الأم المثالية - صورة أرشيفية
الأم المثالية - صورة أرشيفية


خبير آثار يطالب بتسجيل الموروث الشعبي لدور الأم المصرية باليونسكو  

محمد طاهر

الإثنين، 20 مارس 2023 - 07:07 ص

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة، أن اتفاقية حماية وصون التراث غير المادى  2003 دخلت حيز التنفيذ عام 2006، ووقعت عليها 134 دولة منها مصر، ويمثل التراث اللامادى ركيزة مهمة في الحفاظ على التنوع الثقافي في عصر العولمة، ولهذا أصبح واحدًا من أولويات اليونسكو والمنظمات المعنية كونه مجالًا قابلًا للاندثار، وهو يشمل على سبيل المثال لا الحصر المهرجانات التقليدية، والعادات والتقاليد، والملاحم، وأساليب المعيشة، والمعارف والمهارات والحرف التقليدية، والأغاني، والرقصات، والحكايات، والفنون الروائية، والأكلات الشعبية، والطقوس الاجتماعية، وغيرها من الممارسات والتعبيرات الثقافية للجماعات المحلية.

وأضاف الدكتور "ريحان" بأن دور الأم فى مصر مرتبط بعادات وتقاليد متوارثة منذ عصر مصر القديمة ومن هنا جاء التميز والاستثنائية للموروثات الشعبية المرتبطة بالأم فى مصر القديمة والمستمرة مع الأم فى مصر الحديثة حيث حافظت الأم على الحكايات والأمثال والمعتقدات وعادات الطب الشعبي وكل ما يتعلق بدورة الحياة من المهد إلي اللحد، ومنذ ولادة الطفل وحتى زواجه ومن هنا نطالب بإعداد ملف الأمومة فى مصر وارتباطها بموروث قوى مستمد من أصول مصرية قديمة لتسجيله تراث ثقافي لامادى بالقائمة التمثيلية باليونسكو.

ويستند الدكتور ريحان على دراسة للباحثة فى الفولكلور والثقافة الشعبية زينب محمد عبد الرحيم التى أكدت أن النساء بشكل عام والأمهات بشكل خاص يمتلكون أنواعًا متعددة من أشكال الموروث الشعبي داخل ذاكرتهم وفي صدورهم ومنها الموروثات الخاصة بالختان والفطام ومداعبة الأطفال وتنويم الطفل والمفاخرة بابنها وعند استقباله بعد عودته من الكُتاب لأول مرة وفيما يخص الإبداع نجد للمرأة فنونها الخاصة مثل الحُلي والأزياء وفي مجال المعتقدات الشعبية نجد المرأة تتفرد بطقس الزار والشبشبة وحلب النجوم.

وينوه الدكتور ريحان إلى أن الدراسة تشير إلى مظاهر الأمومة في الحياة الشعبية منذ أن تلد الأم وتضع طفلها  وتبدأ باحتفال السبوع حيث أن هذا الطقس الاحتفالي ملئ بالموروثات الشعبية ومن أشهر الأغاني الخاصة بالسبوع "حالاقاتك برجالاتك حلقة دهب في وداناتك" وأغنية يارب ياربنا تكبروتبقى قدنا وأثناء رش الملح بغرض إبعاد العين الشريرة والحاسدة ترش الأم الملح وتقول "يا ملح دارنا كتر عيالنا" وتدق الهون أيضًا لنفس الغرض وهو إبعاد أي أرواح شريرة يمكنها أن تؤذي الطفل ونري عناصر ثقافية كثيرة داخل هذا الاحتفال ويختتم  السبوع باسمع كلام أمك متسمعش كلام أبوك إلى أن تخطي الأم سبع خطوات فوق الطفل الأولى بسم الله والثانية بسم الله إلي السابعة رقيتك رقوة محمد بن عبد الله وينتهي الاحتفال ولا تنتهي مظاهر الأمومة خلال السنوات الأولى من عمر الطفل.

ويتابع الدكتور ريحان من خلال الدراسة بأن فترة الرضاعة واحتضان الأم للطفل هي فترة محورية بها العديد من المظاهر الثقافية المتوارثة فالأم أثناء فترة الرضاعة تغني وهي تهنن طفلها ولدينا الكثير من أغاني المهد للطفل وهذه الأغاني تُغنى غالبًا قبل النوم لتهدئة وتدليل الأطفال وفي أوقات التهنين وتهدئة الطفل للنوم تغني الأم لطفلها بصوتها الهاديء "ياحبية من زمان وأنتِ في أبراج الحمام، ننه هوهُ  ننه نام، نام يا حبيبي نام وأدبحلك جوزين حمام، "تاتا خطي العتبة تاتا حبة حبة" أثناء تدريبه على المشى.

وذلك مع التهنين وهزهزت الطفل حتى يخلد إلى النوم وتسخدم الأمهات كثيرًا الشخشيخة لتهدأت الطفل أثناء البكاء وهذا يجعلنا نذكر التشابة الكبير بين هذه العادة وصلاصل حتحور الأم الكونية في الحضارة المصرية القديمة وتلك الصلاصل أو شخشية حتحور كانت تمثل طقسًا هامًا في تهدأت غضب الآلهة وإبعاد الأرواح الشريرة والمزعجة .

وعندما يكبر الطفل ويصل إلى الفُطام نجد أن الأم هي من تحكي وتروي وتُبدع في فن الحدوتة فمن منا لم ينشأ على حكايات أمه والجدات؟ فهن بكل تأكيد كنزًا بشريًا حامل للتراث، ومن هنا تبدأ الأم في زرع منظومة القيم وتبدأ التنشئة الأولى للطفل من خلال الحواديت التي تتمثل في الشاطر حسن وست الحُسن وفرط الرُمان وغيرها من الحواديت والحكايات الموجودة في تراثنا الشعبي وكل أطفال العالم ينشئون على الحواديت وتعتبر الأم والجدة الراوي لهذا النوع من الحكي ليس في ثقافة معينة بل في كل العالم بل والأكثر غرابة أن كثير من الحواديت تتشابة إلى حد كبير مع نظيرتها في ثقافات الشعوب الأخرى مثل بياض الثلج القصة الألمانية وشبيهتها ست الحُسن والجمال، وقصة سندريلا الألمانية وشبيهتها بدر الصباح وأيضًا رادوبيس المصرية القديمة.

حدوتة قبل النوم


وعندما تبدأ الأم في الحكي لطفلها أثناء الخلود إلي النوم لابد وأن تروي الافتتاحية التقليدية للحدوتة والتي تعتبر أيضًا من أهم الخصائص الحدوتة فتقول " كان يا مكان يا سادة يا كرام مايحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام" " كان يا مكان في سالف العصر والأوان كان في .."

وتبدأ الأم أن تحكي الحدوتة لأبناءها بأسلوب مشوق وجذاب وتعطي من خلال الحدوتة قيمة أخلاقية تتمثل في معاني الخير والأمانة وأحترام الكبير والعطف على الصغير وبالنسبة للفتيات يتعلمن من الحواديت عدم الانسياق وراء الغرباء ومساعدة الأم في المنزل وأيضًا مساعدة كل محتاج حتى تكون تصبح جميلة مثل ست الحُسن ويجب أن يسمع الولد كلام والديه ويكون شجاعًا حتى يكون مثل الشاطر حسن وغيرها من الحكايات التى يحاكيها ويتعلمها الأطفال فتكون الحدوتة حجر الأساس الأول في تنشئة الأطفال على معاني وقيم الحق والخير والجمال وهذا مايحتاجة الطفل في السنوات الأولى من حياته، ثم تختتم الأم الحدوتة في عدة سياقات " توتة توتة خلصت الحدوتة ... حلوة ولا ملتوته؟ أو"عاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات".

الأم والطب الشعبي:

وتوضح الباحثة زينب محمد عبد الرحيم أن الطب الشعبي يندرج داخل منظومة علم الفولكلور كفرع من المعتقدات الشعبية وأيضًا مرتبط أرتباطًا وثيقًا بالمعارف الشعبية وتتميز الجدات والأمهات في الثقافة الشعبية بإعتمادهن على الكثير من المعارف الشعبية الخاصة بالطب الشعبي والمعالجة بالأعشاب والرقية والتعاويذ وغيرها من الوصفات وتلجأ الأمهات كثيرًا إلى ما يُعرف بالطرق التقليدية في علاج الأطفال من المغص عن طريق غلي اليانسون و الأعشاب لتهدئة معدة الطفل وعند السُعال غلي ورق الجوافة وعندما يُصاب الطفل بجرح تسد الدم بالبن وعندما تشعر الأم أن طفلها محسود تقوم بقراءة الرقي عليه وتقول " بسم الله أرقيك من كل شئ يأذيك الله يشفيك".

وأحيانًا تقوم بأطلاق البخور وفي بعض الحالات المرضية المستعصية على الأم في المنزل تلجأ إلى طرق شعبية آخرى كالذهاب إلى شيوخ الأضرحة أو زيارة الأولياء والقديسيين والتوسل لهم من أجل طلب الشفاء وهذه العادة المرتبطة بزيارة الأولياء طلبًا في الشفاء لها عمق حضاري في الحضارة المصرية القديمة حيث كان المصريين قديمًا يذهبون إلى المعابد التي خُصصت للطبيب إمحوتب ويلتمسون من روحه العلاج وعُثر على نصوص دونها المصريون بأنفسهم يشكرون روح الطبيب إمحوتب على مساعدة المريض والشفاء من الأمراض فهذه العادة متوارثة من المصري القديم ولم تنشأ من فراغ ولكن لها جذر حضاري عميق في الذاكرة الثقافية لدي الثقافة الشعبية المصرية.

وتتجلى مظاهر الأمومة في الأمثال الشعبية ونصائح الأم لابنها بعد أن يبلغ مرحلة المراهقة وتحتضن ابنتها وتعطيها هذا المخزون من الموروثات المتمثل في الحكايات وغيرها من عناصر الثقافة الشعبية وتنصحها عند اقتراب الزواج وهناك عادات لا حصر لها في هذا الاحتفال بداية من تجهيز العروسة وتنظيف جسدها وتزينه بالحنة وغيرها من الأعشاب ويتخلل كل هذا الأغنية الشعبية وما تحمله من معاني تُجسد شكل العلاقة الزوجية وربما بها بعد المحذورات ولكن العقل الجمعي أتفق على تلك الكلمات ولازالت تحتفظ وتؤدي وظيفتها لمن يحفظها فكل هذا الموروث الضخم يتجسد في الأم وما تحمله من موروث مرتبط بابنائها منذ الولادة وحتى ترى أحفادها وتُصبح جدة تروي الحكايات لأحفادها ولا يسعها إلا أن تقول أعز الولد ولد الولد.


اقرأ أيضا | خبير آثار: الاحتفال بعيد الأم يرجع بجذوره لمصر القديمة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة