د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

البحث عن نفرتيتى

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 22 مارس 2023 - 06:54 م

لقد دفعتُ مبلغا كبيرا ثمنا لتذكرة الدخول حتى أسلّم على نفرتيتى فى متحفها الواسع ببرلين، وهم لا يدرون أنها جدتى

نفرتيتى برلين

لم أكد أذهب إلى البريد كى أرسل خطابات للأهل فى مصر حتى صُدمت وأنا أقرأ طابع البريد الذى باعتنى إياه موظفة البريد فى بون بألمانيا بأدب جم.. يا إلهى..

ها هى نفرتيتى مرسومة على الطابع ومكتوب تحتها «نفرتيتى برلين» قلت للموظفة: ومتى حكمَت نفرتيتى ألمانيا؟! ثم أردفتُ قائلا: لعها من مواليد برلين أو بون!

قالت: لا، ثم نظرت إلى الخطاب بين يديها وقرأت مصر فقالت منتبهة: كلا إن نفريتى مصرية، لقد فهمتُ ما تودّ أن تقوله ولكن موجودة فى متحف برلين.. قلت لها: كان أوْلى بكم أن تكتبوا نفرتيتى المصرية والمسروقة إلى برلين..

قالت فى تحدٍ ظاهر: نحن لم نسرقها يا سيدى، قلتُ لها: ردّوها إلى مكانها.. قالت لى: إن لديكم ما يقرب من ثُلث آثار العالم وتبحثون عن رأس نفرتيتى..

عند هذا الحد توقف الحوار إذ أن هذه الموظفة لديها من العمل ما يشغلها عن الاسترسال فى الحديث ولكن هذا الحوار أثار فى نفسى شجونا شتى.. وتذكرتُ حال آثارنا وكيف أُهديت التماثيل والمسلات من مماليك مصر وحكامها إلى ساحات أوروبا وأمريكا!!

ولكن ألا يتطلب هذا وقفة مع النفس حتى ننقذ آثارنا فى الخارج؟ لماذا لا نشكل لجنة فنية لحصرها وأخرى قانونية لاستردادها أم أننا نمتلك الكثير والكثير؟! وإذا عُرضتْ فى متاحف خارج مصر فلماذا لا يكون لنا نصيب وفير من دَخْل التذاكر والإعلانات، لقد دفعتُ مبلغا كبيرا ثمنا لتذكرة الدخول حتى أسلّم على نفرتيتى فى متحفها الواسع ببرلين، وهم لا يدرون أنها جدتى. 

كرامات معرض الكتاب

فى الندوة التى أقيمت بمعرض القاهرة الدولى للكتاب عن كتابى «أديبات الكرامة الصوفية الدولى فى الشكل والمضمون» والتى أدارها الدكتور أحمد عفيفى متحدثا عن الكرامات وأثرها فى المجتمع بينما تحدث الدكتور أبو اليزيد الشرقاوى والأستاذ عبده مباشر عن الكتاب فكل الشكر لهم على هذا الكرم النقدى الذى قدّم الكتاب للجمهور؛ وقد لفت نظرى حضور الكرامات فى الذهنية العربية؛ والكرامة هى «خرْق العادة» يُجربه الله تعالى على يد وليٍّ من أوليائه، وفى جميع الأديان والأزمان والأمم وُجدت الكرامات والعجائب وقد أفاد الأدب العالمى كثيرا من توظيف الكرامات التى حلّت محل الصُّدفة والفارق بينهما أن الصدفة أمر عادى بينما الكرامة تحدوها القداسة، وفى صعيد مصر وجدتٌ حضورا كبيرا للكرامة يفسر بها المجتمع التغيّرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تطرأ على الناس والمجتمع وقد وظفها نجيب محفوظ وجمال الغيطانى فى أعمالهم الإبداعية، كما وظفها تحت مسميات أخرى أدباء عالميون مثل ماركيز.

دارت مناقشات عدة حول الكتاب الذى حاولتُ قدر الإمكان ألا أقع فى فخ الإيمان بوقوعها أو إنكاره لأن هدفى كان دراسة الكرامات كجنس أدبى إبداعى ربما كان أساس الحكْى فى البدء، وكان الشيخ محمد الطيب - رحمه الله - يقول: «لحظاتنا كلها كرامات وليس هناك كرامة أفضل من كرامة العلم». كل الشكر لمن شاركوا ولمن حضروا وأشكر أخى الأستاذ الدكتور أحمد بهى الدين رئيس الهيئة العامة للكتاب على هذا المعرض المبهر الذى نفخر به وهذا الجهد الكبير من فرق الإعداد والتنفيذ وهذا النجاح يؤكد أهمية القوى الناعمة لمصر.

المياه الجوفية والسكان

من يسافر فى صحراء مصر شرقا أو غربا يجد مساحات كبرى قابلة للزراعة والمعيشة، فلو أننا نقلنا أعدادا من الناس من الوادى الضيق وأقمنا مجتمعات سكانية على غرار مديرية التحرير والوادى الجديد الذى حوّل الواحات وما حولها إلى مجتمعات سكانية ناجحة جاذبة للسكان، كما أن إقامة جامعات فى هذه الأماكن يُسرع فى النمو السكانى فلماذا لا ننشئ جامعات فى حلايب وشلاتين وفى بعض الواحات الغربية ومدن الشواطئ؟ فلنفكر لأن وادى النيل يضيق ويزدحم بساكنيه فلنبحث عن حلول غير تقليدية، فماذا لو منحنا كل خريج من كليات الزراعة ومدارس الزراعة عشرة أفدنة يصلحها ويزرعها حتى يتملكها مجانا إن أثمرت، ونذلل لهم الصعاب حتى ينجحوا فى تحويل الصحراء إلى جنة خضراء. 

د.الكردى و  د.أحمد يوسف

بينما كانت السيارة تنهب الطريق الصحراوى بين قنا وسوهاج لتأدية واجب العزاء فى صديقيْن رحَلا فى يوميْن متتاليين هما الناقد الأدبى أ.د.عبد الرحيم الكردى والأستاذ الدكتور أحمد يوسف خليفة أستاذى الذى علمنى النقد الأدبى كانت الذكريات تنهال على قلبى؛ تعود معرفتى بالدكتور عبد الرحيم الكردى إلى سنوات عديدة وقبل شهور قليلة كنتُ فى ضيافته بكلية العلوم الإنسانية بجامعة قناة السويس بالإسماعلية لنناقش رسالة للباحثة المتمكنة هبة رجب شرف الدين أشرف عليها، كان الحوار جميلا وكان بصحبتى الصديقان د.محمود الضبع والدكتور عبد الحفيظ محمد ومضينا نرى معالم الإسماعيلية وفى اليوم التالى زارنى وبصحبته د.محمود الضبع فى مزرعة أخى محمود على مقربة من الإسماعيلية ومضيا فى حديث ممتع حتى المساء، أهدانى روايته اللوذعى التى تدور أحداثها عن أبى العلاء المعرى وسأعود لها لاحقا ثم رأيته بالأقصر وكان هذا آخر العهد به رحمه الله؛ أما أستاذى الدكتور أحمد يوسف خليفة فقد درّسنى فى الفرقة الأولى بكلية الآداب، وكان رحمه الله بحرا فى النقد الأدبى طوّف بنا فى نقد العصر الجاهلى حتى العباسى، كان أبا فى محبته، ورائدا فى نقده وأستاذا فى هيبته وسمته، صار التلميذ أستاذا لكنه لم ينس فضله ورعايته، كان دائم السؤال عنى، نتبادل الكتب وأشاركه فى مناقشات الرسائل الجامعية؛ كانت السيارة تنهب الطريق لتصل إلى أولاد يحيى بقرية الحاجر تتوقف أمام ديوان العائلة العامر، كانت الوجوه حزينة لفقده، رحت أقول لابنه البار محمود إننا شركاء معك فى محبة أستاذنا، كانت الوجوه أقرب إلى وجوه أهلنا فى قنا؛ كان المقرئ يتلو آيات قرآنية ثم تحدث د.وحيد الدين الطاهر عن مناقب أستاذى وعن شمائله كان د.أشرف أمين بصحبتى، عزّينا أهلنا فى أولاد يحيى وابن أخته الصحفى محمد سليمان وأبناء عمومته لنخرج متجهين بصحبة الدكتور العالِم محمد عبد العال إلى قرية العزبة المجاورة للحاجر حيث ديوان آل الكردى لنعزى فى وفاة د.عبد الرحيم الكردى، كان الديوان عامرا إلا من وجوده، عندما شددت على يد أخيه معزيا كانت كل الذكريات تعود فى عقلى لتشابه ملامح أخيه مع ملامحه، كان الدكتور عبد الرحيم والدكتور أحمد يوسف صديقين وها هما يرحلان فى يومين متعاقبيْن؛ ورحت أتساءل: ترى كم سيمر من الوقت حتى تنجب قبيلة أولاد يحيى ناقدين كبيرين مثلهما.. لكن بينما أعود من العزاء كان لدى يقين أنهما زرعا فى نفوس تلاميذهما ما يجعل مصر ولّادة؛ رحمهما الله تعالى. 

قوى مصر الناعمة

منذ التاريخ احتفظت مصر بقواها الناعمة التى أثّرت فى العالم ثقافة وفنا وتعليما فالمعلم المصرى أسهم فى نهضة المدارس والجامعات العربية جمعاء، والطبيب المصرى له دور منشود فى مستشفيات الوطن العربى وعلماء الأزهر جابوا الكرة الأرضية نشرا للوسطية والاعتدال ومحاربة الشطط والغلو والتكفير، وقد ساعد الإعلام المصرى فى نشأة وتطور الإعلام العربى كما لا ننسى دور الفن المصرى بمسلسلاته وأفلامه ومسرحياته وغنائه وما كان لها من دور رائد فى المنطقة وكم يسعدنا أن نرى أشقاءنا العرب فى تطور وازدهار فمصر بالعرب والعرب بمصر، فكيف السبيل إلى الحفاظ على قوى مصر الناعمة؟

سعد عبد الرحمن وداعًا

كيف رحلْتَ يا صاحبى؟ وكيف لك أن تمضى إلى الخلود دون وداع؟ كيف للحزن الذى خلفته فى قلبى أن يمر وأن يتوارى مع مرور السنين والأيام؟ هل سأهاتفك ليجيب الهاتف أنه خارج نطاق الحياة.

ما أهون هذه الحياة، كيف أحرك وجودك من خانة الأصدقاء الأحباب إلى خانة الراحلين، يا سعد: هذه هى الحياة التى تركتها وتركت لنا أكوام الحزن نقتاتها باحثين عنك فى ذاكرتنا فتى مبتسما تنفرج أسارير وجهك عند التحدث وعند اللقاء، يا سعد عندما زرتَ قريتى مع صحبك من الشعراء وألقيتَ قصائدك قلتَ: إننى وجدت نفسى بين الناس فى القرية، ها هم الآن يسألون عنك فماذا أقول لهم؟ عندما كنتُ بالمستشفى بأسيوط قبل سنين إثر حادث أليم لم يخفف ألمى سوى زياراتك يوميا بصحبة الصديق الراحل الشاعر شوقى أبو ناجى ومناجاة الشعر حتى يخف ألمى واستسلمُ للنوم فتنسحبان فى هدوء؟

يا سعد لماذا ترجلت وذهبت بعيدا وتركت هذا الحب وهذا التذكر؟

فليرحمْك الله وليرحمنا. اللهم إنه فى جوارك وأنت أرحم الراحمين.
فى النهايات تتجلى البدايات
قال بهاء الدين زهير:
وَقائِلَةٍ لَمّا أَرَدتُ وَداعَها
حَبيبى أَحَقّاً أَنتَ بِالبَينِ فاجِعى
فَيا رَبَّ لا يَصدُق حَديثٌ سَمِعتُهُ
لَقَد راعَ قَلبى ما جَرى فى مَسامِعى

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة