علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الاخبار

عامُك أيامُه رمضان.. شهرُك لياليه «قدرٌ»

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 14 مارس 2023 - 08:38 م

لقد كان خُلق رسولنا الكريم القرآن، ثم إنه كان عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشى على الأرض، فلماذا لا نتأسى به ونقتدى بهديه فى كل زمان ومكان، وليس فقط فى رمضان؟

أنواره تتلألأ فى الأفق القريب.
إن هى إلا أيام قلائل حتى يظلنا بجلاله وبهجته، بوقاره وفرحته، بذكرياته وأيقوناته، بأعرافه وتقاليده.
شهر لمذاقه جمال وحلاوة لا تقارن بسواه فى أى عيد أو مناسبة مهما عُظمت.


يكفى أنه رمضان الذى أنزل فيه القرآن.
ثم أنه الشهر الذى اصطفاه سبحانه وتعالى ليكون زمناً للصوم.
وكم تمنيت لو كان العام كله رمضان.
وعلى مدى سنوات العمر، ومنذ كنت ابن السادسة، فصُمت لأول مرة، وخلال ستة عقود تقريباً تقلبت الأيام، وحل رمضان ضيفاً كريماً فى مختلف فصول السنة؛ فى قيظ الصيف، وفى برد الشتاء، فى سخونة الخريف، وفى لطف الربيع، فى كل الأحوال والظروف كان أبداً محبباً، داعياً للفرحة الممتزجة بالخشوع.
صوم الجوارح
الخميس:
لا أغالى قط حين أفصح عن أمنية عزيزة بأن تكون كل الشهور رمضان، ليس مستحيلاً أن تتحقق تلك الأمنية، ليس بحرفيتها، وإنما بالجوهر والمغزى والمعنى.


بعضنا يعينه المولى عز وجل على صوم يومين كل أسبوع، وثلاثة أيام قمرية كل شهر عربى، ويكثر من الصيام فى شعبان وربما فى رجب، لكن ما قصدته أعم من ذلك.
إذا كان بقدرة البعض أن يحرص على النوافل والتطوع فيما أشرت إليه آنفاً، فيمسك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر لغروب الشمس، طال اليوم أم قصر، فسبحانه وحده يجازيه، إنما ما قصدته، العودة لأصل الصوم، أى الإمساك عن فعل كل ما يغضب الله، أو قول ما يقترب من المعصية، حتى وإن طعم المرء وشرب، بالطبع فى غير رمضان.


ففى الشهر المعظم إن لم تصم الجوارح كافة، فليس للإنسان من صومه إلا الجوع والعطش.
خلال أحد عشر شهراً بخلاف رمضان، قد لا تستطيع الإمساك عن الطعام والشراب، غير أنك تظفر ببعض ثواب الصوم، إن أمسكت عن مفطرات كثر، فلسانك صائم عن الكذب والنميمة، وعينك لا تنظر إلى المحرمات، وأذنك لا تعير انتباهاً لقول الزور أو سير خلق الله، وقدمك لا تمضى إلى حرام، ولا يدك تمتد إليه، وصدرك لا يغل ضغينة أو حقداً لأحد، وعقلك لا يطلق العنان لخيالات مريضة وأفكار سقيمة، حينها تدخل فى عداد الصوامين، ولا يجازيك إلا خالقك، فأنت أمام الناس تتناول الطعام والشراب، غير أن المطلع على السرائر وما تخفى الصدور، يرى كيف تتقيه بالصوم عن الرذائل، وتنأى عن المفاسد مبتعداً عنها كالفار من النار.


ألا يعد ذلك المسلك إن اتبعته والتزمت به فى يومك، أنك تحيى بالفطرة السليمة ، ما كنت أو سوف تكون عليه حين تصوم رمضان؟
شفاعة القرآن
الجمعة:
رمضان كما هو شهر الصيام، فإنه شهر القرآن. فيه نزل، من ثم كان حرص الصائم على إحياء لياليه بتلاوته، وتدارسه، وختمه مرة أو أكثر بحسب المقدرة.
فلماذا لا يكون الوجه الآخر لعام كل أيامه رمضان، ألا ينفصل المؤمن عن القرآن خلال أحد عشر شهراً بخلاف رمضان؟
إذا كان الصائم فى رمضان يقرأ حزباً أو جزءاً، فلا بأس من أن يتلو ما يستطيع ولو بضع آيات، أو صفحات، بخشوع قلب، وتدبر للمعانى، المهم أن يجعل لنفسه نصيباً يومياً من آيات الذكر الحكيم، فقليل دائم خير من كثير منقطع، المهم ألا تكون علاقة المؤمن بكتاب الله موسمية، محلها رمضان فقط، ودونه يكون مهجوراً، لا ترتيل، ولا تدبر، وربما قاد ذلك الهجر المرء إلى ألا يعمل بأوامره ونواهيه.


لقد كان خُلق رسولنا الكريم القرآن، ثم أنه عليه الصلاة والسلام كان قرآناً يمشى على الأرض، فلماذا لا نتأسى به ونقتدى بهديه فى كل زمان ومكان، وليس فقط فى رمضان؟
وإذا كان ثمة حرص على الفطرة السليمة للإنسان، فإن ذلك يحتم ألا يكون حرصاً مرتهناً بشهر فى العام، ثم إعراض عنها بقية العام! إذ فطرة الإنسان تكتمل بالفطرة المنزلة، أى بالقرآن كما أشار أحد الصالحين، والمؤمن الصادق يجب أن يحرص على سلامة فطرته دائماً، ولا سبيل له سوى تلاوة القرآن ودرسه وتدبره، عبر تخصيص قدر من وقته ولو لدقائق معدودات يومياً، لا يغفل عنها مهما كانت انشغالاته.


وجها رمضان المعظم، يمضيان مع المؤمن كل عامه إن أراد، وليكن أمام عينيه قوله «صلى الله عليه وسلم»: «الصيام والقرآن يشعفان للعبد يوم القيامة».
.. ومنظومه قيمية راقية
السبت:
«الدين المعاملة».. «الدين للحياة»..
وإذا كان المؤمن الحق يسعى بجهد جهيد إلى أن يكون عامه، فى كل أيامه رمضان، فالأحرى به أن يغلف معاملاته فى كل وقت ، بالقيم التى يحرص عليها حين يصوم الشهر الكريم.


سليم الفطرة لا يفصل فى حياته بين العبادات والمعاملات، وإنما يحرص على أن يكون ثمة اتساق تام بينهما فى جميع أوقاته.
الصائم الحق يعلى القيم السامية من بر، حياء، تسامح، رحمة، تواضع، وفاء، أمانة، بشاشة، تعاون،..،.... وتدين، وهنا أعنى التدين الحق بعيداً عن الحرص على الشكليات والزيف والرياء.


جوهر التدين ترجمته إلى سلوك حياتى، عبر منظومة قيمية راقية، يكون حاضراً فيها البر بمعناه الشامل الذى يضم تحت جناحيه جميع الفضائل: إذ «البر حسن الخلق» كما أوضح رسولنا الكريم، ثم هناك الحياء الذى ثمنه عليه الصلاة والسلام «شعبة من الإيمان» ولا يبعد عن أنظارنا التسامح، ففى غيابه لا تعاون ولا حوار ولا تعايش.
وقبل أى قيمة مهما عُظمت تتقدم الرحمة على ما عداها، فإذا حلت القسوة محلها غابت عن الإنسانية أهم سماتها، إذ هى أرقى درجات السمو الأخلاقى، وردف لها التواضع فلو غاب ساد التعالى والتكبر، مما يفضى لتهديد آدمية الإنسان.


فى رمضان نلحظ تحولاً للبعض من معارفنا وجيراننا وأقاربنا نحو الأفضل، إذ تسود بينهم قيم كانت غائبة، وما أن يلوح آخر أيام الشهر الفضيل، يبدأ التحول فى الاتجاه العكسى مفاجئاً أو تدريجياً، وكأنك بصدد التعامل مع شخص مختلف!
على الجانب الآخر؛ يكون رمضان فرصة لتصحيح مسار آخرين، يخرجون مختلفين، بالطبع للأفضل، ويستمرون على هذا النحو، لتكن أيامهم المقبلة امتداداً لرمضان، وليكن عامهم بجميع أيامه مستظلاً ببركة الشهر الكريم.


ولذا كان الصيام من أكبر أسباب التقوى، وكان رمضان ميدانا لتدريب الصائم على مراقبة خالقه بالحرص على طاعته، والطاعات من خصال التقوى، فإن الفوز الحقيقى يتأتى باستمرار المؤمن على ما اعتاده خلال رمضان..
تلمسوها كل ليلة
الأحد:
من عظم قدرها يتمنى المرء، لو كانت كل ليالى رمضان لها تلك العظمة، والشرف، والشأن الذى لا نظير له.
اختلفت الروايات فى تعيينها، وإن كان المشهور أنها ليلة السابع والعشرين، وهناك من نصح بالتماسها فى الأوتار من العشر الأواخر.
اجتهد البعض فى أن حكمة إخفائها، تكمن فى تعرض من يريدها للثواب العظيم بإحياء الليالى فى طلبها.
ولعلى أميل إلى ما ذهب إليه الأستاذ الإمام محمد عبده، من كونها ليلة من شهر رمضان بلا شك، وكل تأويل يخرج عن ذلك بعيد عن معنى النص، ليس فقط فى سورة القدر، وإنما أيضا فى الإشارة إليها فيما دونها من آيات أخرى.


وكما يؤكد الإمام فى تفسيره فإن الأخبار الصحيحة متضافرة على أن ليلة القدر فى شهر رمضان، ولا يعينها من بين لياليه، فقد اختلفت فيها الروايات اختلافا عظيما، وكتاب الله لم يعينها، وما ورد فى الأحاديث من ذكرها إنما قصد به حث المؤمنين على إحيائها ، بالعبادة شكرا لله تعالى على ما هداهم بهذا الدين، الذى ابتدأ الله إفاضته على عبادة أثناءها.


ويمضى الإمام فى طرح رؤيته المتفردة: من أراد أن يوافقها على التحقيق فعليه أن يشكر الله بالفراغ إليه بالعبادة فى الشهر كله، وهذا هو السر فى عدم تعيينها، وتشير إليه آية سورة البقرة «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» فإنها تجعل الشهر كله ظرفا لنزول القرآن ليذكر المؤمنون نعمة الله عليهم فيه.


تأمل اجتهاد الإمام، يدفع المؤمن الصائم إلى تلمس ليلة القدر طوال الشهر، من ثم يكون شهرك لياليه كلها «قدر».
أما الذهاب نحو رؤى أخرى، فإن الاجتهاد فى العبادة يقتصر على ليلة واحدة، أو خمس ليالٍ على الأكثر، بينما اجتهاد الإمام محمد عبده يجعل المؤمن الصائم يجتهد فى العبادة، والتقرب إلى الله كل ليالى رمضان، والبون شاسع، والفرق هائل بين الأحوال الثلاثة دون شك.
إذا عرضت على إحياء كل ليالى رمضان، وكأنها ليلة القدر، فأنت الفائز يقينا، فلست من الذين يخمنون، أو يحاولون الظفر بها بأقل جهد، فمن لهذا الأمر العظيم؟ ومن لهذا الجزاء الجزيل؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة