علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى


يوميات الاخبار

بتوقيع روبوت!

علاء عبدالهادي

الأحد، 26 فبراير 2023 - 08:46 م

«الإنسانية ربما تكون على عتبة جديدة من تحكم الآلات المعززة بالذكاء الاصطناعى فى البشر»

عزيزى القارئ هل لديك أى دليل على أننى قد قمت بكتابة هذه اليوميات التى بين يديك؟! قد أكون قد كتبتها بالفعل وأنها نتاج قراءاتى ودراساتى، وتراكم خبراتى عبر سنوات عملى الطويلة، قد أكتب فى أمر ما، أو قضية ما سبقنى إليها غيرى من الزملاء الكُتاب، ولكننى أتناولها بزاوية ورؤية جديدة قد تختلف أو تتفق مع ما ذهب إليه غيرى، ولكن يبقى ما كتبت ملكا لى لأنه نتاج فكرى ورؤيتى، ومن هنا تأتى قيمة الكتاب ومكانته بين نظرائه.


وقد أكون قد انتحلت هذه المقالة من أولها إلى آخرها، من زميل آخر فى عالم الفضاء الإلكترونى، ونسبتها لنفسى، وقد أكون قد اقتبست بعض أجزائها وبنيت عليها مقالاً، وبكبسة زر يساعدك محرك البحث «جوجل» على اكتشاف الأمر الذى تفشى واستشرى، وأصبحنا نقرأ ونرى مقالات منقولة نقلا حتى بالتشكيل، باستثناء تغيير اسم صاحب المقال، ووصل الأمر إلى دنيا الأبحاث، وحتى الدراسات المؤهلة لنيل الدكتوراة. وقد يكون لا هذا ولا ذاك، قد يكون الذى كتب هذه المقالة مجرد تطبيق إلكترونى؟!
جوجل فى خبر كان!
بقدر ما أفادنا جوجل، بقدر ما أضرنا، جوجل سكرتيرك الذى يمتلك إجابة لكل سؤال قد تسأله، بل وقد تسأله.. نعم لأنه يعلم عنك ما لا تعلمه عن نفسك، أولا تدركه وتعيه عن نفسك، لأن لديه ملفا خاصا بك، ملفا دقيقا، مكتوبا فيه ماذا تحب وماذا تكره ، سلوكياتك: متى تنام فى العادة، ومتى تستيقظ.. تحركاتك: بتروح فين ومن تقابل، أين وماذا تأكل.. أصبح لديه خبرة أن يعرف هل أنت رجل ملتزم من أنصار «قال الله وقال الرسول» أم انك «عايش حياتك» وتبحث عن محتوى غير أخلاقى أم أنك تراوح بين الإثنين، بل إنه يعرف مزاجك العام من تعليقاتك: مكتئب أم سعيد، أم تمر بتجربة حب، أم فقدت عزيزا!!
كلنا نعرف هذا الكلام وربما أكثر.. ولكن هذا كله ورغم القفزة المخيفة التى حدثت فى تقنيات بناء «جوجل» قد يكون فى طريقه إلى زوال بعد أن خرج مارد رقمى آخر من قمقمه ليطيح بدولة «جوجل» التى ما كان يمكن لأحد أن يتصور أن أحدا يستطيع أن يقترب منها.. العالم كله مشغول الآن بالحديث عن هذا المارد الرقمى الجديد اسمه Chat GPT ( شات جى بى تى) هذا التطبيق، كما رصد الخبراء، يعد أسرع تطبيق انتشاراً منذ أن عرفت الإنسانية الثورة الرقمية، دليلهم فى ذلك أن هذا التطبيق استطاع أن يجذب 100 مليون مستخدم خلال أول شهرين من انطلاقه الذى تم فى نوفمبر الماضى، فى وقت استغرق غيره من التطبيقات، حتى الناجح منها، عدة سنوات ليصل إلى النجاح.


طيب ماهو سر هذا التطبيق، ولماذا هذه الضجة التى أحدثها فى العالم ؟
هذا التطبيق قادر باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى (AI) على إنتاج محتوى يمكن تسميته محتوى إبداعى (التسمية من عندى) فى أى فرع من فروع المعرفة الإنسانية بمعنى أنه ليس على طريق «القص واللصق» بل محتوى يمثل خلاصة قيام «خوارزميات» التطبيق بقراءة كل ما كتب فى القضية التى تبحث عنها، ويعطيك الخلاصة العلمية المدققة باختلاف الآراء، بل يعطيك الرأى الأرجح، وهو بهذه التقنية قادر على كتابة رواية أو قصة قصيرة، تتوافر فيها الاشتراطات الإبداعية من حيث البناء، بل إنه قادر على قرض الشعر، وكتابة نوتة موسيقية بل وعزفها، بل وكتابة السيناريو والحوار..  كل ما عليك فقط هو أن تحدد له الموضوع!
هناك نجم جديد فى عالم الذكاء الاصطناعى وراء هذا الإنجاز، ينافس إيلون ماسك الذى بنى ثروته من ابتكار وتصنيع السيارات الكهربائية (تسلا) وامتلك تويتر، وراح يطلق الأقمار الصناعية فى سماء الكرة الأرضية، النجم الجديد اسمه سام ألتمان(37 سنة) الرئيس التنفيذى لشركة أوبن إى آى (OPEN AI) الذى لم يتم تعليمه فى جامعة ستانفورد وتركها وهو دون العشرين ليحقق أحلامه، حيث بدأ تعلم لغة البرمجة وهو ابن ثمانى سنوات وليؤسس أولى شركاته الرقمية، .. وفى مرحلة كان يعمل مع ماسك الذى استقال وتخارج من الشركة لتعارض المصالح الآن وبعد أن أصبح التمان عمره 34 سنة ارتفعت القيمة السوقية لشركته التى طورت البرنامج المعجِز بـ29 مليار دولار!


حاول د.طارق شوقى وزير التعليم السابق أن يحول أبناءنا الطلبة من عالم الحفظ والتلقين إلى عالم البحث، فكان أن استبدل البحث بالحفظ، ولكن ما حدث كان كارثيا بسبب لجوء طلابنا بتشجيع ومعرفة من أولياء أمورهم، بل وأساتذتهم إلى «جوجل» لكى يقدموا أبحاثا على طريقة «القص واللصق» دون حتى أن يقرأوا أو يعوا حتى كلمة مما قدموا.. ماذا نحن فاعلون إذاً مع هذا الغول الجديد الذى يهدد بانهيارالتعليم المتداعى أصلا؟!
مخاوف مشروعة
خطورة التطبيق الجديد أنه يفتح باب التشكيك فى الأبحاث التى يقدمها الطلبة للتخرج وحتى أساتذة الجامعة للترقى.. فى الماضى القريب كنا نشتكى من سرقة الأبحاث فماذا عن الأبحاث التى سيكتبها هذا التطبيق المخيف من ألفها الى يائها؟
صناع هذا التطبيق لم يصنعوه لهذا الهدف.. بل صنعوه كخطوة قوية وعملية فى اتجاه تعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعى (AI) فى حياة البشر، وحتى يكون الروبوت قادرا على اتخاذ القرار، نعم اتخاذ القرار بناء على التعلُم ، وبناء على القيام  بتجارب، ومحاولات، مثله مثل البشر تماماً، بهدف الوصول الى اتخاذ القرار السليم فى قضية ما.. فى إحدى هذه المرات دربوا أحد الروبوتات على لعبة معينة، هزمه المهندس الذى برمجه ومع التكرار تعلم الروبوت من أخطائه، ووصل لمرحلة أنه عرف نقاط ضعف مهندسه، حتى فاز عليه.. يعنى هذا أن الإنسانية ربما تكون على عتبة جديدة من تحكم الآلات المعززة بالذكاء الاصطناعى فى البشر وليس العكس، وقد يصبح الخيال العلمى الذى نشاهده فى السينما الأمريكية واقعاً فى القريب العاجل، وما كنا نراه مجرد ضرب من الخيال، يصبح أمرا عاديا.


لو عدت خمس سنوات للوراء، وليس عشر، ستدرك حجم الاعتمادية الكبيرة والمتنامية الكبيرة للبشر على الذكاء الاصطناعى فى كل أمور الحياة، صغيرة كانت أم كبيرة.
نعود إلى ال Chat GPT ( شات جى بى تى) واللغط الذى سببه فى العالم الذى يسبقنا ربما بخطوات كثيرة، وأصبحت هناك بالفعل نقاشات وحوارات على مستوى الإعلام والمستوى الأكاديمى والتعليمى، يتعلق بنسب بحث ما أو دراسة، وصعوبة ذلك، إلى حد الاستحالة ، وهو ما جعل مطورى البرنامج يضيفون إمكانية تتيح لمستخدمه أن يعرف أصل ما يقرأ: من كتابة بشر أم روبوت!


ولكن هل وصلت الإنسانية بهذا التطبيق الى المنتهى والكمال؟
بالتاكيد لا، التطبيق مازال فى مراحله الأولى ويتم تحسينه أولا بأول لكنه يعانى أحيانا مما سماه الخبراء (هلوسة الذكاء الاصطناعى)، وقد انطلق مجانا، ثم أصبح باشتراك.
فى الغرب، تفاعلوا سريعا مع التطبيق الجديد، وعرضوا بالفعل على متخصصين فى كل مجال لأخذ آرائه ، منهم مثلا نك كا ، مؤلف وسيناريست ومغنى استرالى  الذى عرضوا عليه كلمات أغنية ألفتها تقنيات الذكاء الاصطناعى فقال إن كتابة الأغنية، أية أغنية تحتاج إلى مشاعر الإنسان، وما كتبته الروبوتات مجرد هراء!
الغرب متفاعل مع الأمر وهناك مخاوف حقيقية تتعلق بالأمن القومى لكل بلد، والأمن السيبرانى الذى تتزايد أهميته يوماً بعد يوم، مخافة أن ينتهى الأمر بدمار شامل للأرض لو حدث وتمكنت الروبوتات المعززة بال AI من اختراق شفرات تشغيل أجهزة الكمبيوتر المتحكمة فى الأسلحة بأشكالها المختلفة وقد تتورط الإنسانية فى حرب نووية بأوامر من الروبوتات!
هذا الغول الجديد يطرح مجموعة من التساؤلات التى هى أقرب إلى هواجس؟
-هل يمكنك أن تثق بعد اليوم فى أى محتوى على الإنترنت؟
-هل يمكن أن تثق فى شهادة الطبيب الذى يعالجك؟
-هل يمكنك أن تثق أصلا أن ما تقرأه الآن كتبته أنا علاء عبد الهادى الذى يزيل اسمى المقال أم أن «تشات جى بى تى» قام بالمهمة نيابة عنى؟ !
ذكرى التوأم
قبل أيام مرت الذكرى الـ109 لميلاد التوأم مصطفى وعلى أمين، ليس من قبيل المبالغة أن الاحتفاء بذكرى ميلاد هذا التوأم هو فرض عين، لأن تاريخ مصطفى وعلى أمين، هو فى الوقت نفسه هو جزء أساسى من تاريخ الصحافة الحديثة فى مصر لعدة عقود، والقفز على هذه الذكرى أو محاولة تقزيمها فى مجرد الوفاء للرعيل الأول، وهو مهم للأمانة، إنما يعد انتقاصاً من دور مدرسة أخبار اليوم الصحفية التى أرسى دعائمها هذا التوأم الفريد العاشق للصحافة.. وبهذه المناسبة أدعو كل زملاء المهنة إلى الرجوع إلى أحد محاضر اجتماعات الجمعة التى خصصها الراحل مصطفى أمين لإنشاء السد العالى، عندما طلب من محررى الأخبار أن يقوموا بتحويل كل حجر من أحجار السد إلى قصة إنسانية ليشعر كل مصرى بأهمية وضرورات إنشائه، وكلفهم بأن يقدموا للرأى العام المصرى ( 23 مليون بداية الإنشاء) إجابة عن كل تساؤل.. مثل هذا الأمر أجد الرئيس عبد الفتاح السيسى يحرص فى افتتاح أى مشروع قومى على توجيه الوزير أو المسئول إلى ضرورة أن يفهم المواطن، ولا يتركه نهباً لتساؤلات بلا أجوبة.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة