علاء عبدالهادي
علاء عبدالهادي


علاء عبد الهادي يكتب : معرض القاهرة للكتاب يسترد شبابه

أخبار الأدب

السبت، 18 فبراير 2023 - 04:01 م

ذهبنا إلى المعرض نقدم رجلا، ونؤخر الأخرى، خوفاً من تحقيق خسائر قد يكون حدوثها شبه مؤكد.. ولكن ما حدث خالف كل التوقعات: سواء توقعات الناشرين، أو القراء أو الإعلاميين أو المهتمين بالشأن الثقافى.

لا يجب أن نمر على حصاد الدورة الـ 54 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب مرور الكرام.. ولا يجب أن نقول كلاماً من قبيل أفعل التفضيل، ثم نعود الى ما كنا عليه من اعتياد جلد الذات بحق قليلاً، وبدون حق أغلب الأوقات، حتى أصبحنا نستعذب ان نهيل التراب على كل شئ إيجابى، ولا نرى فى أنفسنا إلا كل نقيصة، واذا كان هناك شىء إيجابى، يجب أن نبنى عليه، نراه للأسف إما ضربة حظ، أو نتيجة لجهود فردية.


ذهبنا جميعاً الى هذه الدورة، ونحن نضع آيادينا على قلوبنا متوجسين خيفة ونرفع أكفنا إلى الله ونسأله أن تعبر هذه الدورة بدون انتكاسة كبيرة قد لا تتحملها صناعة النشر، بسبب ارتفاع تكاليف صناعة الكتاب من ورق، ومستلزمات طباعة بصورة كبيرة، مع ارتفاع فى قيمة الدولار مقابل الجنيه المصرى، ومع قفزة فى تكاليف الشحن، لذلك ذهبنا إلى المعرض نقدم رجلا، ونؤخر الأخرى، خوفاً من تحقيق خسائر قد يكون حدوثها شبه مؤكد.. ولكن ما حدث خالف كل التوقعات: سواء توقعات الناشرين، أو القراء أو الإعلاميين أو المهتمين بالشأن الثقافى. 


وبداية نحن أمام دورة ناجحة بكل المعايير، بمعايير دور النشر المحلية والدولية، وبمعايير التنظيم الدقيق المحكم المشرف، وبالمعاييرالدولية الاحترافية، وبمعايير الأرقام: أرقام الزوار، وأرقام المبيعات، وأرقام الأنشطة، والندوات والفعاليات، وأرقام عدد من حضرها وتفاعل معها وشارك فيها.


نحن أمام دورة أكدت قوة معرض القاهرة الدولى للكتاب، وتسيده قولا وفعلا للمعارض العربية، بل وأكدت مكانته المعتبرة بين المعارض المليونية على مستوى العالم.. وأكدت هذه الدورة أن معرض القاهرة يسترد شبابه وعافيته وعنفوانه وهو فى الـ54 من عمره، وما حدث لا سبيل لإنكاره أو تغافله أو حتى القفز عليه باعتبار ما حدث هو مجرد دعاية لا نصيب لها من أرض الواقع.. لأن الواقع فى "زمن السوشيال ميديا"  لا يكذب.

ويصعب ادعاء ما ليس له نصيب من أرض الواقع فكل من راح وذهب رأى بعينيه تفاصيل الصورة التى كانت عصية فى البداية على التصديق، شاهد الطوابير الطويلة المحتشدة فى انتظار الدخول، شاهد الآلاف المؤلفة تتنقل بين القاعات تسأل وتستفسر عن عناوين بعينها وتشترى وتستمع بالندوات والأنشطة الثقافية والفنية الموازية.

وكل من ذهب إلى المعرض رأى مصر الحقيقية فى أبهى وأنصع صورها، رأى مصر الولادة الغنية بشبابها، وبهذه الطاقات الفتية التى تجدد دم الدولة المصرية، رأى شبابا وفتيات من كل الأعمار يرتادون المعرض فى منطقة كانت حتى سنوات قليلة مضت صحراء لا زرع فيها ولا ماء.

والآن أصبحت أرض المعرض على الأجندة، هناك يلتقى الأصحاب، وفى قاعات الندوات تحلو الجلسة، وفى الساحات الخارجية تقضى اوقاتا ممتعة أنت وأولادك، متابعا لفرقة فنون شعبية تعرفك بفن مصرى أصيل، أو تترك أطفالك فى أيدٍ أمينة يمارسون نشاطا يعرفهم على مصر، وفى قلوبهم الغضة وتبذر بذور الثقافة والفكر والأدب، زيارة معرض هذا العام، طمأنتنى أن مصر قادرة على تخطى محنتها الاقتصادية.  


الجميع باع وحقق أرباحاً، على طول حياتى الصحفية متابعا للشأن الثقافى لم يكن من السهل أن تجد ناشراً يقول لك إنه باع وحقق أرباحا، هذا العام سمعت بأذانى ما كنت أعتبره مستحيلا، ولم أجد ناشرا إلا وحمد الله، أقل ناشر باع، ولم يحقق خسائر، حتى الناشرين العرب هذه رؤيا العين، فما بالنا بالأرقام: الأرقام تقول إننا أمام زوار للمعرض اقتربوا من 4 ملايين زائر، وهو رقم يُحترم.

وأما بالنسبة للمبيعات فنحن أمام مبيعات قياسية واستثنائية وغير مسبوقة لهيئة الكتاب منظمة المعرض، حيث قارب إجمالى مبيعات قطاعات الوزارة المُختلفة النصف مليون نُسخة، منها نحو 180 ألف نُسخة، مبيعات جناح الهيئة المصرية العامة للكتاب، ونحو 75 ألف نُسخة، مبيعات الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأكثر من 137 ألف نُسخة، مبيعات بمبادرة "الثقافة والفن للجميع.


وناتى لموضوع الندوات، والمحاور التى تم تناولها، بداية أنا ضد محاولة عقد ندوات كثيرة من الناحية العددية، بل أفضل تكثيفها، ودعوة أسماء لها وزن لإكسابها ثقلاً، بمعنى آخر نركز على الكيف على حساب الكم.

وإن كانت هذه الآفة موجودة فى كل المعارض العربية، ورغم ذلك التحفظ إلا أننى شاركت وحضرت فى العديد من الندوات التى كان يجلس ويحضر فيها أعداد كبيرة أو لنقل متوسطة، وكانت تشترك وتتفاعل.


ومن الأشياء التى استشعرتها ورصدتها هذا العام، دور المجتمع المدنى، حيث سمعنا ورأينا وتابعنا بكل فخر، كيف خرجت قرية فى القليوبية عن بكرة أبيها، بمبادرة من أحد أبنائها الأطباء النابهين لتذهب لقضاء يوم بين أروقة وأجنحة معرض الكتاب من خلال 13 أوتوبيساً نقلتهم من القرية إلى المعرض ثم عادت بهم آخر اليوم.. هذا الأمر أطلق عدوى إيجابية وقامت جهات أخرى بنفس الأمر، والأجمل هو قيام المتطوعين.

وإدارة المعرض بتيسيير أمر دخول وخروج هذه الباصات، للأسف لم نعتد هذا الأمر ولم نعرفه فى مصر من قبل إلا على نطاق ضيق ومحدود، فى الوقت الذى فيه أغلب الدول العربية تسير باصات من المدارس والجامعات إلى معارضها.


وأرجو أن نكف عن نغمة نرددها دون وعى: نغمة أننا أمة لا تقرأ، وإن قرأنا لا نفهم، نحن من أكثر دول العالم فى مؤشرات القراءة، منذ زمن باعوا لنا بضاعة فاسدة، وأعدنا نحن بيعها لأنفسنا، عندما قالوا إننا لا نقرأ وإذا قرأنا لا نقرأ إلا دقائق معدودات فى السنة.

وهذا يكذبه الواقع، وتكذبه إحصاءات البيع، بل وتكذبه أرقام الشباب المصرى التى تشارك بالملايين فى مهرجانات القراءة العربية، والمصرية، وتأتى فى الصدارة، بصورة مشرفة ومفرحة تؤكد أن الخير فى هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة.


الجدلية الدائمة التى تثار منذ الزمن الذى نعتبره ذهبيا لمعرض الكتاب أيام الراحل د.سمير سرحان تتحدث عن أن أغلب زيارات معرض الكتاب إنما تكون للأكل والشرب والفسحة دون شراء كتب، لم نكتف بذلك بل نضيف بأنه إن كان هناك شراء للكتب فالنوعية غير جيدة، لا تعبر عن فكر أو رؤية.. لماذا كل هذا الجلد؟! 


المعرض كما قلت قبيل انطلاقه هو امتحان صعب : للصناعة وللوزيرة الجديدة، دكتورة نيفين الكيلانى، وللدكتور الشاب أحمد البهى رئيس هيئة الكتاب، ولأن الحُكم يقاس بالنتائج والأرقام، فمن حق الدكتور بهى أن يفخر بالإنجاز الذى تم، والذى أثبت مجددا قدرة الدولة المصرية على الخروج بأحداث مليونية كمعرض الكتاب بصورة مشرفة تليق بثقافة وتاريخ مصر، وتليق بتاريخ أقدم وأكبر المعارض العربية .


يقول د. أحمد بهى الدين العساسى «الصورة كانت واضحة دون احتياج إلى دليل" مضيفاً «لا يمكننا تقييم أنفسنا، لكن يمكن القول إن هذه الدورة رسخت الريادة الثقافية المصرية، سواء فى احتواء صناعة النشر من خلال المعرض».


رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد شاهد بتصريحاته على نجاح هذه الدورة «هذه دورة ناجحة عكس توقعات غالبية الناشرين من مصريين أو عرب، بل ومثقفين، كما اسهم البرنامج الثقافى الذى كان عالى المستوى فى إنجاح الدورة. رئيس اتحاد الناشرين المصريين قال تصريحات لم تخرج عن ذلك كثيرا، وكلاهما فى غنى عن تجميل الواقع لو كان غير ذلك.


والأهم الآن هو أن نبنى على هذا النجاح، ولا تكون هذه الدورة استثنائية، بل تكون بداية لقفزات أكبر تنعكس ايجابا على المعرض نفسه، وتؤكد قوته وحيوته، وقدرته على الاستمرار، وتنعكس إيجابا على حركة وصناعة النشر فى مصر باعتبارها لاتزال الأقوى والأقدر عربيا.. مبروك لمصر هذه الدورة الناجحة.

اقرأ ايضاً | فاروق مردم بك يكتب: بعد مرور نصف قرن: هل فتحت الترجمة أبواب العالمية أمام الأدب العربى؟!
نقلا عن مجلة الادب : 

2023-2-18

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة