عبدالله البقالي - نقيب الصحافيين المغاربة
عبدالله البقالي - نقيب الصحافيين المغاربة


حديث الأسبوع

عبدالله البقالي يكتب: الوصفة الخاطئة

الأخبار

الإثنين، 06 مارس 2023 - 06:12 م

لا يكفى الإسهال فى إصدار التقارير والبيانات المشتركة لتفسير ما تواجهه الأوضاع فى مختلف مناطق العالم من تحديات كبرى، خصوصا ما يتعلق بما يترتب عن هذه الأوضاع من تداعيات على المستويات الاجتماعية بالخصوص، بالأحرى إقناع الناس بما يحدث.

فحينما يؤكــد تقريــر صادر عــن وكالة (بلومبــرج)، قبل أيام قليلــة مــن اليــوم أن «الأزمة العالمية بشأن الإمدادات الغذائية تأخذ منعطفاً ينذر بالخطر، إذ تهدد باستهلاك المكونات الضرورية لتغذية العالم «، ويضيف بأن (مجموعة من العوامل تهز الآن سوق الخضر، وهى العمود الفقرى لنظام غذائي صحي ومستدام)، وأن (الأسعار فى ارتفاع، ما يؤجج التضخم ويدفع البلدان إلى اتخاذ إجراءات لتأمين الإمدادات)، ويحصر التقرير أسباب ما يحدث فى (التأثير غير المباشر للفيضانات الكارثية فى باكستان، والصقيع الذى يلحق الضرر بالمخزونات فى آسيا الوسطى، والحرب الروسية فى أوكرانيا).

وحينما يتهم بيان مشترك لرؤساء منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وصندوق النقد الدولى، ومجموعة البنك العالمى، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة التجارة العالمية، بشأن أزمة الغذاء والأمن الغذائى العالمية، صدر قبل أيام قليلة من نشر تقرير وكالة (بلومبرج)، « تعطل سلاسل الإنتاج، وتغير المناخ، وأزمة جائحة كورونا، وتشديد الأوضاع المالية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، والحرب فى أوكرانيا، فى صدمة غير مسبوقة للنظام الغذائى العالمي، عانت منها الشرائح الأكثر ضعفاً واحتياجاً أيما معاناة «، فإنه سواء تعلق الأمر بما تضمنه التقرير أو ما جاء به البيان المشترك الصادر عن أهم المنظمات الدولية المالية والاقتصادية المختصة، فإن المبررات لم تكن فى حجم التحديات، ولا يمكنها أن تكون كافية لإقناع الناس فى مختلف مناطق العالم، بأن ما يتعرضون له من صعوبات ومشاق ومعاناة فى تحصيل غذائهم اليومى يعود فقط لأسباب طارئة.

الحقائق الصادمة التى تؤكد أن ما يحصل ناتج عن أسباب عميقة، لا تقتصر على ما يعرض على الرأى العام الدولى من أسباب رافقت البشرية منذ وجودها إلى اليوم، وفى هذا الصدد تشير الإحصائيات الصادرة عن هذه الجهات نفسها إلى أن 349 مليون شخص فى 79 دولة فى العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائى الحاد، وأن معدل انتشار سوء التغذية آخذ فى الارتفاع بعد ثلاث سنوات من التدهور، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع، مع توقع انخفاض الإمدادات الغذائية العالمية إلى أدنى مستوى لها خلال الثلاث سنوات المقبلة، وأن ثمة حاجة ملحة بشكل خاص فى 24 بلداً اعتبرتها هذه المنظمات ًبؤر جوع.

ولا تكفى حتى الوصفة العلاجية المستعجلة التى روج لها البيان المشترك بين أكبر المنظمات الدولية وأكثرها قوة، لعلاج الأمراض المزمنة التى تنهك جسد الاقتصاد العالمى، ولا لوضع حد لأزمة الغذاء العالمى التى تكاد تكون فى الظروف الحالية، غير مسبوقة فى تاريخ البشرية الحديث، لأنها وصفة تفتقد إلى تحديد العلاجات الضرورية والحقيقية للأمراض الخطيرة التى تهدد مصير مئات الملايين من الأشخاص، حيث اكتفت الوصفة بأن « أهابت بالحكومات والجهات المانحة أن تساند الجهود المبذولة على مستوى البلد المعني، لتلبية الاحتياجات فى بؤر الجوع وتبادل المعلومات ودعم التأهب لمواجهة الأزمات، « و بأن دعت « البلدان إلى الحد من التشوهات التجارية إلى أقصى قدر ممكن، وأن تعزز توفير السلع، لا سيما سلع النفع العام، وتمكين القطاع الخاص من المساهمة بصورة مجدية وملموسة فى تحسين إنتاجات الأمن الغذائي، وتجنب سياسات مثل فرض القيود على الصادرات التى يمكن أن تعيق حصول المستهلكين الفقراء فى البلدان منخفضة الدخل على الغذاء «، وبأن التمست « من البلدان إصلاح وإعادة توجيه الدعم التام الشامل نحو برامج مؤقتة أفضل استهدافاً للأمن الغذائى العالمى وأنظمة غذائية مستدامة ».

وتكمن تجليات عدم الإقناع فيما يتم الترويج له من تقارير وبيانات مشتركة، وعجزها عن صياغة تفسيرات قادرة على تبرير ما يجري، فى أنها تقتصر على ملامسة نفس الأسباب التى يتم التسويق إليها كلما عاد الحديث عن أزمة الأمن الغذائى العالمي، وعن باقى الأزمات المرتبطة بها، فسواء تعلق الأمر بتغير المناخ، أو بالفيضانات الكارثية التى اجتاحت باكستان، أو بالصقيع الذى يتهم بإلحاق الضرر بالمخزونات الغذائية، فإنها ظواهر طبيعية اعتادت البشرية عليها، وأنها ليست المرة الأولى التى تخرج فيها إلى الوجود، وأن أزمة الأمن الغذائى كانت مطروحة بحدة قبل هذه الأحداث، وستزداد استفحالاً واستعصاء بعدها ، وأن مؤشر ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية فى الأسواق العالمية اتجه نحو الصعود بشكلٍ مذهل وخطير قبل أسابيع قليلة من اليوم، وبعد ظهور كثير من الكوارث الإنسانية الطبيعية التى عرفتها بعض مناطق العالم.

كما أن النصائح والتوجيهات المتضمنة فى البيان المشترك لا تعدو مجرد تعتيم عما يجب اتخاذه على وجه السرعة لكبح جماح الأزمة الغذائية، التى تزداد انتشاراً فى الخريطة العالمية.
الأسباب الحقيقية فيما يحدث تتجلى فى أزمة نظام عالمى مختل وظالم، والذى قادت تطوراته إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين القوى العظمى المتحكمة فى هذا النظام، وأن مقتضيات وشروط هذه المواجهة وضعت مصير البشرية جمعاء رهينة بين أيادى هذه القوى، ولذلك تعطلت إمدادات الإنتاج، وانتهزت شركات النقل الملاحى والجوى، وشركات التأمين الفرصة للزيادة فى حجم أرباحها على حساب القوت اليومى لمئات الملايين من الأشخاص، وسادت أجواء الخوف والقلق مما سيأتى ما دفع بعض الدول الكبرى إلى تخزين المواد الغذائية تحسباً لزمن أكثر صعوبة، وبالتالى فإن مصير العالم يتوقف على الرصد الواقعى والمنطقى للأوضاع السائدة، والإقرار بشجاعة كبيرة بالأسباب الحقيقية التى قادت العالم نحو التهديد الحقيقى والمباشر الذى يواجهه، ومن هناك فرض الحلول العميقة الكفيلة بمعالجة جميع مظاهر الاختلالات والأزمات، وما عدا ذلك، فإنهم بصدد التعتيم عن الأسباب الحقيقية، وإلهاء العالم عنها بافتعال تبريرات ووصفات مغلوطة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة