د. محمود الهواري
د. محمود الهواري


د. محمود الهوارى.. عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر:واجبات الأزهرى المعاصر مواجهة تزييف المفاهيم الصحيحة

مفهوم الوسطية مظلوم حين يخلطه البعض بالتمييع وتغييب الشريعة

عبدالهادي عباس

الثلاثاء، 28 مارس 2023 - 09:46 م

 

 فى ظل ما تموج به الساحة الدينية والفكرية من آراء ومعتقدات وأفكار قد تتفق مع واقع الوطن وتاريخه أو تختلف معه، وقد تكون نابعة من قيم بلادنا أو قد تكون غريبة عنها، فى ظل هذا التنوع الذى قد يتسم بالتدافع أحيانا، ولأنى معنى بشكل رئيسى برؤية علماء الأزهر، كان هذا الحوار الرمضانى السريع مع أحد أعلام الأزهر الشريف؛

 إنه د. محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر الشريف، والأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الدينى بالأزهر، الذى يؤكد أن الحراك الفكرى والمجتمعى إذا كان بمعنى التنوع فهو ظاهرة إيجابية؛ لأن المجتمعات التى تكون بلا حراك مجتمعات ميتة وغير منتجة، والأمة التى تفكر لا يخشى عليها، ما دام هذا التفكير فى إطار من المعايير المتفق عليها، ولا يتصادم مع أحد مكونات هوية المجتمع.


والحقيقة إن التفكير والتأمل ظاهرة صحية، والدين نفسه يدعو للنظر والتدبر والتفكر، بشرط أن تكون نتيجة هذا الحراك إثراء المجتمع، ودون أن يكون خروجاً عن الثوابت وتهديداً لما استقر فى وجدان المجتمع.
ويضيف د. الهوارى أن مفهوم الوسطية مظلوم للأسف، يفهمه بعض الناس على غير معناه الحقيقي، وهذا الظلم وسوء الفهم الذى تعرض له مفهوم الوسطية نابع من حالة الاتهام التى زادت فى الفترة الأخيرة، حتى صار كل شيء متهما، المفاهيم متهمة، والمؤسسات متهمة، والرموز متهمة، وطعن بعض الناس فى نيات بعض، وهذا أمر غير أخلاقى ولا دينى بالمرة، ولا يفيد المجتمع فى شيء.


ومن سوء الفهم الذى تعرضت له الوسطية أن بعض الناس يخلطون بينها وبين التمييع والتفلت من أوامر الشريعة، أو عدم التقيد بأحكام الدين وآدابه، باسم الوسطية والتيسير والمرونة، وهذه المفاهيم فى ذاتها مقبولة وجميلة وصحية، لكن لها ملامح وضوابط.


ويتابع د. الهواري: إننى أحمد الله عز وجل على نعمة الأزهر الشريف، فهذا من حسن تقدير الله لمصرنا المباركة، والوسطية التى يتبناها الأزهر هى وسطية المنهج فى غير اتباع للهوى، ولا مجاملة لإنسان؛ وإنما كان الأزهر وسطيا لأن الوسطية هى حقيقة الإسلام وجوهره التى يحمل الأزهر أمانة بلاغها للناس.
والوسطية ليست كلمة تقال فحسب، بل هى منهج متوازن فى التعامل مع الحياة بشكل عام، فالوسطية هى التى تحفظ الإنسان من العصبية المذهبية الضيقة، ودون أن تجنح به إلى اللامذهبية المفرطة؛ والوسطية هى التى تحول بين الانفتاح على العالم بكل ما فيه بلا ضوابط، وبين الانغلاق على النفس بلا مبرر؛ والوسطية هى التى تحترم العقل؛ فلا تمنعه ممارسة التفكير ومحاولة الفهم السديد، وتحترم النص فى إطار القواعد العلمية المستقرة؛ والوسطية هى التى تتعامل مع الإنسان بتوازن واعتدال، فلا هو إله يعبد من دون الله، ولا شهواته بالتى تقدم بين يدى أوامر الوحى، وكذلك لا رهبانية ولا تسامى عليها.


ويضيف د. الهوارى أن الحياة بلا جمال عدم، والعالم الأزهرى معروف بلطفه وجميل حديثه، وعذب كلامه الذى يأسر به القلوب، فباب الأدب باب واسع لإدراك الجمال وتربية الطلاب عليه، وكثير من العلوم تستعير من العلوم فترى الاستشهاد النحوى والصرفى وفى غيرهما بأبيات جمالية، وليس استشهاداً أصم، وحتى فى غير الأدب ترى مناهج الأزهر تربى هذا الحس فى النفوس، فترى المتحققين بمناهج الأزهر يظهر على وجوههم البشر والسرور، وعلى ألسنتهم الطرافة والعذوبة، فترى النحاة يخرجون من أحكام الإعراب والبناء المعروفة إلى أحكام المتأدبين، فيقولون للفعل المبنى للمجهول هو مبنى لما لم يسم فاعله، تأدبا مع الله، ويقولون لاسم الجلالة إن وقع موقع المفعول منصوب على التعظيم، وهكذا.
وأظن أن كثيراً من المشكلات الآن سببها عدم رؤية الجمال فى الكون، فالمشكلات الأسرية بين الأزواج والزوجات سببها فقد الجمال، ومشكلات الكراهية بين الأقارب والجيران سببها فقد الجمال، وهكذا؛ ولذلك نرى الفقهاء والمحدثين والمفسرين يربون أتباعهم على رؤية الجمال من حولهم، وغالبا ما نجد فى الكتب لطائف العلم، هذه اللطائف وإن لم تكن مثل النكات المعاصرة، لكن ما تتركه فى نفوس المتعلمين طربا واستقرارا هو ما أرمى إليه.
ويؤكد د. الهوارى أن حفظ المجتمع واجب الأزهرى فى كل عصر، ولكن أراه الآن ملحا، فقديما كان العلماء والفقهاء ينظرون فى أحوال الناس، من جهة أخلاقهم، ومن جهة ما يجرى بينهم من المعاملات، فيصلحون ما كان فاسدا، ويصلون ما كان منقطعا.


ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فهو سيد العلماء، فقد كان يمر فى السوق ويختبر أمانة الناس فأدخل يده مرة فى كومة طعام فأصابت بللا، فسأل صاحب الطعام فقال: يا رسول الله أصابته السماء، يعنى نزل المطر فابتل الطعام، قال ألا أظهرته للناس، ومعلوم أن الطعام المبتل بالماء فى الميزان أثقل من الطعام الجاف، لكن انظر إلى المراجعة والتقويم، وهكذا يكون العلماء حين يصححون معاملات الناس، ويتقدمون بحلول لمشكلاتهم.
وأوضح أن واجب العلماء الآن لا يقف عند ضبط المعاملات فقط، بل مواجهة ما تتعرض له العقول والقلوب من محاولات تشويه الرموز وتزييف المفاهيم الصحيحة، ونشر المفاهيم المغلوطة، هذا هو الواجب مواجهته؛ انطلاقا من روح الشريعة التى تأمر بالوحدة والاعتصام بحبل الله، فضلا عن أن هذه الموجات من إلحاد وشذوذ ومفاهيم منحرفة تبدد جهود التنمية، وتهدد الهويات، وتشكك الناس فى ثوابت العقيدة، وتحاول إحداث توتر فى المجتمعات المستقرة الآمنة .

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة