جمال حسين
جمال حسين


يوميات الاخبار

كارثة الزلزال .. وقانون قيصر !!

جمال حسين

السبت، 18 فبراير 2023 - 10:42 م

مشاهد كارثة الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري تدمي القلوب والعيون.. لكن عجائب قدرة الله تجسدت في انتشال طفل حيًا بعد 12 يومًا تحت الركام

60 ثانية فقط كانت كافية لأن يضرب الزلزال المدمر الذى بلغت قوته 7.8 درجة بمقياس ريختر 10 ولايات فى تركيا و5 مدن بسوريا ويهدم أكثر من 50 ألف عمارة سكنية فوق رءوس ساكنيها فجرا وهم نيام.. 60 ثانية من الرعب خلفت أكثر من 44 ألف قتيل و110 آلاف مصاب وتشريد الملايين.. قدر المسئولون حجم الأضرار الناجمة عن الزلزال بما يزيد على 84 مليار دولار.. 13 يومًا على وقوع الزلزال كانت كافية لانتهاء «فترات الصمت» التى كانت حبست خلالها الأنفاس وتوقفت خلالها القلوب لسماع استغاثات أحياء كثيرين من تحت الأنقاض والآن انعدمت فرص العثور على أحياء مقبورين بينما تلهث ألسنة الواقفين فوق الأنقاض بالدعاء قائلين «ما لنا غيرك يا الله»


أوضاع كارثية ومشاهد مأساوية تمزق القلوب وتدمى العيون نقلتها الشاشات لعلها تهز ضمير العالم ليتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. كاميرات المراقبة وثقت لحظات وقوع الزلزال وترنح البنايات ثم سقوطها فوق رءوس ساكنيها وهم نيام.. مقاطع الفيديو التى تداولها النشطاء تقشعر لها الأبدان.. عجائب قدرة الله تجسدت فى استخراج طفل تركى حيًا بعد 12 يومًا تحت أنقاض ركام منزله ليدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية لقضائه مضى 260 ساعة تحت الأنقاض ليصبح الطفل التركى عثمان حلبية (12 عامًا) حديث العالم ويجب على العلماء والأطباء دراسة كيف ظل حيًا لمدة 260 ساعة تحت الأنقاض.
قدرة الله تجلت فى إخراج الحى من الميت حيث وثّق ناشطون سوريون بريف حلب فى مقطع فيديو لحظة انتشال مولودة وضعتها أمها تحت الأنقاض قبل أن تسلم الأم الروح مع باقى أفراد أسرتها


وها هم رجال الإنقاذ يسحبون جثة رجل من بين الأنقاض ويفاجأون به محتضنًا طفله الحى وكانت المفاجأة أن الطفل نجا لأن والده حماه بجسده!!
قانون قيصر
المأساة التى خلفها الزلزال المدمر أكدت أصالة وإنسانية العديد من دول العالم التى سارعت بتقديم المساعدات للدولتين المنكوبتين لكنها فضحت فى نفس الوقت «المعاييرَ المزدوجة» لأمريكا والدول الأوربية التى طبقت «قانون قيصر» الذى يحظر على الدول تقديم أى مساعدات للنظام السورى لزيادة عزلته المالية والاقتصادية والسياسية ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسى للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن.
لذلك حركت أمريكا وحلفاؤها جسورًا من المساعدات الجوية التى تحطّ فى تركيا، أما فوق سوريا المنكوبة أصلًا بفعل الحرب الكونية عليها، فلا يحلّق سوى شبح قانون قيصر. مما دعا المبعوث الأممى الخاص لسوريا إلى إصدار نداء عاجل لمطالبة هذه الدول بعدم تسييس المساعدات التى يجب إرسالها إلى سوريا قائلا : بينما قامت بعض الدول بتنحية خلافاتها السياسية مع تركيا وسوريا والتى تتضاءل أمام هذه الكارثة الإنسانية وتَدافعتْ لتقديم المساعدات، فإن دول الغرب -وعلى رأسها أمريكا وأوروبا- لم ترسل أى مساعدات إلى سوريا بسبب قانون قيصر.


لقد كشف الزلزال الوجه الحقيقى لهؤلاء الذين يتغنون بإنسانيتهم وظهر جليًا أنهم يتعاملون بسياسة الكيل بمكيالين حتى فى التعاطى بالقضايا الإنسانية.
هذا التصرف أكد أن مبادئ حقوق الإنسان التى يرفعون شعاراتها دائمًا مطاطة وأنهم قدّموا السياسة على كل ما عداها بينما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجل ناشط فى بلادنا دخل السجن لجريمة ارتكبها.
لقد تأكد الجميع أن أمريكا والغرب ومنظماتهم الحقوقية دفنوا الإنسانية وحقوق الإنسان التى يتشدقون بها أسفل أنقاض ذلك الزلزال المدمر.. لكن بعد أن شعرت أمريكا والدول الأوربية بالخجل بدأت فى الساعات الأخيرة فى إرسال بعض المساعدات الإنسانية إلى الأراضى السورية.
مصر العروبة
لكن قانون قيصر لم يقف عائقًا أمام الدول العربية، بل سارعت معظم الدول العربية وفى مقدمتها مصر لتقديم المساعدات لمواجهة آثار كارثة الزلزال فى الشمال السورى متحدين بذلك القانون المعيب.. الموقف المصرى كان رائعًا كالعادة كما هو دائمًا فى الأزمات والكوارث دون استثناء.. فور وقوع الزلزال وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بإرسال 5 طائرات عسكرية محملة بالمساعدات الطبية العاجلة ومواد الإغاثة إلى الشعبين السورى والتركى وأجرى اتصالا هاتفيًا مع الرئيس التركى رجب طيب إردوغان لتقديم التعازى والمواساة كما أجرى الرئيس اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس السورى بشار الأسد للتعزية معربًا عن تضامن مصر مع سوريا وشعبها فى هذا المُصاب الجلل وحسنًا فعلت الدول العربية عندما داست عجلات طائرات الإغاثة التى أرسلتها إلى سوريا على قانون قيصر الأمريكى.


أكثم وحلبية
عندما قرأت عن معجزة استخراج الطفل التركى «حلبية» حيًا من تحت الأنقاض بعد 12 يومًا قضاها تحت الأنقاض تذكرت قصة الشاب المصرى أكثم الذى خرج حيًا من أسفل أنقاض عمارة هليوبوليس التى انهارت فى زلزال عام 1992 قبل 31 عامًا بعد أن ظل 96 ساعة تحت الأنقاض وماتت أمه وزوجته وابنته أمام عينيه.
قفزت إلى ذاكرتى مأساة زلزال عام 92 الذى ضرب مصر وبالتأكيد الكثيرون من جيل الشباب لم يعاصروه.. نصف دقيقة فقط كانت كفيلة بحصد الأرواح حيث تسبب الزلزال وقتها فى وفاة 545 شخصًا وإصابة 6512 آخرين وانهيار 350 مبنى سكنيًا وتصدع 9 آلاف أخرى.
أذكر أننى كنت محررًا حديث التعيين فى ذلك الوقت وكلفنى الكاتب الصحفى الراحل جلال دويدار مدير التحرير القائم بعمل رئيس التحرير التنفيذى فى ذلك الوقت بالمبيت أمام أنقاض عمارة هليوبوليس الشهيرة التى انهارت فوق سكانها لمتابعة جهود الإنقاذ وتغطية مأساة انهيار العمارة الأضخم التى تتكون من ١٢ طابقًا.
ظللت ثلاثة أيام أتابع جهود الإنقاذ واستخراج الجثث حتى كانت المفأجاة المدوية فى اليوم الرابع عندما أكد الجهاز الحديث الذى يعمل بالذبذبات الحديثة وكذلك أكدت الكلاب البوليسية المدربة وجود شخص على قيد الحياة تحت الأنقاض لتغمر الجميع سعادة ما بعدها سعادة وتنطلق صيحات «الله أكبر» وما هى إلا ثوان معدودة حتى سادت ساعة الصمت وتم إيقاف عمل البلدوزرات والمعدات التى كانت تقوم برفع الأنقاض وبدأ اللواء نادر نعمان مدير إدارة الدفاع المدنى فى ذلك الوقت ونائبه اللواء محمود مبارز وفريق من رجال الإنقاذ العمل اليدوى للوصول إلى مكان الشخص الذى يدعى أكثم سليمان ويبلغ من العمر ٣٥ عامًا ويعمل بإحدى شركات السياحة.. وبعد ساعة من التنقيب بحرص شديد تم تحديد موقعه حيث كان محاصرًا بين كمرا خرسانية وسقف الشقة التى كان يقيم بها وإلى جواره جثث والدته وزوجته وطفلته اللاتى توفين تباعًا تحت الأنقاض أمام عينيه.


.. تم عمل فتحة للوصول إليه وإدخال أنبوب للتنفس وآخر للتغذية بالمحاليل للحفاظ على حياته تمهيدًا لاستخراجه من تحت الأنقاض.. وعلى مدى ساعتين كنت برفقة فريق الإنقاذ واستمعت إلى الحوار الذى أداره اللواء محمود مبارز مع أكثم أثناء استخراجه وكيف عاش كل هذه الأيام والموت يخطف أعز أحبابه ابنته ووالدته ثم زوجته تباعًا.. وتمت عملية استخراجه بنجاح ليصبح أكثم حديث العالم..
وداخل مستشفى هليوبوليس روى كيف عاش تحت الأنقاض كل هذه الأيام.. قال إنه عندما شعر بالزلزال اختبأ مع أفراد أسرته أسفل مائدة الطعام ثم انهارت العمارة ليدفنوا تحت الأنقاض إلا أن الكمرا الخرسانية قامت بحمايتهم وقال إن أمه كانت أول من أسلمت الروح عطشًا ثم طفلته وأخيرًا زوجته.
وظل أكثم بالمستشفى عدة أيام حيث توافد المصريون على زيارته والتخفيف من آلامه وبلغ الأمر أن كثيرًا من الفتيات عرضن أنفسهن للزواج منه لكنه رفض وسافر للخارج وعندما عاد آثر الابتعاد عن الأضواء.
فى العام الماضى وبينما كنت أقوم بتحكيم مسابقة نقابة الصحفيين فوجئت بأن أحد المتسابقين يتقدم للمسابقة بموضوع رائع بعنوان «رحلة البحث عن أكثم» بعد ٢٩ عامًا على وقوع الزلزال وبالإجماع فاز هذا الموضوع بجائزة المركز الأول ليتضح فيما بعد أن هذا التحقيق المثير أعده الزميل أحمد الشميسى الصحفى بموقع مصراوى حيث بذل جهدًا كبيرًا فى رحلة طويلة حتى تمكن من الوصول إلى أكثم بعد كل هذه السنين والتقاه وقد تجاوز الستين عامًا وتبين أنه ترك منطقة مصر الجديدة التى تذكره بذلك الكابوس وتزوج وأنجب ولدًا و٣ بنات لكنه طلب من الزميل الصحفى أن يظل بعيدًا عن الأضواء ما تبقى من عمره.
حزام الزلازل
خلال الأيام القليلة الماضية فرضت حوارات الزلازل نفسها وكانت محور أحاديث المصريين.. ونزلت تصريحات الدكتور جاد القاضى رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بردًا وسلامًا على قلوب المصريين عندما أكد أن مصر بعيدة عن أحزمة الزلازل النشطة المعروفة عالميًا وأوضح أن الشبكة القومية لرصد الزلازل تقوم بمتابعة النشاط الزلزالى للجمهورية على مدى 24 ساعة يوميًا والتحليل الفورى لبياناته وتحديد توزيعاته الجغرافية وقوته ويتم الإعلان عنها أولا بأول وقال الدكتور عمرو الشرقاوى أستاذ الزلازل بالمعهد أن مصر تمتلك محطات لرصد الزلازل على أعلى مستوى تكنولوجى ويتم باستمرار تحديث استراتيجية تحسين عملية الرصد وخرائط الشدة الزلزالية وإعادة توزيع بعض محطات الرصد تبعًا للنشاط الزلزالى لنستطيع فهم طبيعة المنطقة بشكل أفضل ونكون مستعدين لاتخاذ كافة الاحتياطات والتدابير.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة