دائما ما اتخذت القوي الاستعمارية حجج واهية لتبرير احتلالها للشعوب العربية ، ولعل "حادثة المروحة" التي وقعت في مثل هذا اليوم 29 أبريل ، والتى استغلتها فرنسا ذريعة لاحتلال الجزائر 132 عاما أبرز دليل على ذلك.

فى ١٨١٨ تولى (الداي حسين) حكم الجزائر، وقد تميزت شخصيته بالغيرة على وطنه ودينه وشعبه، وكان من التقاليد السياسية أن يقوم قناصل الدولة الأجنبية بزيارة (الباشا) فى المناسبات المهمة، وفى مناسبة الاحتفال بعيد «الفطر» فى مثل هذا اليوم من عام ١٨٢٧ بـ "قصر القصبة" ، دار حديث بين القنصل الفرنسي وبين الباشا حول الديون المستحقة للجزائر لدى فرنسا ، والتى كانت تقدر بـ٢٠ مليون فرنك فرنسى، والتي نتجت عن دعم الجزائر لفرنسا خلال حصارها أعقاب الثورة الفرنسية.
ورغم عجز فرنسا عن سداد ديونها للجزائر، فما كان من القنصل الفرنسى إلا أن رد بطريقة غير لائق فأمره الباشا بالخروج من حضرته، لكنه لم يتحرك فلَّوح له الباشا بالمروحة التى كانت فى يده ، وهناك من قال أن المروحة لمست القنصل الفرنسي ، كما قيل " إنه ضربه بها على وجهه) ، ولم تفوت فرنسا الفرصة .
دوافع اقتصادية
وقام شارل العاشر في ١٢ يونيو ١٨٢٧ بإرسال إحدى قطع الأسطول الفرنسى إلى الجزائر، وجاء قبطانها إلى الباشا وطلب منه أن يصعد إلى السفينة ويعتذر للقنصل فلم يوافق الباشا، فاقترح القبطان على الباشا الاعتذار للقنصل بمحضر الديوان فى وجود القناصل الأجانب، أو يرسل بعثة برئاسة وزير بحريته إلى السفينة ليعتذر باسم الباشا إلى القنصل، ولم يقبل الباشا فحاصر الفرنسيون الجزائر فى ١٨٢٨ لمدة ٦ أشهر حصاراً ،وكانت هذه الحادثة بداية لاحتلال الجزائر ١٣٠ سنة.
المؤرخون أكدوا أن فرنسا لم تقدم على احتلال الجزائر من أجل الانتقام لشرفها، وإنما كانت هناك أسباب أهرى كثيرة أهما الثورة التي اندلعت سنة 1789 وأدت إلى عزل فرنسا عن الساحة الأوروبية، وذلك لتخوف الأنظمة الملكية القائمة بأوربا آنذاك من امتداد الشعارات المعادية لسلطتي النبلاء والدين لمختلف الممالك الأوروبية.
الهروب من سداد الدين
ومن هذا المنطلق حولت فرنسا وجهتها خارج أوربا ولكي تضمن تموينها بالسلع الأساسية.، فبدأ نابليون بونابرت حملته الشهيرة على مصر سنة 1798، وحتى يضمن تموين جيشه الضخم التجأ الداهية الفرنسي لخدمة تاجرين يهوديين هما كوهن البكري ونفتالي بوجمة (المعروف باسم بوصناخ) اقترحا عليه استيراد القمح من ولاية الجزائر العثمانية، وهو ما تم حتى استمر تموين فرنسا بالقمح الجزائري من طرف التاجرين البكري وبوصناخ طيلة كافة فترة الحروب النابليونية (1803 1815) وعودة الملكية (ابتداء من سنة 1815)، وأمام الظروف الاقتصادية الصعبة في فرنسا نتيجة مخلفات حروب نابليون وعزلتها الأوروبية تراكمت على الفرنسيين ديون بقيمة 28 مليون فرنك ذهبي فرنسي، أي قرابة 262 مليون يورو حاليًا، وهو مبلغ خيالي في ميزانية دولة في القرن التاسع عشر.
وكان الوالي حسين داي أكثر ولاة الجزائر إلحاحًا وإصرارًا على استخلاص الدين الفرنسي، لذلك فقد كتب ثلاث رسائل لملك فرنسا شارل العاشر يطالبه فيها بتسوية المستحقات الجزائرية، وفي غياب رد من الملك استدعى الداي حسين القنصل الفرنسي بيير دوفال والذي قال لوالي الجزائر أن ملك فرنسا لا يمكن أن يجيب واليًا عثمانيًّا، وهو ما أغضب حسين باشا (المعروف تاريخيًّا بشجاعته وبحدة طبعه)، مما دفعه إلى صفع القنصل الفرنسي بمروحته.
مقاومة الاحتلال
وقد استمر صمود الجزائريين طوال فترة الغزو متمثلا في مقاومات شعبية تواصلت طيلة القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين.
وأدرك الشعب الجزائري أنه لا حرية له ولا استقلال إلا عن طريق النضال والكفاح المسلح، وفي 23 مارس 1954 تأسست اللجنة الثورية لوحدة العمل ، مما اضطر فرنسا إلي قبول مبد التفاوض.
الاستقلال
وفي الأول من يوليو عام 1962 تجلى عزم الشعب الجزائري على نيل الاستقلال عبر نتائج الاستفتاء التي كانت نسبتها 97.5 بالمائة بنعم.
وتم الإعلان عن استقلال الجزائر يوم 3 يوليو 1962 واختير يوم 5 يوليو عيدا للاستقلال.