الفنانة مديحة كامل
الفنانة مديحة كامل


حكايات| أسانسير المفاجآت.. كيف صعد بـ«مديحة كامل» لسماء الفن؟

محمد رمضان

الثلاثاء، 21 فبراير 2023 - 10:00 ص

قوام رقيق نحيل، ووجه بريء يحمل ظلالا من الشقاوة المحببة إلى النفس، وطريقة خاصة لنطق الكلمات توحي إلى طبقة أرستقراطية قد جار عليها الزمان.. ملامح بدأت بها مديحة كامل رحلتها أمام الكاميرا قبل أن تخلع قلوب الجالسين خلفها.

ولم تبلغ مديحة كامل مرحلة توهجها الفني إلا بعد أن عاشت لعقد كامل أو يزيد ثوب الدلوعة الصغيرة التي تقترب أحيانا من الشخصية التي بدأت بها سعاد حسني لكن بقدر أكبر من الشقاوة أو الخفة وعدم الجدية وربما الشر أيضًا.

من الإسكندرية كانت نقطة البداية مع ميلاد مديحة كامل في يوم الثالث عشر من أغسطس عام 1946، وحصولها على الشهادة الابتدائية من مدرسة الراهبات «الدليفراند» ثم اكتشاف موهبتها التمثيلية في مدرسة الشاطبي الإعدادية، وسط أسرة يقودها أب ثري يمتلك مضارب الأرز وأم أحبت التمثيل حتى أعجب بها الفنان الراحل أنور وجدي لكنها قررت الاكتفاء بكونها ربة منزل بعد تصاعد المشكلات مع زوجها.

مديحة كامل

عروض بالجملة

يروي الصحفي محمد سرساوي في كتابه «مديحة كامل.. سنوات الظهور والاختفاء»، سنوات الصبا للفنانة الراحلة بعد أن خطفت قلوب وعقول وأنظار كل من رأها لجمالها الساحر، ما أهلها للحصول على لقب فتاة الشاطئ في إحدى المسابقات على شاطئ الإسكندرية.

 

 

حينها لم تتخط مديحة كامل عمر الـ16 عاما، لكن وضع مجلة الكواكب صورتها على الغلاف جعلها تتلقى عروضا كثيرة للتمثيل، غير أنها كانت تصطدم دائمًا برفض والدها لأنه خاف عليها من الوسط الفن، وكي يرضيها وافق أن تشارك في بغض عروض الأزياء لكن حلم فرصة التمثيل ظل يراودها.

وأغلق الأب الخائف على ابنته كل أبواب التمثيل في وجهها، فلم تجد أمامها سوى الموافقة على الزواج من أحد أصدقاء والدها الذي تقدم للزواج منها، ووعدها بأن يسمح لها بالتمثيل، وكان رجال الأعمال محمود الريف.

حينها لم تكن مديحة قد تجاوزت الصف الثاني الثانوي؛ بل إن «العريس» كان يكبرها في السن بسنوات كثيرة لكنها وافقت على هذا الزواج التقليدي حتى يكون سبيلها لممارسة الفن، واستطاعت بعد ذلك أن تشارك في فيلم «فتاة شاذة».

مديحة كامل

ولم تكن المدارسة تسمح بوجود طالبات متزوجات بها، ولم تسمح بذلك سوى المدرسة القومية بالقاهرة، وأصبحت حاملا وكانت بطنها منتفخة وهي في الثانوية العامة، لكن المعاناة الأصعب حملتها نظرات المدرسين والطالبات وأحيانا من ألسنتهن الطويلة.

خلافات زوجية

وبعد حصولها على الثانوية العامة، شعرت مديحة باقتراب حلمها ولكنها فوجئت ببداية الخلاف بينها وبين زوجها، فقد وافق على التحاقها بالجامعة لكنها اصطدمت برفضه التام لعملها بالسينما وعرض الأزياء، وانتهى الأمر بالطلاق.

بعد ثورة 23 يوليو 1952، فقدت العائلة الثرية كثيرًا من ممتلكاتها مع قرارات التأميم فما كان من مديحة وأمها وجدتها سوى الانتقال إلى القاهرة للعيش هناك، وسط مجموعات من المحاذير والتشديدات المفروضة على «الشابة المطلقة».. كانت الأم تحاصر ابنتها بسيول من التحذيرات نظرات «شباب القاهرة» وإغراءاتهم لها ثم الضحك عليها والوقوع في المحظور.

بين تحذيرات الأم وأحلام الابنة، يبدو أن المصعد الكهربائي لعمارة القاسم في وسط البلد بالقاهرة، كان مليئًا بالمفاجآت والهدايا لمديحة، فلم يكن دورها في فيلم «فتاة شاذة» الهدية الوحيدة التي جاءت لها؛ بل كانت هناك هدايا متعددة مثل مقابلتها بالسيدة برلنتي العشري في المصعد التي أعجبت بها. 

عرضت «برلنتي» على مديحة العمل عارضة أزياء في الأتيليه الذي تملكه، وتردد أن نجم الشر الممثل والمنتج حين قابلها بالمصعد الكهربائي أيضًا، كان يقوم بتأليف فيلم اسمه «باسم الحب»، وكان سيخرجه السيد زيادة ورشح لبطولة الفيلم النجمة هند رستم لكنها كانت مشغولة بالعمل في فيلم آخر في الوقت نفسه، فاستقرت البطولة على لبنى عبدالعزيز وكان هناك دور ثانوي من الفيلم رشحها له مؤلف القصة وقدمها إلى المخرج فنالت القبول.

 

 

 

مشادة الأسانسير

وحدثت مشادة بين مديحة ومخرج الروائع حسن الإمام، حين كانت طالبة في الثانوية العامة، فقد كان الإمام يقوم بتصوير فيلم «بين القصرين» وكان يبحث عن مجموعة من الفتيات لتصوير مشهد مظاهرة، ورشحها البعض لحسن الإمام لكن دور الفتاة التي تقود مظاهرة لم يعجبها، فصرخ حسن الإمام: الله دي عايزة تبتدي بطلة هاتو لي واحدة غيرها.

وكانت مديحة كامل لا تريد أن تبدأ حياتها كومبارس لا يؤثر في أحداث الفيلم وكان ذلك عام 1964، وفي العام نفسه شاركت بدور ثانوي في فيلم «المراهقان» إخراج سيف الدين شوكت؛ حيث كانت تظهر في الكادرات التي يظهر فيها عمر «عبد المنعم إبراهيم» وخطيبته مديحة «ليلى طاهر» وهما يتشاجران بينما كانت تحاول تهدئتهما.مديحة كامل

وأخيرًا في عام 1965، ابتسمت السينما لمديحة كامل فكانت من ضمن الأدوار الرئيسية في فيلم «العقل والمال»، وأتتها فرصة عمرها الأولى في عام 1966 في فيلم «30 يوم في السجن» إخراج نيازي مصطفى، وكانت بطلة الفيلم أمام الفنان فريد شوقي.

وظل صناع هذا الفيلم يعتبرون ظهورها اكتشافا لفتاة ستضيف إلى السينما المصرية، ونالت من الوصف الكثير بين جمال جديد خاص ومرح وشخصية ودودة، ورغم أنها كانت فنانة موهوبة فإن الغرور لم يصبها بل يصبها بل حرصت على أن تتعلم من خبرات الجميع.

وعانت مديحة كامل لسنوات من ترشيحها لأدوار الإغراء والأفلام التجارية وحصار المنتجين لها في مشاهد الإثارة والتي طالما رفضتها، وكان أحد أسباب انتقالها بين سوريا ولبنان استجابة لعروض كثيرة تلقتها خلال فترة ما بعد النكسة 1967  قبل العودة لمصر بعد حرب أكتوبر.

مديحة كامل

الصعود إلى الهاوية كان نقلة أخرى أمام محمود ياسين، جمعت فيها بين دراستها للفلسفة وإبداعها الفني للتغلغل في عمق النفس البشرية للفتاة المصرية التي أصبحت جاسوسة لإسرائيل، فكان دورها بالفيلم «عبلة كامل» أمام محمود ياسين بمثابة نقلة جديدة في حياتها الفنية، وكان من المثير أن زوجها المحامي جلال الديب في ذلك الوقت كان هو المحامي الذي انتدبته المحكمة للدفاع عن الفتاة الحقيقية المتهمة بالتجسس والتي أخذت عن حياتها قصة الفيلم.

حياة طويلة كانت كلمة «لا» هي السمة الأبرز لمديحة كامل قبل قراراها الاعتزال وارتداء الحجاب، وفي ليلة 13 يناير عام 1997 أول أيام شهر رمضان، كانت مديحة كامل تسهر مع ابنتها ميرهان وزوجها وتركتهما وصلت الفجر حاضرا ثم سمعت سورة البقرة من خلال شريط الكاسيت، وحددت وقت استيقاظها عبر المنبه على الساعة 12 ظهرا لتقوم وتصلي الظهر وأخذ الجرس يرين ولم تستيقظ مديحة.. لقد ذهبت مديحة إلى ربها ولم تعد.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة