مينا عادل
مينا عادل


أسامة فاروق يكتب : مينا عادل جيَد: «جزيرة إلخ إلخ» ابنة تجربة العزل والوحدة

أخبار الأدب

الأحد، 12 فبراير 2023 - 02:27 م

بخيال خصب ووعى بالميراث العربى -والغربى أيضاً- الغنى بالحكايات والأساطير الشعبية يبتكر مينا عادل جيد عالماً جديداً «عالمًا خرافيًّا متكاملًا مستقلًّا؛ له ثقافته ودينه وتاريخه وسياسته وجغرافيته واقتصاده وأحلامه». فى رواية «جزيرة إلخ إلخ» الصادرة مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية لا يكتب مينا عن بطل واحد بفكر واحد وحيرة واحدة، بل عن توائم ملتصقة بجسد واحد ورأسين، ولا يكتفى فلا يجعلهما على وفاق دائم! لم يبحث مينا فقط عن فكرة جديدة لروايته بل ضاعف مهمته، فطعم عمله بشخصيات مزدوجة تصعب دوره كراو مضطر لاختراع لغة تناسب عالمه المبتكر. 


نقرأ عبر ثلاث مغامرات لافتة فى تفاصيلها ولغتها حكاية جزيرة إلخ إلخ وسكانها من التوائم الملتصقة. رحلة دائرية يبدؤها «طفو» بحثا عن سر مادة مجهولة وجدها فى جوال تركه عنده عجوز كأمانة، يحاول فك شفرتها في: مركب الرحالة، وصومعة الفيلسوف، ومرصد الفلكى، ومغارة المنجمة، ومعمل الخيميائى.

وفى الجزء الثانى نتابع رحلة ابنته التى تخرج للبحث عنه فيأخذها ولى عهد الحاكم فى رحلة مغايرة للبحث عن حب حياته فى جزيرته التى لا يعرف عنها شيئاً.

وأخيراً نرافق «ميجو» الشاعر العجوز وصاحب الجوال فى رحلة بحثه عن مهر زوزو قبل أن يعود ليترك جواله فى حوزة «طفو».


نتابع عالم الجزيرة بأحيائه الراقية والمتأرجحة والجائعة، بسكانه المنشغلين بالتدين الشكلى والخرافات والعلم الذى لا ينفع، بنخبته المشتتة وأوهام مثقفيه، بكباره المغيبين الممتلئين بذواتهم، حكايات فى سطحها العبثية والفنتازيا والسخرية وفى طبقتها الأعمق يكمن السؤال الأهم: مدى قرب ذلك العالم من عالمنا.

 

ولد مينا فى منطقة شعبية بمدينة المنيا، سجل جوانب منها فى المتتالية القصصية «نواحى البطرخانة» أول أعماله الأدبية، ينتمى لأسرة «صنايعية»، عمل فى طفولته مع والده لكن السرحان عطله عن تعلم الصنعة، فأحالوه للعمل مع عمه فى النجارة لكنه فشل مجدداً.

علاقته بالكتابة بدأت مبكراً، كان حلمه أن يصير شاعراً غنائياً، لكن فى تلك الفترة المبكرة من حياته كان يتجنب مصطلح (شعر) لغموضه على جمهوره حينها، وكان يُسمى ما يكتبه «أغانى»، يقول: كنت غزير الإنتاج فى مرحة الإعدادية والثانوية.

كنت أؤلف ألبوماً غنائياً كاملاً فى يوم واحد، كما كانت تشغلنى بعض الموضوعات الدينية، فى شكل ترانيم، وموضوعاتها كانت تناسب جِدًّا الشعور الدينى العميق بالذنب بمرحلة المراهقة.

ولى محاولات لمطاردة مطربين سواء فى زياراتهم للمنيا أو رحلات مطاردة جئت لها القاهرة خصيصًا وأنا فى الجامعة.

ولم يجد حوله من يهتم بالثقافة ولم تكن هناك مكتبات يقرأ فيها أو يستعير منها «فضلاً عن كونى أول كاتب أعرفه فى حياتى، كنت أول قارئ أراه» لكن ومع دخول الإنترنت تبدلت الأمور ووجد مينا «كنزه المعرفى».

وثقف نفسه بنفسه من الكتب المقرصنة على الإنترنت، ثم درس الصحافة فى كلية الآداب بجامعة المنيا ومن هناك بدأ اهتمامه بالمقال الصحفى، ثم بعد استقراره فى القاهرة والذى بدأ منذ 2017 التحق بدبلوم الدراسات العليا فى التنمية الثقافية جامعة القاهرة.

ومن هنا بدأت رحلة مغايرة «بعد ترتيب معارفى فى نسق فكرى واضح، اتخذت كتابتى طريقًا أخر، وأخذت الكتابة بجدية أكثر من أى وقت مضى».

هنا يتحدث مينا عن رحلته بتفصيل أكبر.. فى معرض الكتاب 2019 شاركت بكتاب واحد، حاليا أصبح لديك 6 أعمال.. كيف حدث هذا فى هذه المدة القصيرة؟ وكيف تخطط لنشر أعمالك بشكل عام؟ الواضح أنك لست من أنصار التمهل فى النشر.

لأننى كنت أخشى الموت طوال فترة كورونا، أظن جملة «لست من أنصار التمهل فى النشر» تحمل فى طياتها شبه اتهام، فى العموم أنا أقبله وهو سؤال مشروع ومفهوم طبقًا لتوقيت نشرها.

ولكن يجب أن يكون الحكم على جودة المنشور وليس على المدة التى كتب فيها، وأظن أن أعمالى لها نصيب من الجودة وإلا ما كنت تجرى معى حوارًا صحفيًّا الآن.

سأحكى لك الحكاية لأول مرة لأنك أول من سأل؛ كانت عشريناتى متخبطة، صدر لى فيها كتابان؛ الأول كان تجربة صحفية ساخرة، والثانى أيضًا كان تجربة صحفية لم أبذل جهدا أو وقتا فى كتابته لأن معظمه كان منشورا بالإنجليزية ضمن موضوعات كنت أكتبها فى جريدة الأهرام ويكلى ونشرتها بالعربية فى كتاب. وكل ما حدث قبل 2020 كوم.

وما أتى معها كوم آخر، جاءت جائحة كورونا فأغلقت الدنيا وهام شبح الموت فى أرجاء المعمورة كلها، فتوفر لدى وقت للقراءة بدأب وتأسس عندي- دون قصد- نظامًا صار صارمًا لكتابة الأدب.

وهو الكتابة يومى السبت والأحد من كل أسبوع من الثامنة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا، فضلا عن أوقات الإغلاق التام والعمل من المنزل، والذى وفر لى أسابيع كاملة للكتابة.

وفى وقت الإغلاق التام لكل شيء، بدلا من التسكع الطويل على المقاهى، والذى كان من هواياتى، صرت أجلس فى المنزل للقراءة لأوقات طويلة، ثم صارت عادة حتى بعد التخلص من نظام الحياة الاحترازى للجائحة؛ أحيانًا أخذ يوم إجازة قبل الإجازة الأسبوعية فيصير لدى ثلاثة أيام أسبوعيًّا للكتابة ثمانى ساعات فى اليوم الواحد.

وهو نظامى الجاد الذى لا تهاون فيه، إلى حد أننى، فى بعض المرات، يكون عندى واجب عزاء فى الثانية عشرة ظهرًا مثلًا، فكنت أستيقظ فى الخامسة صباحًا لتأخذ الكتابة عدد ساعتها الطبيعى أُسبوعيًّا.

كما أريد هنا أن أخص هذا الحوار بهاجس آخر أشرت إليه فى بداية إجابتى، وهو أننى، ومع بداية الجائحة تملكنى إحساس بأننى سأموت قبل ما أقول ما أريد قوله فى ذلك الوقت، كان هاجسا غريبا رغم كونى ليس لدى وسواس المرض أو الخوف المرضى من الموت.

وهذا الشعور ربما هو ما جعلنى أنجز ثلاثيتى عن الأقباط فى سنة ونصف تقريبًا فترة صرت فيها أحب العزلة للكتابة والقراءة، وأنفق فيها كل وقتى وطاقتى، وأتحامل على نفسى رغم التعب.

وأفضلها عن كل الملهيات؛ كنت وكأننى رجل يمهله الموت مدة قصيرة غير محددة لينجز فيها شهادته عن أحداث هامة، وعالم لم يكتب عنه أحدا من قبل. إلى حد تفكيرى حينها فى اختيار صديق أمين يتسع صدره لهواجسى وأرسل له المسودات الأولى، أولًا بأول، ليدفع بها إلى النشر إذا غيبنى الموت فجأة، ولكنى خشيت سخرية الأصدقاء فلم أفعل ذلك.

وبالمناسبة هناك من يرى أن الأدبيات عن الأقباط أو بواسطتهم شحيحة إلى حد ما، فهل تكتب من منطلق تقديم صورة غير نمطية أو ربما صورة حقيقية عن الأقباط فى الأجيال المختلفة.

وبالنظر إلى استمرارك فى المسعى نفسه عبر أعمال متتاليه: «كنت طفلًا قبطيًّا فى المنيا»، و«نواحى البطرخانة»، و«بيت المساكين».. هل نستطيع القول إنك اخترت هذا الطريق لمشروعك الأدبى.. أم كان خروجك عن هذا الشكل فى الرواية الأخيرة خشية من حصرك فى هذه المنطقة؟

هناك دوافع أهم وأكثر موضوعية من حصرى فى منطقة، الأول أننى ليس لدى الآن ما أقوله عن الأقباط، والثانى هو إلحاح فنى على الدخول فى مناطق أخرى.

وبخصوص القسم الأول من السؤال، معظم الكتابات عن الأقباط من الخارج، فى الأدب والسينما، هى للأسف تجارية، ومفتعلة ومزيفة، ومثيرة لسخريتنا نحن الأقباط، أو تبالغ فى التعاطف وإبراز الملائكية إلى حد التسول بالأقباط.

وأعمال تشبه الصورة الذهنية عن الأقباط أكثر بكثير مما تشبه الأقباط أنفسهم، وبعضها أحيانًا تكتب وتقرأ بطريقة -للأسف الشديد- تذكرنى بعناوين مقاطع اليوتيوب الرخيصة، حتى الأعمال الحاصلة منها على الجوائز.

وهى أيضًا تداعب الخيال الشعبى اللاهث عن بحث فضائح الأخر، ولكن بشكل تاريخى أو محكم فنيا. ونادرًا ما يكتب عن الأقباط من هو مؤمن بأن هناك قضية حقوقية وعادلة.

وهناك أصوات أدبية قبطية، سواء من أجيال أكبر أو من جيلى، ممتازة وصادقة ومخلصة وأتابع أعمالهم بكل تقدير.

وبدأت بكتب non fiction أو غير خيالية ثم اتجهت للأدب، هل ترى أن الرواية هى المكان الأنسب حاليا لتمرير أفكارك أكثر من الكتب البحثية أو الأكاديمية؟ كيف تختار موضوعاتك وكيف تحدد قالبها أو شكلها؟

أنا لم أختر الرواية، هى التى اختارتنى، لم أفكر معظم عشريناتى فى كتابة رواية، حتى نادتنى الرواية عبر «نواحى البطرخانة» على استحياء فى شكل قصص متصلة ومنفصلة، وفى «بيت المساكين» تورطت أكثر فى رواية كاملة.

واستقرارى فى الرواية ليس بهدف تمرير أفكار، أظن أن الكتابة غير الخيالية هى أنسب وعاء يتسع الكاتب الذى يريد أن يمرر أفكارًا فقط، إنما لكتابة الرواية سحر خاص، وهى أصعب أنواع الكتابة وأنا كتبت كل أشكال الكتابة.

وفي كل مرة كان اختيار فكرة الرواية مختلفا، «بيت المساكين» جاءت فكرتها أثناء كتابتى لكتاب «كنت طفلا قبطيا فى المنيا»، و«جزيرة إلخ إلخ» هى ابنة تجربة كورونا والعزل والوحدة بامتياز، وأكتب حَالِيًّا رواية استوحيتها مثلًا من قرار عبثى لنقيب سابق لإحدى النقابات الفنية فى مصر.

وأما عن تحديد شكل الرواية، فأنا لا أخطط قبل الكتابة، أكتب وأنا لا أعرف ماذا سيحدث فى الصفحة التالية، وتتطور رواياتى من إعادة كتابة المسودات، كل رواية تختار شكلها، وشخصياتها، ولغتها وأجواءها أثناء كتابتها.

الرواية والتاريخ موضوع طويل ومتشابك ومتكرر أيضا، لكن أعمالاً من هذا النوع الذى تقدمه تطرح دائما أفكارا جديدة حول تلك الجدلية... فهل تسعى لكتابة تاريخ اجتماعى لفترة عشتها، وهل تصلح الرواية كوعاء للتاريخ، ما هى رؤيتك الخاصة لهذه المسألة؟

ويدور فى ذهنى الآن اقتباس من كتاب ميلان كونديرا (فن الرواية) وهو واحد من كتبى المفضلة، يقول فيه: «الروائى ليس مؤرخًا أو نَبِيًّا: إنه مستكشف للوجود».

ويقول الطفل فى مشهد بارز من «بيت المساكين»: هل وجد قديما إنساناً له أكثر من رأس. هل ولدت فكرة الرواية الجديدة من هنا؟ هل كانت الفكرة حاضرة فى رأسك وقت كتابة الرواية السابقة؟ ما حكاية «جزيرة إلخ إلخ» على أى حال متى فكرت فيها ومتى أنهيتها وقررت نشرها؟

وأنت أول من يلفت نظرى إلى هذا الآن، حتى أننى، أنا نفسى، أخذت دقائق كى أتذكر موضعها فى بيت المساكين، ربما يكون كذلك فعلًا، وهذا قد يدلنا على قدرة ودور اللاوعى الجبارة فى صناعة الفن، أنا أؤمن بأن المشوار الفنى كسلم لا يمكن للفنان توقع العمل الثالث- على الأقل بوضوح- إلا بعد الانتهاء من العمل الثانى وهكذا.

وجاءت لى فكرة «جزيرة إلخ إلخ» فى شهر مارس 2021، كنت حينها مسترخيًا على سريرى وأشعر بالوحدة، على الرغم من حبى لوحدتى، جاءت الومضة حينها فى شكل ماذا لو هناك رأس أخرى بجوار رأسي؟

وفكرت فى ابتكار مكان كل سكانه من التوائم الملتصقة، ولكن ماذا سيفعلون ما هو شكل حياتهم ما هى قضية الرواية لم أكن أعلم، ثم بعد عدة أيام من التفكير تذكرت أحجية تراثية كنا نقولها فى المنيا قديمًا على شكل فزوره لا تعرف أم نكتة ولكنها بلا نهاية؛ تحكى عن رجل كان يمشى فى الصحراء وجد شىء تشده يشد تمطه يمط تتركه فيعود كما كان.

ويبدأ رحلة بحث عن أصل الشىء فى تسلسل سلطة يبدأ من العسكرى إلى الملك، ثم يُفقّد الشىء من الباحثين على نحو مفاجئ وتبدأ رحلة بحث جديدة بشخصيات جديدة وهكذا...، وكنت. 

ومنذ اهتمامى الروائى، وقراءتى لرواية دون كيشوت لسرفانتيس، أرغب فى كتابة تلك الأحجية الطفولية فى رواية ولكن لم أكن متحمسا تمامًا حتى جاءت فكرة جزيرة للتوائم الملتصقة، وهنا زاوجت الفكرتين وبدأت فى كتابتها يوم 8 مايو 2021.

وجلست لأكتب رواية حزينة ووجدت نفسى أكتب  رواية لا تخلو فقرة فيها من سخرية، وأنهيتها بشكلها الحالى تقريبًا فى ديسمبر من نفس العام، وخضعت لتعديلات طوال النصف الأول من عام 2022، وعانيت فى نشرها بعض الشىء.

ولأن هناك من صنفها بأنها (أدب للناشئة!)، ولكنى كنت مصرا على أنها رواية لجيلى تحمل همومنا وتحدثنا، حتى وافقت عليها الدار المصرية اللبنانية فى قرار أعتبره أنا.

وأعتبره الكثيرين قرار شجاع ومغامرة تستحق الإشادة من ناشر لنشر رواية لا تشبه السائد، ولا حتى تشبه أعمالى أنا السابقة التى أحبها بعض القراء.

هل كانت «جزيرة إلخ إلخ» بشكلها الحالى منذ المسودة الأولى؟ أحب أن أعرف تطوراتها إن كان هذا ممكنا... أتصور أن عنوانها كان مختلفا أيضا.

لا لم تكن، والعنوان جاء آخر شىء. أنا مهتم بإعادة الكتابة، أقرأ كل أُسْبُوع النص من أوله، لاستكمل كتابته، أو لأحرره بعد الانتهاء من المسودة الأولى، النص يتغير ويتطور أُسبوعيًّا تقريبًا، لو تحدثت عن التطورات التى حدثت مع كل مسودة.

وهى تجاوز العشر مسودات، سآخذ مساحة كبيرة، ولكنى أريد فقط الإشارة إلى أن كل النصوص فى بدايتها تكون ساذجة، أكثر ما يرهقنى حقيقة هو، وعبر إعادة الكتابة، الوصول لأفكار ومشاهد وفصول غير مبتذلة أو ساذجة، أو غير منطقية و(كلاشيه)، أرغب فى صفحات تفاجأنى أنا شخصيًا من نفسى.

وما هو الترتيب الأمثل للأحداث والكلمات والفقرات، ما هى أفضل صياغة ممكنة وصادقة وحقيقية، أين صوتى الخاص فى النص، هذا ما يأخذ منى أكثر وقت ومجهود وضيق.

من أول من يقرأ مسودات أعمالك وكيف تتقبل وجهات النظر فى كتاباتك؟

ولدى صديق وصديقة، وهم من خارج الوسط الثقافى، أحكى لهم الفكرة شَفَهِيًّا وأطلعهم على الجديد فيها باستمرار، ولكن لا أحد يقرأ مسوداتى أبدًا، أنا ثم دار النشر ثم القارئ.

أنت من أنصار الوضوح والبعد عن الغموض كما فهمت، والرواية تطرح الكثير من الأفكار النفسية والسياسية والاجتماعية وحاملة للكثير من المجازات لكن ما هو سؤالها الأساسي؟

وهل هو حكم المحكمة الصارخ بالحرية وشرعية الاختلاف حتى داخل الجسد الواحد؟ كيف ترى مسألة التأويل وأنت كاتب النص؟

وفى «جزيرة إلخ إلخ» واجهت كثرة التأويل بداية من لجنة القراءة فى دار النشر، يقولون إننى أطرح العديد من الإسقاطات، وفى الحقيقة أنا لم أهدف لأى إسقاطات، فأنا غير مهموم فى هذه الرواية بالأخص إلا بنفسى، هواجسى، أعريها واجردها من قبعاتى الزائفة، لأكشفها أمام ذاتى.

وكنت كلما بالغت فى التعرية شعرت براحة تتضاعف، لا أعرف لماذا. أما إذا وجِدتّ الإسقاطات، فأنا أتفهم ذلك، لأننى جزء من الواقع وابنى الخيال على معطيات هذا الواقع، فأنا مثقف مصرى وبالتأكيد لى آراء حول السياسية والثقافة والمجتمع والفن والدين.

ولست معارضا وناقما على طول الخط ولست مؤيدا منساقا على طول الخط. ولا يزعجنى إن وجد أحد إسقاطًا فى روايتى، لأن ذلك يحدث معى أنا نفسى أثناء قراءتى لكاتب أحبه، وأشعر ناحيته بأنه ذكى واستثنائى فأظن أنه يقصد فوق ما يسطره.

والسخرية أو الكوميديا مسألة شديدة الحساسية لكنك ضبط هذه المسألة بشكل جيد داخل النص، ما هو ميزانك لضبط الأمور حتى لا تخرج عن السيطرة ولا تنزلق إلى مسار آخر قد يضر بالعمل؟

تعلمت من قراءة أعمال أدبية عظيمة مفتاحًا فذا؛ وهو ليس فيما يقال بل فيما لا يقال يكمن سر الكتابة الجيدة!

وبرغم المساحة الزمنية القصيرة بين العملين إلا أنه يمكن القول إن الكتابة فى «جزيرة إلخ إلخ» تبدو أكثر نضجا عنها فى «بيت المساكين» ما الذى حدث فى هذه الفترة القصيرة؟ أقول هذا من موقع القارئ العادى على أى حال.

وهذا حقيقى بنسبة ما، ولكنه ليس النضج وحده ولكنها الجرأة للخروج عن السائد بشجاعة، فكرة ولغة إلى حد تأسيس حوار روائى بشكل مبتكر وجديد ولم يكتب من قبل. وربما يكون السبب هو أننى قرأت قبل كتابتها عيون الأدب العالمى بتمعن وانفتاح ساعدنى ذلك على التحرر من قيود كانت تكبلنى.

وفاز كتابك «كنت طفلًا قبطيًّا فى المنيا» بجائزة معرض الكتاب، ووصلت «نواحى البطرخانة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس. كيف ترى الجوائز وأنت بالتأكيد متابع للجدل الدائم الدائر حولها؟

الجوائز ذائقة لجنة تحكيم، وهى صارت مهمة ولا يمكن تجاهل تأثيرها.

كيف تقيم التعامل النقدى مع أعمالك؟ وكيف ترى استقبال القراء لها؟ وهل تسعى لتطوير علاقتك معهم أم تفضل الاحتفاظ بمسافة خصوصا بعد توغل السوشيال ميديا فى هذا الأمر؟

وأنا محظوظ مع النقاد، ما كتب عنى إيجابى ومشجع، ربما تكون هناك آراء سلبية ولم تكتب، ومع القراء أعلم أن أعمالى ليست تجارية ويروقنى ذلك، ولا يعجبنى النجاح السريع ولا أسعى إليه، كما أننى مُحيّر للقراء ودور النشر.

وكلما نجحت فى نوع وكونت قاعدة، ولو صغيرة، من القراء، تمردت عليه. وأشكر القراء المتابعين لقَفَزَاتِى ومغامراتى الفنية، وأشكر الدار المصرية اللبنانية شريكتى فى آخر مغامرة. 

تستلهم أعمالك من الفترة التى عشت فيها فى المنيا لكن مسألة النشر لم تتحقق إلا بعد الإقامة فى القاهرة على ما أعتقد. هل فكرت فى كسر هذه الدائرة.. أقصد عقدة مركزية القاهرة التى من الواضح أنها لاتزال مستمرة؟

صحيح، وأضيف، أننى لم أكتب الأدب، ولم أفكر حتى فيه، قبل وصولى للقاهرة واستقرارى فيها، لربما أكون لا أجيد الكاتبة عن مكان إلا بعد أن أفارقه عدة سنوات، وهذا يذكرنى بشكل أو بآخر بنصيحة، تشبه تجربتى، قرأتها منذ مدة لكاتب أجنبى لا أتذكر اسمه يقول فيها لكى تكتب روايات جيدة اترك بيت أمك وعش وحيدًا!.

والكلام عن مركزية القاهرة يحتاج حوارا منفصلا، لأننى أعمل فى المجتمع المدنى، فى تنمية الصعيد، منذ سنوات، ودرست الإدارة الثقافية، ولدى حديث عن العدالة الثقافية يتجاوز فكرة أين يعيش الكاتب، الموضوع أكثر تعاسة من ذلك.

ما الذى تطمح إليه من وراء الكتابة؟

الكتابة تجعلنى شخصاً أفضل، واثقًا من نفسى وَمُحِبًّا لها؛ بعد الانتهاء من كتابة كتاب أشعر وكأننى شخص أذكى وأنبه وأكثر حبا لنفسى وللبشرية من أى وقت مضى، وأشعر وكأننى أكثر تفهما لإخفاقات الآخرين وإخفاقاتى مما كنت عليه قبل كتابته، أليس هذا وحده كافيا ويستحق العناء.

اقرأ ايضاً | «القومي للترجمة» يعلن قائمة الأكثر مبيعًا بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 

نقلا عن مجلة الادب : 

202302012

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة