محمد عبدالله، صاحب محل خياطة بمنطقة السيدة زينب
محمد عبدالله، صاحب محل خياطة بمنطقة السيدة زينب


أسعار الخامات زادت..

حكايات| «الترزي» مهنة قتلها الزمن.. و«الجاهز» يفرض نفسه

آخر ساعة

الأحد، 19 مارس 2023 - 01:20 م

كتب: ريحاب محمد

تراجعت مهنة الترزي في ظل وجود محال الملابس الجاهزة التى قضت منذ سنوات طويلة على مهنة التفصيل، فلم يعد أحد يفكر في الذهاب للترزى تلك المهنة التى حظيت بسمعة طيبة لفترات زمنية طويلة، قبل أن يقتلها الزمن ويتحول أغلب الصنايعية إلى كسب أرزاقهم بالعمل كسائقين على «التكاتك»، إلا أن البعض لايزال متمسكًا بالعمل في مهنة الترزي.

محمد عبدالله، صاحب محل خياطة بمنطقة السيدة زينب، كان يجلس وسط مجموعة من الفساتين المستعملة المعلقة داخل المحل.. ظننا فى البداية أنه قام بتفصيلها للزبائن، لكنه أخبرنا أنها للتأجير، عوضاً عن وقف الحال الذى يعانيه حاليا وعدم وجود طلب على التفصيل، حيث يلجأ لهذه الحيلة وهى تأجير الفساتين لكسب قوت يومه.

سألناه عن المشكلات التى تواجهه فى هذه المهنة، أخبرنا أن أبرز الأسباب غلاء أسعار الخامات بشكل كبير، فمثلا بكرة الخيط كان سعرها 275 قرشًا، وأصبحت الآن بـ8 جنيهات، وهو فارق كبير جدًا، وهو يحتاج لشراء حوالى 30 بكرة، بالتالى فإن الكلفة النهائية للتفصيل تكون أعلى بكثير من شراء الملابس الجاهزة.. وإن كانت جودة خامة الجاهز أقل بكثير.

 

الإيجار يقتل المهنة 

ولا يعتمد محمد على مهنة أخرى كعمل مواز بجانب التفصيل، لأنها ـ حسبما يقول - مهنته الأساسية، ولا يعرف أن يعمل غيرها رغم ما يواجهه من معوقات، فمثلا إيجار المحل 2000 جنيه، إلى جانب فاتورة الكهرباء التى زادت قيمتها عمّا سبق ونفس الأمر بالنسبة إلى فاتورة المياه، بخلاف أنه كان لديه «صبى» يساعده فى العمل وقام بتسريحه لتوفير أجرته، وفى النهاية لا يوجد أى مكسب.

يتابع: «للأسف هناك شيء محزن أن هناك عددًا من زملائنا كانوا صنايعية ممتازين تركوا المهنة واتجهوا للعمل كسائقين على التكاتك، لأن كل الظروف المحيطة بالمهنة أصبحت صعبة، فلم يعد أيضا هناك مجال لاستيراد الخامات».

اختفاء التفصيل والتصليح البديل

ويضيف: «المحل الآن يعتمد على التصليح فقط مثل تضييق بنطلون أو تقصير عباءة أو أشياء من هذا القبيل.. عكس الفترات السابقة كنت أكسب واشتريت شقة وسيارة، أما الآن فأنا أسدد بالكاد قيمة الخدمات بصعوبة مثل المياه والكهرباء ومصاريف البيت، وحتى الماكينات الموجودة بالمحل يُفترض أن يتم تغييرها كل فترة لكن لأن الظروف لا تسمح بذلك فإننى أضطر لإبقاء الحال على ما هو عليه، فإذا حدث أى عطل بدلا من أن أشترى ماكينة جديدة بخمسة آلاف جنيه أقوم بتصليحها بـ200 جنيه فقط.


بكسب وأربي وأولادي

ردنا أن نعرف الفارق بين أسعار الملابس التفصيل والجاهزة، فقال: «البدلة الحريمى العادية بدون بطانة أجرة تفصيلها 300 جنيه، والبنطلون وحده بـ150 جنيهًا، والبلوزة 150 جنيهًا، أما البدلة المبطنة 600 جنيه، وحشو البدلة الرجالي 500 جنيه والعادية 350 جنيها، والجلباب الرجالى يكلف 1500 جنيه، بالتالى التفصيل مكلِّف للغاية مقارنة بالجاهز، خصوصا بعد إضافة سعر القماش، فمثلا البدلة تحتاج إلى ثلاثة أمتار من القماش وثمن المتر 150 جنيها بإجمالى 450 جنيها وأجرة التفصيل 450 جنيها، فتصبح التكلفة النهائية للبدلة 900 جنيه،ولكن هناك من يفضل شراء بدلة جاهزة بـ400 جنيه فقط».

الزبائن تتجه لشراء الجاهز

ويوضح: «معظم الزبائن اتجهوا للشراء من الوكالة نظرا لأن الأسعار هناك أقل فمثلا بدلا من أن يقوم شخص بشراء بدلة بـ500 جنيه يذهب الوكالة ويشتريها بـ100 أو 50 جنيها فقط»، لافتًا إلى أنه يقوم بتأجير الفساتين للفتيات اللواتى ينتمين لطبقات فقيرة بمقابل بسيط وأحيانًا يعطى الفتاة فستانا بدون مقابل لترتديه فى حفل خطوبتها إذا كانت لا تقدر على دفع مقابل التأجير».

انتقلنا إلى منطقة الزيتون، وهناك التقينا ترزيًا آخر يُدعى صلاح، وهو رجل متقدم فى السن يجلس فى محل صغير وأمامه ماكينة خياطة ومقص وبنطلون، وعلمنا منه أنه قضى عمره فى هذه المهنة ولكن حالها زمان كان أفضل بكثير مما هى عليه الآن، ويقول: «قديما كان الأسطى الترزى له سمعته وصيته، ويأتى إليه الناس بكثرة، وكنت أكسب وأربى أولادى وأجد فائضًا أيضًا، أما الآن فقد تغيّر الوضع تمامًا، والمهنة أصبحت تعانى الكساد».

«ترزى» على لافتة باهتة 
وأوضح أن المحل حاليًا قائم فقط على التصليحات البسيطة خصوصا أن معظم الناس أصبح يشترى الجاهز، ولم يعد هناك إقبال على التفصيل لأنه مكلِّف وأعلى سعرا من الجاهز، ويقول: «الزمن تغيَّر وظروف الناس تغيرت، ولذا لم يعد هناك إقبال على تعلُّم مهنة الترزى التى أصبحت فى تراجع كبير».

وفى منطقة ترعة الجبل، يوجد محل عليه لافتة قديمة باهتة مكتوب عليها «ترزى»، لكن المحل مغلق.. وإلى جواره مقهى سألنا أحد الجالسين عليه فأكد لنا أن محل الترزى مغلق منذ فترة طويلة وصاحبه لم يعد يفتحه والسبب أن حال المحل «مش ماشى» وأن صاحبه عرضه للبيع.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة