آمال عثمان
آمال عثمان


آمال عثمان تكتب: معركة الدم الأبيض!

آمال عثمان

الجمعة، 03 مارس 2023 - 07:23 م

أُعجبتُ بشخصيتها منذ التقيتُها لأول مرة، ضمن مجموعة من الزملاء بمدينة الأقصر، وزاد قربى منها حين لمستُ صدقها واعتدادها بذاتها، وحين علمت برحيل والدتها، تملكتنى مشاعر أمومة، وإحساس بالمسئولية تجاهها، وتوطدت العلاقة، وصرت أعدها ابنتى بكل ما تحمل الكلمة من معان. 

هبط خبر مرضها كالصاعقة، وأدركتُ أن الآلام والأوجاع التى عانتها قبل شهور، ما هى إلا مقدمات تخيّرها الوحش الكاسر ليعلن بكل وقاحة عن وجوده الغادر، ويفرض سطوته على جسدها حتى النخاع، ويداهم الأنسجة ويغزو الخلايا، ليحوّل دماءها إلى اللون الأبيض!! رحلة مرض غاية فى القسوة والشراسة عايشتها لحظة بلحظة، بداية من اكتشاف المرض، مروراً بجلسات الكيماوى وآثارها المدمرة، والمحاليل والصفائح والمضادات، و«الكانيولا» التى لم تترك مكاناً فى الجسد إلا اخترقته، حتى العنق والصدر لم تشفع لهما الآلام والأوجاع المبرحة، ورضخت أجهزة الجسم للاجتياح المسعور، وأُرغمت الأوردة على الهروب والاختباء لأجل غير مسمى!!

رحلة عصيبة رأيتُ فيها رؤى العين ما يتحمله المعهد القومى للأورام من جهود جبارة لاستقبال 3 آلاف مريض يومياً، ولمستُ ما يبذله فريق من أعظم الاستشاريين والأطباء، وجهاز تمريض على مستوى عالٍ من الاحترافية والإنسانية، ولولا تلك الرحلة لما أيقنتُ مدى فداحة الجُرم الذى ارتكبناه فى حق هذه القلعة الطبية الشامخة، والتقصير الشديد فى تبديد أموال التبرعات على منشآت طبية تنفق المليارات على الإعلانات، وتهدر أموال الصدقات على برامج ترفيهية ومسلسلات تليفزيونية، ومنح دراسة الإدارة، وأجهزة طبية عاطلة، وكلها أموال يمكن أن تُوجَه لإنقاذ حياة ملايين المرضى كباراً وصغاراً، وتساهم فى دعم صرح طبى يُدار بكفاءة وإخلاص، وضوابط صارمة، تفتقر إليها مستشفيات استثمارية متوحشة، صارت مرتعاً للجشع، ونهب جيوب المرضى، تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان!!  

إن الابتلاء اختبار نفوز فيه بالصبر والرضا، والله ابتلى أيوب عليه السلام ليختبره، فخسر تجارته ومات أولاده، وأصيب بمرض جعل الناس ينفرون منه، واضطرت زوجته للعمل فى البيوت، وظل18 عاماً صابراً راضياً يستحى أن يطلب من ربه فكّ كربه، لأنه مكث 80 عاماً فى الرخاء، وحين ضاق الحال وباعت زوجته شعرها، دعا الله قائلاً: «ربى إنى مسنى الضر، وأنت أرحم الراحمين»، فاستجاب له الله وأعاد له صحته، ولزوجته الصابرة شبابها، فأنجبت له 26 ولداً. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة