثر من 10 آلاف رطل من مسحوق الفنتانيل، وأشارت الإدارة إلى أن المجموع وصل لأكثر من 379 مليون جرعة من المخدر القاتل ووصفتها بالكمية الكافية لقتل جميع الأمريكيين أو 330 مليون شخص يعيشون في امريكا، وهى أكثر من ضعف المضبوطات التي تمت مصادرتها في عام 2021.

مع بداية العام ايضا تصدر المكسيكي اوفيديو جوزمان، 33 سنة، عناوين الصحف العالمية بعد اعتقاله على يد القوات المكسيكية بعد سنوات من البحث عنه، لأنه أهم المطلوبين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أهم أبناء امبراطور المخدرات المكسيكى، خواكين جوزمان المعروف باسم ال تشابو، وهو ضمن اربعة اشخاص تبحث عنهم امريكا وتطرح مكافأة تصل إلى 20 مليون دولار لمن يدلى بأى معلومات خاصة عنهم.
تسبب اعتقال اوفيديو، زعيم كارتل سينالو في خروج الامر عن السيطرة بسبب انتقام العصابات وفتح دائرة عنف ودماء وتهديد بحرق مدن مكسيكية كاملة؛ ليتحول الامر إلى اشتباكات بالأسلحة النارية وإقامة حواجز على الطرق وخطف السكان واستهداف الشرطة بالإضافة إلى اغلاق المدارس والمطارات فى جميع أنحاء كولياكان، وهى المدينة الرئيسية بولاية سينالوا المكسيكية دفاعا عن اوفيديو تاجر الموت الشهير الذي سبق له الهرب في عام 2019 بعد اشعال مدينة كاملة في اعمال شغب سابقة، وهو سيناريو تكرر مع والده ال تشابو، امبراطور المخدرات الذي نجح في الهرب من السجون المكسيكية مرتين في حوادث عنف وشغب خرجت عن السيطرة إلى أن نجحت السلطات الأمريكية في نقله إلى سجونها ومحاكمته على اراضيها.

تسعى الإدارة الأمريكية إلى المزيد من الضغط على المكسيك لتسليم زعماء وعناصر العصابات المكسيكية دون الاكتراث إلى ضعف السلطات المكسيكية امام حالة الفوضى بسبب إلقاء القبض على زعماء يمتلكون شعبية وسطوة في مدن كاملة، وتؤكد آن ميلجرام، مديرة إدارة مكافحة المخدرات الامريكية هذا الامر في بيانها: «تتمثل أولوية إدارة مكافحة المخدرات في هزيمة اثنين من عصابات المخدرات المكسيكية - عصابات سينالوا وخاليسكو - المسئولة بشكل أساسي عن الفنتانيل الذي يقتل الأمريكيين اليوم، وهو المادة الأساسية التي تغذي أزمة المخدرات في أمريكا وتستهدف الفئة العمرية من 12 إلى 17 سنة، وتبين أن 92 في المائة ممن تناولوا جرعة زائدة قاتلة تعاطوا الفنتانيل، وهو الامر الذي اكدته دراسة الشهر الماضي لتشير إلى أن وفيات المراهقين من جرعات زائدة من الفنتانيل تضاعفت ثلاث مرات على مدار العامين منذ بدء وباء كوفيد.

من ناحية اخرى بدأت تحذيرات إنفاذ قوانين المخدرات في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركات التي تتنافس لتوزيع مسكنات الألم التي أسهمت في كارثة إدمان الفنتانيل الأكثر فتكًا والاصعب في السيطرة، وأصدرت إدارة مكافحة المخدرات تحذيرًا للسلامة العامة، محذرة من ارتفاع حاد في الادوية المغشوشة التي تحتوي على الفنتانيل التي تباع في جميع أنحاء البلاد، وقالت إن العديد من هذه الحبوب صناعية لتبدو تمامًا مثل الأدوية الموصوفة من الأطباء.

مخدر الموت وراء أغرب الحوادث في أمريكا

في يناير فقط شهدت الولايات الامريكية عدة وقائع تكشف خطورة مخدر سهل التداول وسريع الانتشار؛ في مدرسة اعدادية بولاية نيوجيرسي تم القبض على مدرس بعد تعاطيه جرعة زائدة من المخدر امام الطلاب وسقط فاقدا للوعى على أرضية فصله الدراسي، كشفت فوكس نيوز تفاصيل واقعة إفاقة المدرس فرانك طومسون، 57 عامًا، وإنقاذه في واقعة تكشف مدى خطورة انتشار المخدر القاتل ويواجه المدرس المحاكمة بتهمة حيازة مادة خطرة تخضع للرقابة وتعريض الاطفال للخطر وحيازة عقارات مخدرة.

حادث آخر شديد الغرابة  وقعت احداثه فى محطة سكة حديد بمنطقة بورتلاند حيث اقدم طالب جامعي يدعى كورين كريمر -25 سنة- وهو رياضي سابق شهير في نيوجيرسي، بالاعتداء على رجل مسن عمره 78 سنة وقام بقضم اذنه لينزف دماءً وترك جزءا من جمجمته واضحًا أما عن السبب وراء الحادث فهو اعتقاد كريمر أن الرجل المسن ما هو الا روبوت وشعر بالخوف من محاولته الاعتداء عليه فاعتدى عليه محاولا الدفاع عن نفسه، اما السبب الرئيسي وراء الحادث الغريب هو تعاطي كورين حبوب الفنتانيل التي غيرت مسار حياته من حارس مرمى ناجح إلى شخص تم طرده من منزله ليتواجد مع اكثر 700 شخص في مخيم للمشردين.
واقعة اخرى تسببت في وفاة ممثل شاب يدعى تايلر ساندرز عمره 18 سنة بسبب جرعة زائدة من الفنتانيل، وكشف تقرير تشريح جثته؛ أن تايلر كان له تاريخ في تعاطي المخدرات كما افصح لأصدقائه انه اعتاد تناول الفنتانيل وفشل في التوقف عنه.

في ولاية ماريلاند، تلقت ام عقوبة السجن خمس سنوات مع خضوعها للمراقبة خمس سنوات اخرى بتهمة القتل غير العمد بعد مقتل ابنها البالغ من العمر شهرين بالمخدرات القاتلة بسبب ملامسته العقار ليلفظ انفاسه الاخيرة خلال لحظات وهو ما اعترفت به الام امام المحكمة لتتلقى العقوبة.
وفي ولاية تكساس ألقت السلطات القبض على مضيفة الطيران تيريز وايت متهمة بتهريب الفنتانيل عبر خطوط الولاية بعد العثور عليها مع 3 رطل من المخدر مربوطة داخل ملابسها أثناء خضوعها لفحص إدارة أمن النقل وهو فحص عشوائي كشف عن حيازتها للمخدر القاتل وتواجه تهمة توزيع ونقل عقار مخدر في تهمة تصل عقوبتها للسجن 20 عاما.

أقرأ أيضأ : بعد ظهور العدوى الفطرية المميتة «حمى الوادي».. مخاوف من تفشي الوباء في الولايات المتحدة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة